المرأة والعمل السياسي بين التوظيف والريادة

لينا بريس

ذة ايمان لعوينا باحثة في العلوم السياسية، خبيرة وناشطة بالمجتمع المدني من المغرب

يعتبر العمل السياسي رافعة أساسية للمواطنة الرشيدة ومدخلا جوهريا للنهوض بالمسؤولية المجتمعية، عبر الانخراط في مجال تدبير الشأن العام وولوج مؤسسات التمثيلية الشعبية.

والمرأة باعتبارها مواطنة تتمتع بكافة حقوقها المدنية والسياسية انخرطت في هذا المجال تارة بفاعلية، فحققت أثرا ملموسا على مستوى المشاركة والريادة ،وتارة بشكل محتشم وغير مجدي لأنها سمحت للغير أن يوظفها كأداة انتخابية أو سياسية ،فعطلت نفسها عن مجال المشاركة الواعية ،وكرست الأنماط التقليدانية في تصدي المرأة للعمل المجتمعي  ،المبنية على التوجيه  والتبعية. 

فما هي تجليات التوظيف والريادة للمرأة في مجال العمل السياسي؟ ما هي المؤشرات الدلالية التي نقيس بها قدراتها لولوج هذا المجال والريادة فيه ؟ 

اين تتجلى المعيقات العامة لولوج منصف وعادل للنساء في مجال الشأن العام ؟ وماهي المقترحات التي تدفع بهن إلى موقع الريادة والوصول الى مناصب القرار والتأثير الفعال من داخل المؤسسات الحزبية؟ 

لكي تلج المرأة إلى مجال العمل السياسي لا بد أن تتوفر لديها الأهلية ، ولا نقصد بالأهلية في هذا المقام بلوغها سن الرشد، لكن نقصد بها أن تكون مؤهلة تأهيلا عاليا لإدارة ثلاث وظائف مرتبطة بمهمتها الوجودية: الوظيفة الفطرية و الوظيفة الإنسانية والوظيفة المجتمعية. 

حيث أن المرأة العاملة في المجال العام عليها أن تحسن التموقع بين موقعين استراتيجيين : موقع الدولة وموقع الأسرة ، وعليها القيام بعمليات التجسير بينهما ،باعتبار المواطنة ماهي الا تعاقدات بين الدولة والمواطنة والمواطن ، على أساس التمكين من الحقوق،  مقابل اداء الواجبات ، و المشاركة السياسية هي إحدى تجليات أداء واجباتها من موقع المسؤولية والالتزام والحرية والكرامة. 

ومما لاشك فيه أن الأحزاب السياسية هي الآليات التنظيمية للمشاركة السياسية للرجل أو للمرأة على حد السواء ،لذلك عليها أن تحسن التموقع بداخلها ومواجهة كل العراقيل التي ستعترضها من أجل ايجاد الدعم والمناصرة لأفكارها وتصوراتها، على اعتبار أن العمل السياسي هو مجال تنافسي صرف ويمكن من الوصول إلى السلطة le pouvoir  ، وعليه فإن طريقها للريادة لن يكون أبدا صرحا ممردا من قوارير،  فحدود الفصل والوصل ما بين التوظيف والريادة هو تملكها للعلم والدراية والمعرفة  والكاريزما، والتطوير الذاتي الدائم ، لكي  لا تصبح أداة لجلب الأصوات الانتخابية ، أو القيام ببعض الأعمال الخدماتية أو تأثيث الهيئات السياسية والرضى بلعب أدوار المساعدة الثانوية. 

و من خصائص الريادة النسائية في التصدي للمسؤولية المجتمعية بصفة عامة حرية اختيار التموقع القائمة على ربط المسؤولية بالالتزام و المبادرةبالإبداع وحسن قيادة فريق العمل نحو تحقيق الأهداف المبتغاة ، و الارتقاء بآدائه وصولا إلى الجودة والتمرن على ادارة الأزمات.

وقبل أن نشير إلى المعيقات والحلول، لا بد من التأكيد على أن وضعية النساء بالعمل السياسي تختلف من بلد لآخر حسب تفاوت حقل السلطة بداخله، وحسب المناخ الديمقراطي العام الذي يسود به. 

وعموما فإن النساء يدفعن باهضا تكلفة التواجد ما بين الشأن الأسري والسياسي وقد يتعرضن كثيرا لعنف التهميش والاقصاء، وعليه فإن  إشكالية التمييز تبقى مطروحة بقوة لأن المشاركة السياسية مرتبطة بتوزيع السلطة وتأثيرها على المرأة للوصول إلى الريادة .

وبالتالي فإن العمل على جبهات متعددة هو واجب الوقت ، على اعتبار أن جبهة العمل المدني مساندة وداعمة لجبهة العمل السياسي ، كونها آلية للضغط من أجل تحسين تموقع المرأة في مجال الشأن العام ولعل التجربة المغربية خير مثال. 

وقبل أن نستعرض في الأخير بعض الحلول التي تؤسس لهذه الريادة، يحق لنا أن نطرح سؤالا
 جوهريا هو : 

إلى متى ستستمر النساء بالاحتماء في زجرية القانون لحمايتهن من كل أشكال العنف وضمنه عنف الإقصاء والتهميش؟ 

إلى متى ستلجأ النساء إلى قهرية القانون لأعمال التمييز الإيجابي ليكون مدخلا للوصول إلى مراكز القرار؟ 

عموما الجواب على هذه الأسئلة سيبقى مفتوحا عبر الزمن الحاضر والمستقبل ،مادام أمام مجتمعاتنا أشواطا يجب أن تقطع لتحقيق ريادة نسائية في العمل السياسي ،والأكيد أن ذلك لن يتأتى إلا عبر المداخل التالية : 

  • المدخل التربوي:  لأن التنشئة السياسية تبدا من الأسرة المبنية على الحوار والنقاش والاختلاف وقبول الرأي الاخر وتقاسم الأدوار وتقلد المسؤوليات، هي عامل أساس لتيسير ولوج النساء للعمل السياسي والتفوق به .
  • المدخل الثقافي والإعلامي : بتغيير نظرة المجتمعات إلى الأدوار النمطية للمرأة وتسليط الضوء على تجاربها الناجحة، وصناعة وعي مجتمعي مؤيد وداعم للمشاركة العامة للنساء. 
  • المدخل التعليمي: بتمكين الفتيات من تملك أدوات العلم والمعرفة والشهادات العلمية والأكاديمية،  وتأهيلهن لقيادة المؤسسات المجتمعية والمشاركة في تنفيذ برامجها وتدبيرها.
  • المدخل الاقتصادي : بتوسيع المجال للولوج إلى عالم المقاولة وريادة الأعمال و خلق الثروة ومشاركتها مع نساء أخريات، عبر دمجهن في سوق الشغل أو الاقتصاد التضامني الاجتماعي. 
  • المدخل القانوني :بإصلاح القوانين الانتخابية لتكون مدخلا نحو الريادة السياسية النسائية نحو ولوج عادل ومصنف لمراكز القرار .
  • المدخل الوظيفي: بإعادة النظر في الآليات الميسرة لتواجد النساء على مستوى تقلد مناصب المسؤولية .

وختاما لابد من تجاوز منطق الديمقراطية الجنيسة( نسبة إلى الدواء الجنيس )، والتركيز على إجراء تعاقدات جديدة للنهوض بالمساواة والمناصفة ومقاربة كل ذلك على أساس منظومة النتائج والأثر لا منظومة المبادرات والأفعال .

 

 

.

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 00:20

المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة.. الرسالة الملكية تؤكد الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك لإنجاح التنمية الجهوية (السيد لفتيت)

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:10

الدكتورة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله.

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:01

تارودانت: مديرية التعليم تنجح في تنظيم البطولة الإقليمية للشطرنج

السبت 21 ديسمبر 2024 - 22:27

انتخاب المكتب الجهوي لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بجهة مراكش آسفي