-بقلم:عزيز لعويسي
استجابت الجزائر أخيرا وبشكل رسمي لليد الممدودة، بالإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وهو قرار قد يعتبره البعض خطوة مفاجئة، وقد يحسبه البعض الآخر موقفا غير متوقع وغير محسوب العواقب خاصة في الوقت الراهن، اعتبارا لخطاب “اليد الممدودة” الذي وضع النظام الجزائري في الزاوية الضيقة، واستحضارا لقرب انتهـاء العقد الخاص بأنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وإسبانيا عبر التراب المغربي، مما يفرض دخول الأطراف الثلاثة في مفاوضات جديدة، قد تيسر عملية تجديد العقد مراعاة للمصالح المشتركة، بعيدا عن النعرات والحسابات السياسوية الضيقة، لكن نرى أن القرار لم يكن لا بالمفاجئ ولا بغير المتوقع، لأننا بتنا على قناعة راسخة أكثر من أي وقت مضـى، أن “عقيدة العـداء الخالد” للمغرب ولوحدته الترابية، لايمكن أن نـتوقع معها، إلا ممارسات الحقد والعبث والتهـور والكراهية والتحرش والابتزاز والعداء والغبـاء وانعدام المسؤولية والعشوائية، وهي مفاهيم بـاتــت منهاجا لنظام “خارج التغطية”، يجني الخيبـات تباعا، ولم يعـد أمامه إلا التمسك الأعمـى بنظرية المؤامـرة، عبر الرهـان على جعل المغرب عدوا خارجيـا، يتم استثمــاره بجبن وحقارة وغبـاء، لتصريف أزماته الداخلية، والتغطية على كل ممارساته الفاشلة والبئيسة، وقبـل هذا وذاك، لتشتيــت أنظار أحرار الجزائر الذين يتطلعون إلى من يـدبر أمرهم من الحكماء والعقلاء والنزهـاء في إطار “دولة مدنية، لا عسكرية”.
إعلان الطرف الجزائري عن قطـع العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي مع المغرب، قد يعطي الانطباع لدى البعض، بفك الرباط الدبلوماسي بين الجزائر العاصمة والرباط، وما يرتبط بذلك من مظاهر التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني والعسكري، بينما الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو تغافلها، أن الجزائر لم تقم إلا بقطع المقطوع، لأن العلاقات بين البلدين الجـارين كانت خارج البيت الدبلوماسي، وتتحكم فيها قواعد خارج التقاليد والأعـراف الدبلوماسية من جانب النظام الجزائري، الذي ظل منذ أكثر من أربعة عقود، وفيا كل الوفاء، لممارسات العداء والتآمر والابتزاز والعبث والتهـور وانعدام المسؤولية، متماديا في معاداة الوحدة الترابية للمملكة، مصرا ما استطاع إلى ذلك سبيـلا، على ضرب أمن المغرب واستقراره، عبر الرهان على مرتزقة الوهم والعـار لخدمه سياساته العدائية والتوسعية، في وقت ظل فيه المغرب، محافظا على ضبط النفــس، متحليا بما يكفي من الحكمة والتعقل والتبصـر، مراعاة لما يجمع الشعبين الجارين المغربي والجزائري من روابط الأخـوة والدم والدين والعروبة والتاريخ المشترك وحسن الجـوار، أملا في أن يعود الإخـوة الأعداء إلى جادة الصواب.
قرار “قطع المقطوع”، لايمكن فهمه، إلا بوضعه في سياقه العام، وفي هذا الإطار، نشيـر إلى أن سعـار العداء اشتد منذ أزمة الكركرات التي خرج فيها المغرب أقوى مما كان يتصور نظام العسكر، وزاد اشتداده عقب الاعتــراف الأمريكي بمغربية الصحراء، الذي قلب الموازين وأسس لسياق جيواستراتيجي جديد بدأت تتشكل معه معالم قوة مغربية إقليمية مؤثـرة اقتصاديا وأمنيا ودبلوماسيا، وبـدون شك، ازدادت جرعات الحقد والعــداء، بعد انفجار “الأزمة البطوشية الكبرى” التي أبلت فيها الدبلوماسية المغربية، البــلاء الحسن، بعدما نجحت في فضح نظام السـوء وعصابـة الوهـم أمام العالم، وأفلحت في الوقوف الند للند أمام جار إسباني، وضعه المغرب في محك صعب، بعد تورطه في فضيحة قانونية وقضائية وأخلاقية وحقوقية، دون إغفال نجاح “دبلوماسية القنصليات” وتراجع حجم الدول المعترفة بالكيان الوهمي، والحضور القوي للمغرب في عمقه الإفريقي وعلاقاته الاستراتيجية مع بلدان الخليج العربي وقوى كبرى كأمريكا والصين وبريطانيا والاتحاد الأوربي، وكسب ورقة مشروع أنبوب الغاز الطبيعي نيجيريا-المغرب-أوربـا الذي يعـد إحدى المشاريع التنموية الواعدة في إفريقيا والعالم، والدخـول بقـوة على خـط صناعة لقاح فيروس كورونا، بشكل سيجعل من المغرب، منصة رائدة في هذا المجال على مستوى إفريقيا والعالم، والرهان المشـروع على إرساء لبنات صناعة عسكرية وطنية كخيار استراتيجي، يسمح بمواجهة مختلف المخاطر المحتملة في محيط إقليمي غير مستقـر، دون إغفـال مواصلة الرهان على الخيار التنموي عبر بوابـة “النموذج التنموي الجديد”…، وهي مكاسب ونجاحات من ضمن أخرى، أدخلت من يتحكم في أزرار الحكم الجزائري، في حالة من القلق والتوجـس والبؤس والعزلة واليـأس، لم تكن إلا خادمة لعقيدة العداء وداعمة لها.
وبقدر ما كان نظام العسكر مصـرا على عقيدة العــداء وما يرتبـط بهـا من عبث وتهـور وانعـدام مسؤوليـة واندفـاع غير محسوب العواقـب، بقدر ما ظل المغـرب وفيا كل الوفـاء لسياسة “اليـد الممـدودة” التي مـدت في أكثـر من مناسبة، كان آخرها ما ورد في خطاب الذكــرى 22 لعيد العـرش المجيـــد، من دعــوة إلـى المصالحـة وطي صفحـة الماضي والتطلـع إلى المستقبل اعتبـارا للمصالح العليا المشتركة التي لا يمكن أن تصمـد أمامهـا أيــة اعتبـــارات أخرى مهما عظـم شأنهــا، لكـن الرد كان سريعـا، عبـر تبني خطاب العبث والكذب والمــراوغـة وانــعدام المسؤوليـة، وتجيـيــش الإعــلام المنبطـح الذي بات المغــرب “خطه التحريري”.
عقـب ذلك، كانت الحرائـق التي طالت عـددا من غابات الجزائـر، ومن باب الأخـوة ومراعاة لحسن الجــوار، سـارع المغرب إلى تجهـيــز طائرتين لإطفــاء الحرائق منتظـرا موافقة السلطات الجزائرية من أجل التدخـل، لكــن رفــض العرض المغربي، وتم الاستنجـاد بالأوربييـن وخاصة بالدولة المستعمـرة سابقـا، ولــم تتوقـف الحكاية عند هذا المستوى، بـل تعـالت الأصوات هنا وهناك، رابطـة ما حدث من حرائــق بالأيـادي الخارجية في إشـارة واضحة إلى المغــرب، وهـذا الاتهــام المزعوم، تبنــاه مجلس الأمن الجزائري المنعقد في سيـاق هذه الحرائـق، حيث تبــنـى عـدة قرارات من ضمنها، الإشــارة إلى ما سمي بالأعمــال العدائية المتواصلـة للمغــرب وحليفه الكيان الصهيونـي ضد الجزائـر، وإعــادة النظـر فـي العلاقــات بين المغرب والجزائــر، وتكثيـف المراقبـة الأمنيـة على الحدود الغربيـــة، وهذه القـرارات، سبقتها اتهامات مباشرة وجهتها الخارجية الجزائرية لوزيـر الخارجية المغربي ناصر بوريطـة، بسـبب ما وصـف بالرغبـة فـي جــر “حليفه الشرق أوسطي الجديد (تقصد إسرائيل) في مغامرة خطيرة موجهة ضد الجزائر”.، لينتهـي مسلسل العبث والغبـاء، بالإعــلان الرسمي عن قطع علاقات دبلوماسية “مقطوعـة أصـلا” بحكم الواقـع، ولا تحتاج إلى من يعلـن قطعها، في خطوة تعكـس مدى يـأس النظام الجزائري ومدى افتقاده لأبسط أدوات الحــوار والتفاوض والنقـاش.
قـرار يصعب المــرور عليه، دون التوقف عند مضاميـن الخطاب الملكي بمناسبة الذكـرى 68 لثــورة الملك والشعب الذي لم يتضمـن أية إشـارة مبـاشرة للجزائـر، لكنه بالمقابـل، وجـه البوصلـة نحــو العلاقات المغربيـة الإسبانيـة التي دخلت في أزمة دبلوماسية غير مسبوقـة عقب انفجـار فضيحــة بن بطــوش بتواطـــؤ مـع جيــران الســوء، بالإعــلان عما يجري من حـوار وتفـاوض بين الرباط ومدريـد بتتبــع وإشـراف شخصي من الملك محمد الســادس، ممـا يؤشــر أن العلاقات بيــن الطرفيـن، ستعـود إلى سـالف عهدهـا، لكن بنفـس جديد وإرادة جديدة، مبنية على قواعـد الاحترام والالتــزام وحسن الجوار والمصالح العليا المشتركـة.
وهـذا التفاوض المعلن عنه والذي جـرى ويجـري بعيدا عن أضــواء الإعــلام، شكـل وبدون شك، نكسـة جديـدة لنظام العسكـر، الذي كان يراهـن على استمراريـة الأزمـة بين المغـرب وإسبانيـا، بمـا يخـدم سياسته العدائية تجاه المغرب، ممـا عجل باتخـاذ قـرار “قطـع المقطــوع”، وفي هـذا الإطار، وفي الوقت الذي تعامل فيـه نظــام العسكر مع اليـد الممدودة في إطـار خطاب العـرش بمواقف التبخيـس والتشكيك والاتهـام والتجاهل، تعامـل الطرف الإسباني ونخص بالذكر رئيس الحكومة الإسبانية، مع رسائل خطاب ثــورة الملك والشعب، بمشاعر القبـول والترحـاب والرضى والجاهزية والاستعداد، في طي صفحة “بن بطوش” والتطلع إلى فتح ملف علاقات جديـدة أكثـر شفافية ووضوح ومسؤولية والتــزام ومصداقية، وهـذا يضعنا وجها لوجه، أمام نظام جزائري عنيد وصل إلى درجة غير مفهومـة من الحقـد واليـأس واللخبطـة وانعدام المســؤولية.
وعلى الرغم من أن القــرار الجزائري لن يقدم ولن يؤخر، في ظل علاقات ثنائية “مقطوعة بحكم الواقع”، فمـن المؤسف جـدا، أن تجلس إسبانيـا على طاولة الحــوار والتفاوض مـع المغرب بــدون قيد أو شرط أو “طابوهات”، إيمانـا منها أن المصالح المشتركة تسمو فـوق كل الاعتبــارات، بينمـا يصـر العسكر على إقفـال البـاب بشكل رسمي، وهـذا لن يزيـد المغـرب إلا قـوة وإصرارا في مواصلة مسيـرة البناء والنمـاء، وتوسيـع شبكة الشراكات مع الأشقـاء والأصدقاء في إطـار محددات الأمن والوحدة والاستقرار والاحترام والتعـاون والعيش المشتـرك.
ما هـو بـاد للعيان، أننـا أمام نظام جـار شقي وعنيـد، لا يريد صلحا ولا حوارا ولا مفاوضة ولا سلاما ولا تعاونا ولا حتى إبـداء حسن النيـة، لا يراعي أخوة ولا مصلحة ولا حسن جــوار، نظام بـات المغـرب كابوسه المزعــج في الحركات والسكنـات، نظام بـات بارعا في إنتـاج الأكاذيب والتضليل والنفاق والبهتـان والمؤامــرة، نظـام عدواني، ظــل طيلة سنـوات يحتضـن عصابـة الوهـم والعـار لابـتــزاز المغـرب وضرب أمنه ووحدتـه واستقــراره، بـدل الانكبـاب على قضايا تنميـة ورخـاء وازدهـار الشعب الجزائري الشقيق الذي يواجه أزمة خبز وزيت وماء ومواد استهلاكية أخــرى، ونختم بالقول، أن “المغرب في صحرائـه، والصحراء في مغربها” وعلى درب التنمية، نحـن سائـرون، ولسنا معنييــن بقــرار متهــور يفتقـد للحكمة والعقل والتبصــر، لكنـه قـد يريحنـا من عبـث وأكاذيب وحماقات وصبيانية نظام العسكر، إلى “أجل غير مسمى”، فـي انتظـار أن تنعـم الجارة الشقيقة بقـادة حكمـاء وعقــلاء يصححون المسـار …
تعليقات
0