خاطرة: غريب في عزة نشوة العيد “

لينا بريس


بقلم سعيد الهياق //
” للغربة آهات أوجاع لا يشعر بها إلا مَنْ تجرع مرارة العيد خارج الديار *
يا هذا…
يا نحن على مقربة من السفر إلى قضاء عيد الأضحى (عيد الكبير كما تعودنا و كما عودتنا على تسميته و نحن صغاراً) مع أسرتي. لعلها أسرتك أيضاً ولعله بيتك الثاني. قالتها وصدى تدوينة عيد الفطر الماضية لازالت ترخي بظلالها على الكاسحة على مخيلتها.
أنذاك كانت التدوينة تحت عنوان ” العيد ومتاهات الغربة”؛ وقد حققت انتشاراً على صدر المواقع الإلكترونية المغربية و العربية. وتفاعل معها بإيجابية أبناء المهجر وكل من حرمته آليات القهر الفردية الجماعية من قضاء العيد داخل الديار بين الأهل والأحباب.
لعلها تدوينة لامست إلى حد ما جوهر الحرمان من نشوة فرحة العيد بطقوس الحي والمدينة وزيارة الأهل والأحباب.
وقد تكون هذه الطقوس الجميلة الرائعة من الأسباب الكامنة وراء توديعي عالم الجندية بلا رجعة.
ألازلت تذكر يا صاح…
يوم كنا أطفالاً نجوب أزقة أسواق المدينة بلهفة لرؤية ملابس العيد منها المترامية عند الباعة المتجولين على حافة الشارع وهم يصرخون وأصوات حناجرهم تصعق الآذان: ” لا غلاء على المسكين”؛ وبالجهة المقابلة ملابس فوق العادة بألوان زاهية وتصاميم خارقة. لكنها داخل المرايا تسرق الأنظار عن بعد.
ألازلت يا صاح…
تذكر يوما فكرتَ أنتَ قبل أن أفكر أنا، وتجرأت على لمس الزجاج لتريني جمال تلك البدلة المذهلة وبسرعة البرق الخارق تلقيت صفعة صاعقة اخترقت الزجاج. وكأن المجسم الثابت تمت برمجته على صفع من هم أمثالنا حتى لا تسول لهم أنفسهم الاقتراب من زينة ملابس ليست لنا؛ أو الحلم بها. وليبلغ الشاهد الغائب هذه أسواق الأسياد و الأعيان.
ألازلت يا صاح…
في تلك الليلة المعلومة المشهودة أطلقنا السياق للريح إلى أن وصلنا إلى ثكنة الحي ونحن نلهث. ولما سألونا عن الخذ الشديد الحمرة لم تنطق ببنة شفة. فقلت لهم كنا في سباق وقد اجتزتَ بسرعة عويطة مسافة الميل. (1609 متر )
في الصباح كنا نتسابق إلى ركوب الشاحنات المزينة هي الأخرى؛ والتي وحدها تستقبلنا تنقلنا إلى المصلى ونحن نتباهى بملابس العيد الجديدة. أما السيارات على قلتها فلها مرتادوها.
ونحن في الطريق نغني بصورة جماعية أغنيتنا المشهورة: ” ِزيدْ… زِيدْ يا شِفُورْ (السائق) شوية بالموطور يعني أسرع… أسرع نريد أن نسبق إلى المصلى.
والسائق هو الآخر منتشي بفرحة العيد بجانبه أولاده أو أحد أصحابه.
كنا نعيش فرحة هستيرية جماعية بالعيد السعيد.
تلك ملحمة من ملاحم الطفولة في عز البساطة والتلاحم الأسري وعنفوان التماسك الاجتماعي.
تلك كانت نستالجيا من الزمن الجميل.
بعد مراسيم دبح الأضحية وبعد حفل الغذاء الجماعي البهيج. التمست من زوجتي وأفراد العائلة الخروج بدل القيلولة الجماعية.
قالت إلى أين أنت ذاهب يآ سيد.
إلى مقهى المسافرين الموعود.
قالت وكأنك تريد أن تعيد التدوينة؟
رفقاً يآ سيد بنا، أظن أنك قضيت أجواء العيد في أبهى و

أحلى صورة جميلة على حد تدويناتك.
ما تكتبه يرسل إلي من بعيد بالتفصيل حتى وإن لم أكن من أصدقائك على وسائل التواصل الاجتماعي.
يا زوجتي العزيزة ما أكتب إلا القليل مما يشعر به الغريب والمسافر على حد سواء.
مهما كتبت عن فرحة هذا العيد فهي مزيفة بلا طعم.
فرحت استلبت من أبناء الطبقات الشعبية بلا رحمة. مجموعة من الأسر العائلات لم تنعم بأضحية العيد بسبب الغلاء الفاحش للأضاحي بأرقام فلكية قياسية لأسباب اقتصادية واجتماعية بنيوية حيرت عقول أولي الألباب. وتصدرت أخبار الشناقة العناوين الكبرى في غياب توضيحات من الجهات الرسمية . وكأنهم هم تحكموا في حرمان العديد من الأسر العائلات من الأضحية.
ذهبت بعد صلاة العصر من يوم العيد الإثنين 17 يونيو 2024 الموافق ل ١٠ من شهر ذي الحجة 1445 إلى مقهى المسافرين. للأسف الشديد وجدته خارج الخدمة. نسيتُ أو تناسَيْتُ أنه يوم العيد. وربما قد يكون أحداً أزعجته التدوينة التي كنت بصدد كتابتها عن فرحة العيد المزيفة الناقصة.
أعود وأقول أنها فرحة ناقصة بغياب تلك الأرواح الطاهرة التي كانت تسكن بيتنا البسيط وكانت تسهر بحرقة على تمتيعنا بفرحة العيد كما أقراننا.

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 00:20

المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة.. الرسالة الملكية تؤكد الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك لإنجاح التنمية الجهوية (السيد لفتيت)

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:10

الدكتورة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله.

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:01

تارودانت: مديرية التعليم تنجح في تنظيم البطولة الإقليمية للشطرنج

السبت 21 ديسمبر 2024 - 22:27

انتخاب المكتب الجهوي لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بجهة مراكش آسفي