حليم صلاح الدين، فاعل مدني، باحث في السياسات العمومية
أعلن السيد وزير الداخلية قبل أسابيع في لقاء تواصلي مع الأحزاب السياسية الممثلة بقبة البرلمان، أن جميع الاستحقاقات الانتخابية المزمع عقدها في أفق سنة 2021، ستنعقد في مواعيدها الطبيعية، بما يوطد تشبث بلادنا بالخيار الديمقراطي كثابت رابع من الثوابت الجامعة للمملكة ومن تم المنهجية الديمقراطية، كما أسماها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله إبان حكومة التناوب التوافقي، ولاسيما في باب التداول الديمقراطي السلمي على ممارسة جزء من السلطة المنبثقة من شرعية الصندوق الانتخابي. في أفق انعقاد الانتخابات المنتظرة انطلقت الإحماءات القبلية للنسيج الحزبي الوطني، و بدأت الأحزاب الممثلة و غير الممثلة بالبرلمان و الأحزاب المجهرية ( التي لا ترى بالعين المجردة)، تعود إلى ساحة الفضاء العمومي بالإعلان عن دفاعها المستميت على شفافية و نزاهة الانتخابات المقبلة من خلال المقترحات التي تم رفعها إلى نظر السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية سواء على مستوى إعادة النظر في التقطيع الانتخابي الوطني أو في القوانين المنظمة للانتخابات التشريعية و الجماعية أو المهنية، هذا الكلام الذي سنتابع مدى جديته حين الكشف عن مذكرات و مقترحات الأحزاب السياسية في الموضوع، ( إذ من غير المستساغ أن تنشر بشكل آني المقترحات التي رفعتها نفس التنظيمات إلى السيد رئيس حكومة بخصوص صيغ الخروج من أزمة كوفيد 19 اجتماعيا و اقتصاديا بمختلف المواقع الخاصة بالأحزاب من جهة، وأن تظل نفس المذكرات لنفس الأحزاب في ما يهم الشأن الانتخابي محاطة بسرية تامة بعد رفعها للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية التي تعمل وفقا للدستور تحت رقابة و مسؤولية رئيس الحكومة من جهة أخرى).ونظرا لخصوصية استحقاقات 2021 اعتبارا إلى أن كل فعل سياسي أو تنموي لا يعدوا إلا أن يكون وليد سياقات خاصة، فإن استحقاقات 2021 تحيلنا بشكل واضح على الدخول الرسمي في العقد الثالث من حكم جلالة الملك محمد السادس، ومن أزيد من 20 سنة على العهد الجديد وعلى خطاب القطيعة مع الأساليب التدبيرية لمغرب ما قبل 1999 بإعلان المفهوم الجديد السلطة الذي شكل تحولا ملموسا في منطق تفاعل الإدارة مع الفاعل السياسي أو الجمعوي و مع المواطن بشكل محوري، ناهيك عن دخول دستور 2011 بما حبل به من أوراش مهيكلة عقده الأول ( 10 سنوات تأسيسية أحدثت بها جل الهيئات و المؤسسات الدستورية ونسجت ترابطاتها العرضانية مع مختلف المؤسسات المعنية برقابتها أو بوضع الخبرة و التوصيات التي تنتجها رهن إشارتها)، بالإضافة الى ترأس حزب العدالة و التنمية الحكومة المغربية لقرابة العشر سنوات وهو الزمن السياسي الكافي لتقييم تجربته بشكل موضوعي في تسيير مختلف القطاعات الحكومية انطلاقا من الصلاحيات الدستوية لرئيس الحكومة ومن سلطته التنظيمية على الإدارة المغربية في مختلف اجهزتها، وهي مناسبة من دون شك لإعمال الرقابة و المحاسبة الشعبية وفق ما تمليه قواعد اللعبة السياسية.وفي أفق شروع الجميع ( أحزابا و إدارة و مؤسسات معنية) في السير بالسرعة القصوى وفق ما يسمح به التدافع السياسي لجذب المنتخبين قبل الناخبين ( المفترضين) نحو اختيارات معينة للانتخابات المقبلة، ومن انطلاق رسمي لمسلسل التحضير القانوني و المؤسساتي لهذه الاستحقاقات، دعونا نلفت الانتباه أولا إلى سياق ما بعد دستور 2011 بتمحيص أهم وأجدى الخلاصات المنبثقة عن تجربة قرابة العشر سنوات من عمر هذه الوثيقة الدستورية التي تمثل تعاقداتنا الجماعية. تؤشر حقبة ما بعد دستور 2011 على أربع ملاحظات دالة لا يمكن التغاضي عنها : 1- رسم دستور 2011 عديد المؤسسات و الهيئات و المجالس إلى درجة المركز القانوني الدستوري ( الدستره )، وهو ما أشر على إعلان الدولة من خلال دستور 2011 على النموذج المغربي للإصلاح، إصلاح غدت من خلاله الدولة قادرة على اختصار دورة المطالب ” الشعبية و الفئوية ” بدون الحاجة للرجوع للحزب أو حتى المجتمع، اعتبارا لما تتوفر عليه من آليات مؤسساتية وموضوعاتية، قادرة على تدقيق المطالب و الحاجيات و إنتاج التوصيات.2- نجحت الدولة بعد دستور 2011 إلى تحويل النقاش من الإطار الماكروسياسي ( المطالبة بعروض ومشاريع سياسية جديدة مبنية على شرعية الإنجاز و من تم القطع مع التقاليد السياسية المرعية)، إلى إطارات جزئية، إصلاح القضاء، حقوق الإنسان، الجهوية، التنمية البشرية … وهنا يضعف الطرح السياسوي، و يتضخم الطرح التقني الذي يختزل في ما يصطلح عليه بالحكامة.3- فشل مؤسسات الوساطة التقليدية في تأدية أدوارها، ولا أدل من ذلك من إعلان رئيس الدولة بخطاب وجهه للأمة بتاريخ 29 يوليوز 2017 انه لا يثق في عدد من السياسيين وإذ داك ماذا بقي للشعب ؟ 4- وهي إحدى أجدى الإشارات وأدلها على واقع الفعل السياسي الوطني رفعت إلى نظر رئيس الدولة في 18 يوليوز 2018 من قبل CESE وهو يقدم تحليله الرسمي و المؤسساتي للوضعية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد، إذ أعلن انه : ” .. ينبغي تمكين الجمعيات و المنظمات غير الحكومية من الترشح للإنتخابات … ”وإذا كانت هذه هي حصيلتنا بكل موضوعية، و التي قررت السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية نتيجة لها في تنسيق تام مع الأحزاب السياسية ( الممثلة بالبرلمان)، إجراء الاستحقاقات الانتخابية استكمالا لما سبق ذكره أعلاه، بصرف النظر عن المؤشر الرابع الذي يحتاج الى تحليل خاص ومعمق، و أساسا عن الوضعية الاجتماعية للمواطنات و المواطنين التي أصبحت واضحة أكثر من أي وقت مضى بفضل دروس جائحة كورونا، وعن الوضع الحالي للمنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية التي تشتغل عليها هذه الوزارة منذ خطاب الحسيمة في 29 يوليوز 2020 ( بما يحمله من دلالات خاصة إبان ما سمي بأزمة حراك الريف)، و الذي أعلن من خلاله رئيس الدولة انه من غير المنطقي أن تتوفر بلادنا على أزيد من 100 برنامج للدعم و الحماية الاجتماعية من مختلف الأحجام، و ترصد لها عشرات المليارات من الدراهم، مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية و المتدخلين العموميين، هذا الخلل البنيوي الذي أمر نتيجة له بإحداث ( السجل الاجتماعي الموحد وهو نظام وطني لتسجيل الأسر، قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، ودرءً لكل استغلال سياسوي للمشروع اعتبره نص الخطاب ورشا استراتيجيا للدولة يتجاوز برنامج حكومي لولاية واحدة أو رؤية قطاع وزاري، أو فاعل حزبي أو سياسي.)سياق التذكير بهذا الورش الوطني الكبير، هو إعلان السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية تأجيله نتيجة لحاجة هذه الوزارة إلى كل أطرها من أجلال الإعداد الجيد لجميع الاستحقاقات المقبلة و تحديد تاريخ 2022 كأجل للتفعيل الجهوي له بجهة الرباط سلا القنيطرة ثم تعميمه على باقي جهات المغرب بشكل تدريجي بين سنة 2023 إلى حدود 2025 كأجل لانتهاء تقعيد الورش على المستوى الجهوي، وإذ داك بداية إطلاق البرامج الاجتماعية التي ستعمل وفق معايير قانون رقم 72.18 ( الذي لا يزال مشروعا اليوم) المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات وهو ما يجعلنا نضحي بجزء مهم من الزمن الوطني لإيقاف نزيف الوضع الاجتماعي لشريحة كبيرة من المغاربة التي قال عليها جلالة الملك ( .. ويعلم الله أنني أتألم شخصيا، ما دامت فئة من المغاربة، ولو أصبحت واحدا في المائة، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة. لذلك، أعطينا أهمية خاصة لبرامج التنمية البشرية، وللنهوض بالسياسات الاجتماعية، والتجاوب مع الانشغالات الملحة للمغاربة.)فهل تستحق هذه النخبة السياسية التي يفرزها لنا كل استحقاق ولاسيما الاستحقاقات الجماعية التي ترتبط بالتدبير المباشر لوحدات القرب ( الجهة و الجماعة و العمالة أو الإقليم و المقاطعة) هذه التضحية الكبرى بالزمن الوطني أمام نزيف حاد للفقر و الحاجة المتعاظم يوما بعد يوم، وأمام معطى دال للمديرية العامة للجماعات الترابية التي تؤكد بان 43 بالمائة من عينة هؤلاء المنتخبين ”المحضوضين” في النجاح في امتحان الانتخابات لا يتوفرون على شهادة ابتدائية و أن جزء مهما منهم لم يسبق له أن ولجت قدماه فصلا تعليميا قط.إن هذه التضحية التي تقدم عليها الدولة المغربية اليوم بشكل إرادوي، لا يمكن أن تعطي تمارها الكاملة إلا بتجديد قواعد العملية الانتخابية في أفق سنة 2021 بما يوسع مشاركة الشباب ( ناخبين و منتخبين) ومن تم التداول السلمي على مناصب المسؤولية و تدبير الشأن العام العمومي، وهي حاجة متعاظمة يفرضها الواقع على الأقل لإنجاح حلم وطني كبير تحت وصاية ” نفس الوزارة ” اسمه الجهوية المتقدمة و أحدثت من أجله بمبادرة ملكية محمودة المناظرة الوطنية الاولى للجهوية المتقدمة بأكادير من أجل تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري و دفع المركز إلى تحويل الاعتمادات المالية و الموارد البشرية في توازي تام مع نقل الاختصاصات تفعيلا لمبدأ التفريغ ومن تم تحقيق العدالة المجالية و التضامن بين الجهات، وفي أفق كل ذلك فل نخفف سرعة المزايدات جميعا فإننا للأسف أمام جو ضبابي منعرج انتخابي حاد جدا.
تعليقات
0