الدخول المدرسي .. أيـة سيناريوهات ممكنـة ؟

لينا بريس

  • بقلم : عزيز لعويسي

إذا كانت الوزارة الوصية على القطاع، قد نجحت في تدبيـر الموسم الدراسي المنصرم، باعتماد نموذج بيداغوجي قائم على التعليم بالتناوب الذي جمع بين آليتي “التعليم الحضوري” و”التعلم الذاتي”، في ظل وضعية وبائيـة مستقرة، فــإن الدخول المدرسي المقبل، تحيــط به حالة من الغموض والإبهـام والتوجــس والقلق، اعتبــارا للمتغيرات الوبائيـة المقلقـة، التي تعبــر عنهـا الأرقــام والمؤشـرات ذات الصلـة بحالات الإصابــات المؤكـدة التي باتت تتجــاوز عتبـــة العشرة آلاف حالة مؤكدة يوميا، وعدد الوفيات الذي أضحى يتعــدى حاجـز المائـة وفــاة يوميــا، دون إغفــال الارتفــاع المخيف في الحالات الصعبة والحرجـة، وهــي وضعيـة وبائيــة تصــعب مهمـة التكهـن بطبيعــة السيناريو أو السيناريوهات التي سيكـون عليها الدخول المدرسي والموسـم الدراسي المرتقب برمتـه، لكـن ، فمـا هو بـاد للعيان، أن الوزارة ، ستكون أمام تحديين اثنين لا ثالث لهما، أولهما تأميــن “الحق في التعلم” بشكل منصف وعادل يراعــى فيه مبدأ تكافــؤ الفــرص، وثانيهما تأميــن “الحق في الصحة والسلامة ” لكافة الأطــراف الفاعلة في المسـرح المدرسي، من أطر إداريـة وتربويــة ومتعلمات ومتعلميـن وغيرهـم من المتدخليــن. وبين هذيــن الحقيـن المشروعيـن، ومع اقتراب محطة الدخول المدرسي، تتناسل أسئلة المدرسين والمتعلمين وأوليـاء الأمور والباحثين والمهتمين بالحقل التربـوي حول الهوية التي سيكون عليها هذا الدخول المدرسي الذي يتربص به شبـح السلالات المتحورة، وفي هذا الإطار، فهل ستأخذ الوزارة بمبـدأ الأمــان وتلجأ إلى اعتمـاد سيناريـو “التعليم عن بعد”، تفاديا للوقــوع في أية انتكاسـة وبائيـة محتملـة أمام سلالات متحـورة يصعب التكهن بسلوكاتها ومؤشراتها ؟ هل سيتم اللجــوء إلى خيـار “التعليم الحضوري” بشــروط ؟ أم أن هناك إمكانيـة لتبني سيناريو الموسم الماضي الذي تم تدبيــره وفــق نمـط “التعليم بالتناوب” ؟ وإذا كان من الصعب الإفصاح عن السيناريو المتوقـع، فبالإمكان استعراض السيناريوهات المتاحة القابلة للتنزيــل، والتي يمكن الاستنجاد بأحدها لتأمين الدخول المدرسي على الأقل، في انتظار أن تتضح معالم الخريطة الوبائية، وهي على النحو التالي :

  • السيناريـو الأول : نمــط التعليم عن بعــد.
    نشير بدايـة إلى أن الوزارة، لجأت بشكل اضطراري إلى هذا النمط التعليمي، بعد التوقف الاضطراري للدراسة خلال الموسم قبل الماضي، وذلك لضمان الاستمرارية البيداغوجية، ولم يخل هذا النمط البيداغوجي من الجدل واللغــط لاعتبارات متعددة الزوايا، مرتبطة أساسا، بغيـاب البيئة المناسبة التي تتناسـب وتنسجـم وهذا الخيـار التعليمي المستجد، ممـا فرض التخلي عنه في الموسم الدراسي السابق، وتم تعويضـه بنمط “التعليم بالتناوب”. لكن المتغيــر الذي قـد يبصـم مسـار الموسم الدراسي المرتقب، هـو المصادقة قبل أيــام على مشــروع مرسوم رقم 2.20.474 المتعلق بالتعليم عن بعــد، وذلك تنفيـذا لمقتضيات القانــون الإطار رقـم 51.17 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، لاسيما المــادة 33 منه، التي نصت من بين ما نصت عليه على ” تنمیة وتطویر التعلم عن بعد، باعتباره مكملا للتعلم الحضوري”، وفي نفس السياق، واستقراء لمقـرر وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي، بشأن تنظيم السنة الدراسية 2021-2022 “قطاع التربية الوطنية” الصادر بتاريــخ 21 يوليوز2021، فقد ورد في فقرته الأولى أن “مقتضيات هذا المقرر تروم تنظيم السنة الدراسية المقبلة في وضعها الطبيعي، مــع إدراج بعض المستجدات المرتبطة بآليتي التعلم الذاتي والتعليم عن بعد”، دون أية معطيات أخرى، توضح طبيعة هذه المستجدات المــراد إدراجها. وإذا كانت الوزارة اليوم، قد قننت شروط وضوابط “التعليم عن بعد”، مما يسهل عملية اللجوء إليه في ظل المتغيــرات الوبائية القائمة، فنـرى أن القانون لايكفي وحده، في ظل غياب شروط موضوعية تبدو غائبة بدرجات ومستويات مختلفة، مرتبطة أساسا بعدم توفر الوسائل التقنية، وغياب الفضاءات والمقرات التي تصلح لتقديم حصص التعليم عن بعد، وعدم بلورة طرائق تقويمية بديلـة، وافتقاد الأطر الإدارية والتربوية والتقنية لأي تكوين في هذا النمط التعليمي، والفوارق الاجتماعية والمجالية التي تضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمات والمتعلمين على مستوى الولــوج إلى هذه الآلية التعليمية، فضلا عن غياب ثقافة التعليم عن بعد وعدم تحمل الأسر مسؤولياتها التربوية في هذا المجال، دون إغفال غياب البعد التحفيزي للمدرسين مادام الأمر يتعلق بإثقــال كـاهـلهم بأعبــاء جديدة … إلخ، وبالتالي، فأي لجوء إلى هذا النمط دون غيره، لتدبير الدخول المدرسي القادم، لن يكون إلا حاملا لمشاهد الرفض والقلق والارتبـاك والتوجس، بدليل أن جل إن لم نقل كل الأسر المغربية، اختارت السنة الماضية “التعليم بالتناوب” لأبنائهـا، على حساب “التعليم عن بعد”، وفي هذا الإطار، وبناء على أرقام ومعطيات منسوبة للمندوبية السامية للتخطيط، فقد بلغت نسبة المتعلمين الذين لم يتابعوا دروس التعليم عن بعد 46.5 بالمائة بالنسبة للسلك الابتدائي، مقابل 42.4 بالمائة بالنسبة للسلك الإعدادي، و4.6 بالنسبة للثانية بكالوريا و39.4 بالنسبة للتكوين المهني، ودون الخوض في مدى دقة وواقعية هذه الأرقام، فقد أبان واقع الممارسة، أن هـذا النمط من التعليم، لايمكن الرهان عليه بشكل كلي، ليس فقط في غياب بيئته المناسبة، ولكن أيضا لأن التعلمات تبنى داخل الحجرات الدراسية وليس خارجهـا، في إطار من التفاعل المعرفي والوجداني والإنساني “المباشر” بين المتعلمين والمدرسين، وحتى إذا ما كانت هناك إمكانية لاعتماده، فلا يمكن أن تتجـاوز حدود الآلية “المكملة”، في انتظار أن تتوفر الشروط التقنية والبيداغوجية والتحفيزية والاجتماعية/ الأسرية المناسبـة.
  • السيناريو الثاني : التعليم الحضوري.
    لابد أن نقـر أولا أن التعليم الحضوري، ليس فقط هو “الخيار المناسب” من أجل تدبير أمثل لمحطة الدخول المدرسي المرتقب والعام الدراسي برمته، بل وهـو “الأصل” أو “النمط الطبيعي” للعمليات التعليمية التعلمية، التي لايمكن أن تعــوض بشكل كلي، بأي نمط تعليمي آخر من قبيل “التعلم الذاتي” أو “التعليم عن بعد”، لكن وقياسـا للمؤشرات الوبائية التي باتت أشد قلقا وخوفـا، نرى أن فرص الإقــدام على النمط الحضوري، تبـدو ضعيفة وضعيفة جدا، فهو يخدم الحق في التعلم العادل والمنصف ويضمن مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين، إلا أنه غير خـادم لما وضعته السلطات العمومية من إجراءات وقائيـة وتدابير احترازيـة في إطار مكافحة وباء كورونا والحد من انتشـار وتفشي العـدوى، وبالتالي فمن شـأن اعتماده، أن يمس بالحق في الصحة والسلامة، الذي لايمكن إغفاله أو تجاهله، مهما كانت درجـة إيماننا بضرورة تأمين الحق في التعلم، في إطار تعليم حضـوري يضمن تكافؤ الفرص للجميع، وعلى الرغـم من توسيع دائرة المستهدفين من التلقيح لتشمل الأشخاص البالغين من العمر 18 سنة فما فوق، فهذا لا يكفي لترجيــح كفة التعليم الحضوري، في ظل استمـرار تمرد الفيـروس اللعين والسلالات المتحورة المرتبطة بــه، مما قد يرجح كفـة “التعليم بالتناوب” (حضوري، تعلم ذاتي) على غرار الموسم الدراسي السابق، لتدبير مرحلة الدخــول المدرسي، في انتظار أن تتوضح الرؤية الوبائيـة.
  • السيناريو الثالث : التعليم بالتنـاوب
    تم تدبير السنة الدراسية السابقة بكل محطاتهـا، وفق نموذج “التعليم بالتنــاوب” الذي جمع بين آليتي “التعليم الحضوري” و”التعلم الذاتي”، وقد أبان هذا النموذج عن إيجابيات لايمكن إنكارها أو إبعادها، مرتبطة أساسا باعتماده على نظام “التفويــج” الذي ساهم بشكل جلي في التقليص من حدة الاكتظاظ داخل الكثير من الأقسام التي تتجاوز عتبة 36 متعلما في القسم، بكل ما لهذا التقليص من آثار على السير العام للعمليات التعليمية التعلمية التي باتت تمر في أجواء من النظام والسلاسة والأريحية بالنسبة للمتعلمين والمدرسين على حد ســواء، لأن التعلمات والاكتظاظ لا يستويان، لكن بالمقابل، نسجل أن هذا الخيار البيداغوجي، كان مصدر عناء بالنسبة للمدرسات والمدرسين، خاصة في حالة الأقسـام الإشهادية، حيث لامنــاص من إتمام المقررات الدراسية، لأنه لم يواكب ببعض التدابير الموازيـة الضرورية، من قبيل “التخفيف من كم البرامــج الدراسية” و”الإعلان المبكـر عن الأطر المرجعية للامتحانات”، و “بلـورة نماذج بديلة للتقويـم”، تتناسب وهذا النهـج البيداغوجي غير المسبـوق، وتنسجـم مع الأوضاع الوبائية القائمة، ولضبابية الرؤية المرتبطة بتدبير آلية التعلم الذاتي، ممـا أفرغ هذا النمــوذج من محتواه وقيمته، ومـع ذلك، فهـو يبقى الخيـار الأمثل الذي ينسجـم وخصوصية الظرفية، لأنه يضمن الحق في التعلم وفي ذات الآن، يكفل الحق في الصحة والسلامة، لكن، يجـب تحصينه وتجويده، بإعادة النظـر في البرامج الدراسية الغارقة في الكم (العبرة في الكيف وليس في الكم) وفي الأطر المرجعية للامتحانات، وفي الاجتهاد في وضع أساليب تقويمية سلسلة ومرنـة تتناسب وخصوصيات المرحلة، مـع دعم هذا الخيار بألية “التعلم الذاتي”، في إطار رؤية واضحة، تحصر طبيعة المضامين التي يمكن أن تكون موضوعا للتعلم الذاتي وتلك التي تكون موضوعا للتعليم الحضـوري حسب خصوصيات كل مادة، بشكل يقطــع مع أية ممارسات بيداغوجية مقرونة بالارتباك والتردد والعشوائية كما حدث في الموسم الدراسي السابق.
  • السيناريو الرابع : تنويع الخيارات البيداغوجية
    إذا كانت متغيرات الحالة الوبائية تصعب مهمة اختيار النموذج البيداغوجي المناسب، لتأمين الدخول المدرسي المقبل، فلا مناص من التوضيح، أن الخريطة الوبائيـة متباينة على المستوى المجالي، اعتبارا للفوارق الحاصلة على مستوى المؤشرات الوبائية بين الجهات والعمالات والأقاليم، بل حتى داخل الجهة الواحدة، وهذا المعطـى، قد يزكي طـرح الاعتماد على أكثر من خيار بيداغوجي حسب الخريطة الوبائية لكل جهة وعمالة وإقليم، وفق نظام “مــرن” يتيــح فــرص الانتقال من نمـوذج إلى آخـر حسب متغيرات الحالة الوبائية، وتوضيحـا للرؤية، فالمؤشرات الوبائية ترتفــع في جهة الدار البيضاء – سطات، بينما تنخفض في جهات أخرى من قبيل جهة الشرق وجهات الصحراء، كما ترتفع في الأوساط الحضرية مقارنة مع الأوساط القروية، وترتفع في المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط سلا ومراكش وأكادير مقارنة مع المدن المتوسطة والصغرى، وبالتالي، فمن الناحية المبدئية والواقعية، من الصعب تقبـل اعتماد نموذج بيداغوجي وحيد معتمد على المستوى الوطنـي، بينمـا درجة المخاطـر الوبائية متباينـة بشكل جلي على المستويات الجهوية والإقليمية والمحلية، لكن في ذات الآن، نــرى أن اللجــوء إلى تنويع النماذج البيداغوجية بما يتناسب وخصوصية الخريطة الوبائية الوطنية، قـد يضـرب مبـدأ “تكافـؤ الفـرص” بيـن المتعلمات والمتعلمين، ويمــس بالحق في التعلم، ويدخـل السنة الدراسية في حالة من الإرباك والارتباك، وهـذه الاعتبارات وغيرها، قـد تقلـص من فــرص اللجــوء إلى هذا الخيـار.

ونحن نفكك سيناريوهات الدخول المدرسي المقبل، لا ندعي أننا أتينا بالحل السحري الذي يجعلنا نطمئن كأطر إدارية وتربوية ومتعلمين وأوليــاء أمور، لهذا الدخول المدرسي والسنة الدراسية برمتها، لأننا على وعي أن الاختيار لن يكــون إلا صعبا والهندسة لن تكون إلا عسيـرة، في ظل وضعية وبائية باتت أكثر قلقا وتخوفا، لكن في ذات الآن، نستطيع القول أن الخيار الذي نراه مناسبا وواقعيا وميسرا، لن يخـرج عن نطاق نموذج “التعليم بالتناوب” (حضوري، تعلم ذاتي) على غرار ما تم القيام به في الموسم الدراسي المنصرم، وذلك لاعتبارات ثلاثة، أولها : لأنه يضمن “الحق في التعلم” ويكفل “الحق في الصحة والسلامة”(الحد من الاكتظاظ، إمكانية تحقيق التباعد … )، وثانيهما : عدم فاعلية “التعليم عن بعد” الذي لايمكنه أن يعوض “التعليم الحضوري” بأي شكل من الأشكـال، وثالثها : ضعف فرص اعتماد “التعليم الحضوري” بشكل كلي، بالنظر إلى حساسية الوضعية الوبائيـة، وفي هذا الصدد، وبقدر ما رجحنا كفة “التعليم بالتناوب”، بقدر ما نلح على ضــرورة تجويد هذه التجربة البيداغوجية بناء على ما أبانت عنه من صعوبات وإكراهات عملية، عبر التخفيف من كم البرامج الدراسية وإعادة النظر في الأطر المرجعية للامتحانات وبلـورة طرائق تقويمية سلسة ومرنـة، مع ضبط “آلية التعلم الذاتي”، وإذا ما تم الارتقــاء بهذا النمط التعليمي التناوبي، سيكون وبدون شك، البديل المناسب في ظرفية خاصة واستثنائية صعبة، تقتضي حضور ملكة التجديد والابتكار والإبــداع، لأنه من غير المقبول أن نتعامل مع نماذج بيداغوجية جديدة غير مألوفة من قبيل “التعلم الذاتي” و”التعليم عن بعد” و”التعليم بالتناوب”، لكن بعقليات متقادمة ووثائق وأدبيات تربوية متجاوزة. وفي انتظار أن تكشف الوزارة الوصية على القطاع عن هوية سيناريـو الدخول المدرسي، ندعو الله عز وجل أن يرفع عنا البلاء، ويشملنا بنعمة الصحـة والسلامة والطمأنينة، مع تمنياتنا الحارة لكل الأطر الإدارية والتربوية والمتعلمين، بدخول مدرسي وجامعي ومهني آمن ومطمئن وناجـح.

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 00:20

المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة.. الرسالة الملكية تؤكد الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك لإنجاح التنمية الجهوية (السيد لفتيت)

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:10

الدكتورة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله.

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:01

تارودانت: مديرية التعليم تنجح في تنظيم البطولة الإقليمية للشطرنج

السبت 21 ديسمبر 2024 - 22:27

انتخاب المكتب الجهوي لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بجهة مراكش آسفي