نورالدين قربال
إذا تأملنا منظومة الإسلام نجدها كلها عقائد وأحكام وقيم وأخلاق، والواجب تمثلها في كل حين. لكن عندما يقبل رمضان يحرك دواخلنا، وعقولنا، وحواسنا، وأقلامنا لنوزع السواد على البياض في مواضيع متعددة. وهذا ما يفسر المكانة السامية التي حباها الله لهذا الشهر العظيم. وهذه السنة شاءت الالطاف الإلاهية أن يستقبله المسلمون، وهم في الحجر الصحي. وهذا ما يساعد حسب تقديري على صيامه وقيامه بعيدا عن أعين العامة، وإنما فقط أمام خاصة الخاصة. وإنه مقام المشاهدة، اي الاجتهاد في استحضار عظمة الله أثناء ممارسة العبادات. ومن القيم التي استحضرتها ونحن على مشارف هذا الركن الرابع في الإسلام. قيمتا التغافر والتغافل. فماذا نعني بكل منهما؟
التغافر: هو دعاء كل واحد لصاحبه بالمغفرة، وبهذا يتم الستر بين الطرفين عن طريق العفو والمسامحة. وقد يتخذ بعدا تفاؤليا عندما تدعو للميت بالمغفرة. وقد يراعي التغافر اعتبار ما كان ، أوما هو كائن، أو ما سيكون نحو “حج مبرور وذنب مغفور”. عندما نودع الحاج. وقد يأخذ معنى التغطية، والإصلاح عندما يرتبط بالمفعولية. والغفر نبات ينبت في السهول والربى. إذن فالدلالة التي يحملها التغافر سواء ارتبطت بالذات نفسها، أو في علاقة بغيرها الايجابية والأمل.
وقد يتخذ فعل غفر صيغة استفعل “استغفر” وهو طلب المغفرة. لأن الذي لا يطلب من مولاه الستر والعفو والسماحة، لا يمكن أن يمارس التغافر. وهو القمة في الصفح وصيغة المبالغة من غفر هو كثير الغفران. أي رحيم ومتسامح. ويكفي المتغافرون شرفا أن الاسم مشتق من الغفور، وهو اسم من أسماء الله الحسنى. الذي يستر القبيح ويجلي الجميل. ويتجاوز عن الذنوب. ويستر عباده في الدنيا والآخرة.
إذن التغافر قمة في الاعتذار، وقمة في التجاوز. ودعاء بين طرفين. إنها مرحلة التغافر وليس التعاتب. لأننا في حاجة إلى التسامح والتوادد، والصفح، وحصانة للذات والمجتمع، وألفة رافعة للكلفة. وهو شعور نفسي إيجابي، ولذة لا يشعر بها إلا المتقون، إنه أولى وأطهر وأبرد للقلب.
فمن سلك طرق التغافر بنى مقامات المحبة، والسلم والأمن والتسامح، والمعروف، والتآخي، والانسجام.
التغافل: من أجل أن يألف الإنسان ويؤلف ، فمن الضروري أن يركب صهوة التغافر والتغافل. وقد مرت معنا دلالات قيمة التغافر. فماهي إيحاءات مصطلح التغافل؟
والألفة ترفع الكلفة. لكن قد يتسلل إلى منطق التغافل، الأذى والابتلاء، والناس أنهار وأحجار، ومن أجل تجاوز هذا الاختلال، يحضر التغافل وليس التجاهل. فالأول له دلالة الود والاحترام، والثاني ازدراء واحتقار، فالأول يتعمد فيه صناعة الغفلة من أجل إطفاء النار. والثاني صناعة عدم المعرفة. فالأول طامع في استمرارية العلاقة، لأنه يغض الطرف عن الهفوات. ويترفع عن الصغائر، وهذه السعادة في قمتها ومرتبطة بالذكاء السلوكي. والثاني عبارة عن صناعة للانتقام الخفي.
وكون التغافل هو المقصد في المقام والمتناغم مع التغافر، فلابد من إحداث خيط ناظم بينهما، ليكتمل الرقي الأخلاقي. ويتجنب المرؤ الأتعاب، ويفتح لك باب الهدوء.
إن التغافل موهبة، وروح تربوية عالية، ومؤشر على سمو الذكاء، والفطنة السليمة، وهوفن راق في التعامل.
نستنبط من قيمتي التغافر والتغافل، أنهما من صميم الأخوة المستمرة والمتواصلة، التي تجمع رجالا ونساء، غايتهم واحدة.
وتنطلق ثنائية التغافر والتغافل، من منطق الأخوة الإسلامية وجبلية الأخطاء عند بني آدم، لأن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. وقال عليه الصلاة والسلام” والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم”. رواه مسلم والترمذي.
وقد يكون الخطأ يسيرا مغتفرا في جانب الخير الكثير. إن النتيجة الطبيعية للتغافر والتغافل، مع استحضار الندم مرتبطة بالفلاح والنجاح والفوز. وعدم السقوط في الخصومة والمراء والجدال. وما أحوج البشرية اليوم ونحن مقبلون على شهر الطاعة والغفران، إلى راحة البال وسلامة الصدر، والستر، والصداقة الحقيقية، والصفح والعفو.
وأختم هذه التأملات بقول ابن تيمية ” ليس من شرط أولياء الله المتقين، ترك الصغائر مطلقا، بل ليس من شرطهم ترك الكبائر، أو الكفر الذي تعقبه توبة”. كما أكد على ذلك محمد أبو غدير.
تعليقات
0