“كراطة كبرى ” لاستئصال المفسدين من ناهبي مال الأمة

لينا بريس

عبدالفتاح المنطري

إنَّ المعركة ضد الفساد تحتاج إلى النضال الطويل والمكلف والمؤلم من أجل النجاح”، يقول “برتراند دو سبيفيل”، صاحب كتاب “التغلب على الفساد”الصادر بلغة شكبير والذي يعد مرجعاً أساسياً في مجال محاربة الفساد؛ بمعنى أنه لا يمكن الحصول على نتائج ذات أهمية ناجعة ومثمرة دون “تحمّل وصبر” من مختلف المتدخلين، خاصة المواطنين الذين يشكلون الضحية الأولى للفسادويشبّه “دو سبيفيل” الفساد بالداء المزمن والمستفحل الذي يحتاج علاجه إلى تضحيات جسام، ليس أقلها الصبر للعلاج الكيميائي، ويضيف أن مكافحة الفساد تحتاج إلى استراتيجية وطنية ذات أهداف واضحة وقابلة للتحقيق تتأسس على ثلاثة مرتكزات، تسند بعضها بعضاً، هي “التحقيق والملاحقة والوقاية” بشكل جاد جداً عبر تطوير المساطر والأنظمة، ثم تليها التربية والتوعية باعتبارهما ضروريتين لمحاربة الفساد لدى الأجيال الناشئة، وتغيير النظرة المجتمعية المتسامحة معه أو التي تجعل منه شرّاً لا بد منه أو واقع حال يستحيل أو يصعب زوالهولدينا مثال تطبيقي ناجح هو دولة سنغافورة، التي تعد أنموذج الدولة الخالية من الفساد، باعتمادها إجراءات بدأتها باستهداف قيادة الدولة وعلى رأسهم الوزراء والمدراء الكبارحكومة اجتماعية أم حكومة الشعارات؟ليس لحكومة السيد أخنوش خيار آخر أمام الارتفاعات المتوالية في أسعار العديد من السلع والمواد الغذائية والخدمات وتدهور القدرة الشرائية لفئات عريضة من المواطنين المغاربة بينهم من صوتوا على أحزاب الأغلبية الحكومية،إلا بتفعيل الشعار الانتخابي لحزب الحمامة “تستاهل أحسن” على الأقل بهذا المنظور،وذلك برفع الأجور العامة والخاصة والمعاشات العامة والخاصة بنسب مهمة والتخفيض من الضرائب والرسوم على الدخول والمعاشات بمعدلات مهمة والزيادة أيضا في نسب التعويضات العائلية بمبالغ مهمة، خصوصا للطبقتين المتوسطة والدنيا من عموم المغاربة، بعدما عانتا طيلة عمر الحكومتين السالفتين غير المأسوف عليهما وأثناء سنوات الجائحة المرة وخلال ما شوهد أيضا من تداعيات الحرب الروسية –الأوكرانية، والباقي يعلمه الله وحدهلقد كانت آخر استحقاقات انتخابية أيضا فرصة ذهبية للمرشحين لاستعراض الوعود المعسولة والبرامج الانتخابية التي بدت وكأنها جنة فوق الأرض ستتحقق لشرائح عدة من المجتمع،كل كان يغني على ليلاه في تنافس شديد من أجل كسب المزيد من أصوات المواطنين، منهم من كان “ينزل الشتا فلوس” حسب تعبير سعد الدين العثماني ومنهم من كان يحاول استمالة الناخبين بروح معنوية و بتعهدات منه بغد مشرق أفضل من الأمسفمن وزع المال الانتخابي لشراء ذمم المواطنين المحتاجينوحاول كسب سقف أكبر من الأصوات، إنما كان يغامر بمستقبل هذا الوطن ومستقبل مواطنيه، فالمثل المغربي يقول “كون سبع وكولني”، فلتكن أيها المرشح نزيها، واثقا من صدق برامجك، صافي النية، حسن السمعة، فيك غيرة على وطنك، خادما لمصالح المواطنين، قريبا منهم ومن تطلعاتهم ومن آلامهم وآمالهم، وسوف لن تلقى منهم غير الترحاب تلو الترحاب دون أن تضطر لشراء أصواتهم والدوس على كرامتهمأين السجل الاجتماعي الموحد لأثرياء الريع والفساد؟وأخيرا أقول لرئيسي حكومتنا السابق أو اللاحق بأننا كأرباب أسر متوسطة من الموظفين والمتقاعدين،لقد ضقنا درعا بما آلت إليه أوضاعنا المعيشية من ارتفاعات مهولة في جل الأسعار دون أن تواكب ذلك إعفاءات أو تخفيضات في الوعاء الضريبي والزيادة في الرواتب والمعاشات والتعويضات العائلية بنسب مهمة مثل ما جرت عليه الأمور بعدة دول أوروبية وخليجية وآسيوية لخلق التوازن المطلوب بين المداخيل والنفقات عند الأسر دافعة.الضرائب للدولة باختلاف أصنافها وأن تستفيد أيضا من ثروات وطنها الظاهرة والباطنة بعيدا عن منطق الريع والمحسوبية والزبونية و عملا بمنطق تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعيةلكن،كيف يمكن إذن مكافحة الفساد من دون تطبيق قانون الذمة المالية تطبيقاً فعالاً وهو بداية المحاسبة التي تشمل الوظائف الكبيرة قبل الصغيرة وفقاً لمبدأ من أين لك هذا؟إثراء متعدد الأبعاد وتفقير متعدد الأوجه من المهد إلى اللحدوحش التحكم السياسي والاقتصادي ووحش الغلاء و التفقير ووحش التجهيل والاستخفاف بإنسانية المواطن وتحقيره ووحش الخوصصة الصحية والتعليمية و وحش المافيا العقارية ووحش القروض الأجنبية وإملاءات الصناديق والأبناك الدولية ووحش بعض لوبيات الأبناك والتأمينات وخدمات الداخل ووحش بعض المقاولات غير المواطنة وذات النفوذ ووحش شراء الذمم وجلب الأصوات باستعمال أخس طرق المكر والخديعة أو عبر وسائل الضغط والابتزاز بمغربنا العميق ووحش الاقتصاد الريعي ووحش الطمع في أصوات غير مستحقة ووحش الطمع في الاستفراد بالخيرات من قبل أقلية على مرأى ومسمع من أغلبية صامتة، عازفة ومغردة أو مدونة، سابحة في ظلمة بحر لجي من فوقه ومن تحته موج ،هي من دواعي فقدان الثقة في منظومتنا الانتخابية والسياسية من قبل عدد كبير من المواطنين خاصة ممن ينتمون للطبقة الوسطى من المجتمع التي عانت وتعاني من جيوب مقاومة الإصلاحلا للزيادة في الأجور والمعاشات.لا لتحسين الأوضاع الاجتماعية ،لا للعدالة الضريبة ،لا للتوزيع العادل للثروات ،لا لإقرار ضريبة على الثروة وعلى الإرث، نعم للغنى الفاحش المشروع وغير المشروع ،نعم لاقتصاد الريع، نعم لتعدد بعض رخص الصيد بأعالي البحار أو رخص النقل الطرقي والحضري في يد أقلية ميسورة، نعم لمافيا العقار هكذا تفكر جيوب مقاومة الإصلاح ومن يسير خلفها وأتذكر هنا، بالمناسبة حدث تخليد حقوقيين مغاربة لليوم العالمي للقضاء على الفقر المصادف ل17 من شهر أكتوبر من كل سنة، عبر تنظيم وقفة احتجاجية رمزية قبل جائحة كوفيد بساحة البريد بالرباط، حمّلوا فيها المسؤولية للدولة المغربية حول تردي الأوضاع الاجتماعية وعدم التوزيع العادل للثروات والخيرات على جميع شرائح الشعب المغربي. هذه الوقفة كان قد دعا إليها المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تحت شعار: “نضال وحدوي من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية”، وقد تعالت فيها أصوات المحتجين و المحتجات ضد ما اعتبرته “السياسات العمومية المنتجة للعديد من مظاهر الفقر والهشاشة والحرمان والتهميش والإقصاء واللامساواة بين فئات عريضة من المواطنات والمواطنين، لاسيما في المناطق القروية النائية والمهمشة، وفي الأحياءالهامشية للمدن وفي أساليب طحنها و تفقيرها خاصة في العشرية الأخيرةدولة اجتماعية يحن إليها دافعو الضرائبالدولة الاجتماعية التي نحن إليها عموما هي التي تقوم بتأمين وتقديم الخدمات الاجتماعية في شكل مساعدات عينية ومادية وتمد يد العون للفئات الضعيفة والمتوسطة داخل المجتمع وتكون مسؤولة عن حماية مواطنيها من الوقوع في براثن اقتصاد السوق وعواقب الرأسمالية المتغولة وعولمة الاقتصادوتعمل أيضا على ضمان التوزيع العادل للموارد والثروات بين مواطنيها وذلك من خلال تطبيق تشريعات لتأطير هذه التدخلات وإنزال خدمات ذات طابع اجتماعي تهدف أساسا إلى حماية الفئات الهشة والمتوسطة في المجتمع، خاصة التي لا تتوفر على منظومة حمائية اجتماعية من مثل الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية والتأمين ضد الحوادثوالتعويض عن البطالة والتكفل بغير القادرين على العمل خاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة ورعاية الفئات المسنة والمتقاعدين واليتامى والأرامل والمطلقات والأطفال ذوي الإعاقات الذهنية والعضويةإن مفهوم العدالة الاجتماعية المؤسسة عليه نظرية الدولة الاجتماعية هو الأنموذج الأمثل لبلوغ دولة الرفاه التي ينتظرها المغاربة، فتقديم الخدمات ذات الطابع الاجتماعي بشكل أوسع وأشمل ومنها إرساء الخدمات الصحية المقربة للمواطن والفعالة على الدوام وضمان تعليم جيد لأبناء الوطن وفق نظم موحدة،و توفير السكن اللائق للجميع،ورعاية الأطفال في وضعية احتياج ودعم الشباب وإعداد فضاءات تؤطره، ودعم المتقاعدين والمسنين وذوي الحاجات الخاصة وغيرها من شأنها أن توصلنا إلى الغاية المنشودةوليس كل ما في مشهدنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي قبيح على كل حال وليس كل ما فيه جميل ،وتبقى نعمة استقرار البلاد وأمنها خير وأبقى، رغم كل ما قد يحاك من مؤامرات ضد وطننا الغالي من داخله أو من خارجه ،فاللهم احفظه بعينك التي لا تسهو ولا تنام وأدم عليه هذه النعمة التي لا تقدر بثمن ,فالفتنة أشد من القتلحكم و أقوال عن الفساد“الفساد لا يبني دولة، وإنما يهدم حضارة.”“الفساد هو العدو الأكبر للتنمية والتقدم.”“عندما يصبح الفساد عادة، يصبح الصدق ثورة.”“الفساد كالصدأ، يأكل من الداخل ببطء حتى يسقط الهيكل بأكمله.”“إذا عمَّ الفساد، ضاعت القيم.”“الفاسدون لا يخشون القانون، بل يخشون الشرفاء.”“الفساد لا ينتهي بالعقوبات، بل بالقيم والأخلاق.”“العالم بحاجة إلى عدالة وليس إلى سلطات فاسدة.”“الفساد يبدأ من القمة ويسري نحو القاع.”“النظام الفاسد لا يصنع إلا شعباً فاسداً.”

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 20 ديسمبر 2024 - 19:10

بلاغ من الديوان الملكي

الجمعة 20 ديسمبر 2024 - 18:55

اللجنة الجهوية للتكفل بالنساء،والأطفال ضحايا العنف بفاس والتحسيس بموضوع” التنمر ضد الاطفال” 18دجنبر 2024

الجمعة 20 ديسمبر 2024 - 16:38

انضمام الدار البيضاء للشبكة العالمية (C40) للمدن الملتزمة بالعمل من أجل المناخ

الجمعة 20 ديسمبر 2024 - 16:02

تأجيل محاكمة الناصيري ومن معه إلى 24 دجنبر2024