حديث في ذكرى استرجاع وادى الذهب

لينا بريس


بقلم : عزيز لعويسي
يحتفي الشعب المغربي قاطبة – يوم السبت 14 غشت 2021 – بالذكرى 42 لحدث استرجاع إقليم وادي الذهب إلى الوطن الأم، الذي يشكل حلقة بارزة ومشرقة من مسلسل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية للمملكة المغربية، ولايمكن أن نستحضر قوة الذكرى دون وضع الحدث في سياقه التاريخي، وفي هذا الإطار، ومباشرة بعد نيل الحرية والاستقلال، انخرط المغرب مبكرا في معركة الجهاد الأكبر، عبر الرهان على وضع أسس الدولة المغربية الحديثة وما تتطلبه من بنيات أمنية وعسكرية وإدارية ومؤسساتية وقانونية وتعليمية وغيرها، مع المضي قدما في اتجاه استكمال مسلسل الوحدة الترابية، في ظل بقاء مجموعة من المناطق الجنوبية تحت قبضة الاستعمار الإسباني، فنجح عبر مراحل في استرجاع ما تبقى من هذه المناطق باعتماد وسائل جمعت بين النضال والمفاوضات والطرق السلمية، بدءا باسترجاع طرفاية سنة 1958، مرورا باسترجاع سيدي إيفني سنة 1969، ثم منطقة الساقية الحمراء في إطار المسيرة الخضراء المظفرة سنة 1975، وانتهاء باسترجاع وادي الذهب في 14 غشت 1979.

وقد بات هذا التاريـخ، ذكرى سنوية تعزز قائمة الأعياد والمناسبات والذكريات الوطنية، يخلدها الشعب المغربي بمداد الفخر والاعتزاز، يستحضر معها واحدة من المحطات التاريخية التي ترصع قلادة ملحمة استكمال الوحدة الترابية وتدعيم وحدة الأرض وسيادة التراب، كما يستحضر معها عمق وقوة الروابط التاريخية التي تربط المغرب بصحرائه على امتداد قرون خلت، في إطار من الوحدة والتماسك الاجتماعي والهوياتي، تاريخ مجيد نستحضر معه حدث حلول وفد من علماء وفقهاء وشيوخ القبائل وأعيان من إقليمي أوسرد ووادي الذهب، بالقصر الملكي بالرباط، لتأكيد وتجديد بيعتهم لجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثــراه، مؤكدين تعلقهم بالعرش العلوي المجيد، معلنين ارتباطهم الوثيق وتمسكهم اللامشروط بالمغرب ووحدته الترابية، وقد عكست تلك البيعة التاريخية، مدى تشبث سكان المناطق المسترجعة بمغربيتهم ووحدة المغرب وسيادته على كافة ترابه من طنجة إلى الكويـرة، واضعين بذلك، حدا لمخططات ومناورات ومؤمرات أعداء وخصوم الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

ذكرى وطنية مشرقة، وبقدر ما تلامس القيم الوطنية التي تنتصر لقضايا الوحدة والأمن والاستقرار والتشبث بسيادة التراب، بقدر ما تتأسس على قيمة دينية تشكل إحدى دعامات الثوابت الدينية الوطنية، ويتعلق الأمر بثابت “البيعة” لإمارة المؤمنين، التي شكلت منذ قيام حكم الدولة الإدريسية، شرعية الخلافة بالمغرب والدعامة الأساس للنظام السياسي المغربي، وعلى امتداد التاريخ، شكلت هذه البيعة، العروة الوثقى التي لا انفصام لها، بين الشعب والعرش ،في إطار من المحبة الصادقة المتبادلة والوفاء والإخلاص، ضامنة لاستمرارية الدولة المغربية رغم الأزمات والشدائد والمحن، محافظة على وحدة الأرض وسلامة التراب، منتجة مناخا تحققت وتتحقق معه أهداف الأمن والاستقرار ومقاصد العيش المشترك والتنمية والرخاء والازدهار.

إقليم وادي الذهب ومنذ استرجاعه على غرار عمالات وأقاليم الصحراء المغربية، دخل في مسلسل طويل من التنمية والرخاء والازدهار على جميع المستويات، تعزز بالانخراط في صلب “النموذج التنموي للصحراء” الذي كانت له آثارا إيجابية على مستوى التنمية وخاصة على مستوى عيش السكان، ومن المرتقب أن يرتفع منسوب التنمية والرخاء بالصحراء المغربية، في ظل المشاريع التنموية الكبرى المفتوحة بالمنطقة على أكثر من مستوى، من قبيل مشروع الطريق السريع “تزنيت الداخلة” الذي سيكون شريانا للتنمية بامتياز، ومشروع بناء ميناء الداخلة الأطلسي، الذي سيحول الصحراء المغربية إلى مركز ثقل مينائي بحري مغربي إفريقي، على غرار ميناء طنجة المتوسطي الذي دعم القدرات المينائية والتجارية للمغرب المتوسطي، وهي منجزات ومكاسب تنموية من ضمن أخرى، ما كان لها أن تتحقق على أرض الواقع، لولا التلاحم بين العرش والشعب والإيمان المشترك بقضية الصحراء المغربية التي لن نتصور مغربا، إلا بها ومعها وفي ظلالها.

ذكرى مجيدة، لابد أن تكون قوة دافعة نحو المزيد من التعبئة الداخلية لصـون اللحمة الوطنية وتعزيـز أواصر التلاحم بين الشعب والعرش أكثر من أي وقت مضى، استحضارا لحجم الدسائس والمؤامرات التي ظلت طيلة عقود من الزمن، تحاك ضد الوحدة الترابية للمملكة، من قبل أعداء وخصوم الوطن الذين راهنـوا ويراهنون ما استطاعوا، على مغرب ضعيف وغير مستقـر، واعتبـارا لما ينتظرنا من رهانات وتحديات تنموية مرتبطة بالأسـاس بإنجاح ثـورة الحماية الاجتماعية التي شكلت إبداعا ملكيا خالصا، وبالنموذج التنموي الجديد الذي نعــول عليه أفرادا وجماعات، من أجل الولوج الآمن والمتبصر إلى مرحلة المسؤولية والإقــلاع الشامل، بما يضمن وضع البلـد على سكة البلدان الصاعدة، وكلها رهانات وتحديات، تفــرض التحلي بقيم المواطنة الحقة، وما يرتبط بها من مسؤوليـة والتــزام واستقامة ونكران للذات وإخلاص للثوابت الدينية والوطنية، والوفــاء للشعار الخالد: الله – الوطن – الملك.

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 13:14

شفيق بنكيران:المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة فرصة لتبادل الخبرات والتفكير في حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الترابية.

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 11:57

مغرب الحضارةالجهوية خيار استراتيجي للمملكة لكن لن تكون متقدمة إلا بنخبها…

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 11:40

سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 00:20

المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة.. الرسالة الملكية تؤكد الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك لإنجاح التنمية الجهوية (السيد لفتيت)