-بقلم:عزيز لعويسي
على بعد أقل من أربعة أيام من الانطلاق الفعلي للدراسة برسم الموسم الدراسي 2021-2022 الذي كان مرتقبا يوم الجمعة 10 شتنبر الجاري، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، عن خبر إرجاء الانطلاق الفعلي للدراسة برسم الموسم الدراسي الجديد، إلى غاية يــوم الجمعة فاتح أكتوبر 2021، بجميع المؤسسات التعليمية والجامعية ومراكز التكوين المهني ومؤسسات التعليم العتيق بالنسبة للقطاعين العمومي والخصوصي، وكذا مدارس البعثات الأجنبية، وهذا التأجيل خلافا لما قد يظن البعض، ليس له أي تأثيـر حقيقي على مستوى مستقبل السنة الدراسية والجامعية والتكوينية، من منطلق أن التعلمات، كانت تنطلق بشكل فعلي وعملي أواخر شتنبر أو بداية أكتوبر.
واستقراء للبلاغ الإخباري الذي أصدرته الوزارة الوصية يوم الاثنين 6 شتنبر، فقد تحكمت في إرجاء الانطلاق الفعلي للدراسة عدة اعتبارات مرتبطة بالأساس بالأوضاع الوبائية السائدة، من قبيل “تحسن الوضعية الوبائية، وضرورة تحصين المكتسبات المحققة في مواجهة وباء كوفيد 19″، و”السير الايجابي للحملة الوطنية للتلقيح بشكل عام وعملية تلقيح الفئة العمرية مابين 12 و17 سنة و18 سنة فما فوق”، و”تمكين الفئات المستهدفة من عملية التلقيح التي ستساهم بشكل كبير في تحقيق المناعة الجماعية”، “والحرص على سلامة المجتمع المدرسي وكل مرتادي المؤسسات التعليمية والتكوينية والجامعية”، و”ضرورة تفادي حدوث أي انتكاسة وبائية، خاصة بعد ظهور بؤر داخل مؤسسات التربية والتكوين”، وهذه الاعتبارات ذات الطبيعة الوقائية والاحترازية، ترجح بقوة فرضية اعتماد “نمـط التعليم الحضوري” بالنسبة لكافة التلاميذ والطلبة ومتدربي التكوين المهني “ترسيخا لمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص”.
لكن قد يتساءل البعض، ألم تكن هذه الاعتبارات قائمة، لما تقرر تأجيل الدخول المدرسي من 3 شتنبر إلى 10 منه ؟ وقد يتساءل البعض الآخر، ألم يكن من الأجدر الإعلان مبكرا عن تاريخ فاتح أكتوبر كموعد فعلي لانطلاق الدراسة، للحد من مشاهد القلق والتوجس والارتباك، بالنظر إلى تعدد المتدخلين في الحقل التربوي من مدارس عمومية وخصوصية ودور النشر والتوزيع والمكتبات وغيرها ؟، خاصة في ظل وضعية وبائية كانت مقلقة قبل أسبوعين أو أقل بقليل، من سماتها الواضحة ارتفاع عدد الإصابات المؤكدة الذي تجاوز سقف العشرة آلاف ، موازاة مع ارتفاع عدد الوفيات والحالات الحرجة، أخذا بعين الاعتبار أن الأسابيع الأولى بالنسبة للتعليم المدرسي ، تخصص كالعادة للتواصل والتقويم التشخيصي، على أن يتم الشروع الفعلي في إنجاز الدروس في أواخر شتنبر أو بداية أكتوبـر.
أسئلة من ضمن أخرى، لاتقــدم ولا تؤخر، مادام رأي الوزارة الوصية قد استقـر على فاتح أكتوبــر كتاريخ فعلي لانطلاق الدراسة، وإذا كنا نقبل من الناحية الوبائية، الاعتبارات التي كانت وراء قرار إرجاء الانطلاق الفعلي للدراسة في إطار “الحق في الصحة” الذي لايمكن أن يسمو فوق “الحق في التعلم”، فنـرى كمهتمين بالشأن التربوي، أن هناك اعتبارات أخــرى “غير معلنة”، لكنها “واقعية” ولا يمكن تجاهلها أو إقصاؤها أو التقليل من شأن تأثيرها على الدخول الدراسي والجامعي والتكويني، ويتعلق الأمـر بالاستحقاقات الانتخابية ليوم 8 شتنبــر، والتي ستجـرى لأول في يوم واحد بمستوياتها التشريعية والجهوية والجماعية، وهي استحقاقات تتطلب تعبئة وطنية متعددة المستويات حتى تمـر في أجواء ديمقراطية آمنة ومستقـرة، كما تتطلب تهيئـة وإعداد الكثيـر من المؤسسات التعليمية في المدن كما في القـرى، لتكون مراكز للاقتـراع أو التصويت، دون إغفـال أن العديد من نساء ورجال التعليم، سيشاركون في هذه الاستحقاقات، كناخبين أو مرشحين، أو كرؤساء أو نواب في مكاتب التصـويت، علما أن المدة الفاصلة بين استحقاق 8 شتنبر وفاتح أكتوبر، ستتضح فيها معالم الحكومة المقبلة، وستتجلى بالأساس، هويـة الوزيــر الجديد للتعليم، الذي سيتحمل وزر حقيبة من أكثر الحقائب الوزارية ثقـلا وسخونة وجدلا ولغطا.
ماهو باد للعيان، أن فاتح أكتوبر المقبل، سيكون موعدا للدخول المدرسي والجامعي والتكويني، بغض النظر عن الاعتبارات المتحكمة في الإرجاء، لكن القرار الوزاري الجديد، لابد أن يتم التقيد به حرفيا خاصة من قبل مؤسسات التعليم الخصوصي تحت طائلة المساءلة القانونية، وذلك إسهاما منها في ترسيخ مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين في التعليم العمومي كما في الخصوصي، ونرى أن أجهزة الرقابة، لابد أن تتحرك في الميدان، لقطع الطريق أمام بعض الممارسات غير المسؤولة، التي قد تصدر عن بعض المؤسسات التعليمية، التي قد تغرد خارج السرب، وتضع تاريخا آخر لانطلاق الدراسة حسب هواها، يتماشى مع مصالحها وحساباتها الضيقة، كما أن تصرفات من هذا القبيل، قد تفتح “مواجهة مبكرة” بين هذه المؤسسات وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ حول واجب التمدرس الخاص بشهر شتنبر الذي يعد امتدادا للعطلة، خاصة وأن الكثير من الأسر، قد بادرت إلى تسديد مستحقات التسجيل مبكرا بما فيها واجب شهر شتنبر، ومن الناحية المبدئية والواقعية أيضا، فالأسر معفاة من واجبات شهر شتنبر، أما من أدت هذا الشهر، فلن تؤدي منطقيا واجبات شهر أكتوبر، وبهذا الشكل، يمكن تفادي أية نزاعات محتملة بين المؤسسات الخصوصية وأولياء التلاميذ، بشكل يضمن الحفاظ على علاقات متينة بين الطرفين تصب في مصلحة المتعلمات والمتعلمين، وفي هذا الإطار، نعول على المؤسسات الخصوصية في أن تحترم القرار الوزاري جملة وتفصيلا، من باب المواطنة الحقة واحترام سلطة القانون وعدم المساس بمبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين، ونحن على يقين أن هناك مؤسسات خصوصية مواطنة تحترم القوانين والضوابط الجاري بها العمل، وتجتهد في تقديم عروض تربوية وتعليمية رصينة، من باب الإسهام في صناعة نساء ورجال الغد، وهي بذلك تستحق كل الثناء والتقدير والاحترام.
أما فيما يتعلق بالوزارة الوصية، فكان يفترض أن تبادر إلى الإعــلان المبكر عن بعض القرارات الموازية التي تنسجم وهذه الظرفية الخاصة والاستثنائية، ومنها على الخصوص التقليص من حجم البرامج الدراسية لأن العبرة في الكيف وليس في الكم، والكشف عن هوية الأطر المرجعية للامتحانات الإشهادية، للحد من مشاهد الارتباك كما حدث الموسم الدراسي المنصرم، في انتظار إصلاح شمولي للمناهج والبرامج الدراسية التي “بلغت من العمر عثيا”، وهذا الإصلاح بات ضرورة ملحة بل ومستعجلة، قياسا للأنماط التربوية غير المسبوقة التي برزت في ظل جائحة كورونا، واستحضارا للمتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية، عسى أن تتحرك محركات التغيير وينطلق قطار الإصلاح المنتظر، في زمن لم يعد يقبـل بالمتهاونين والمترددين ، إلا المجتهدين والمجددين والمبدعين.
تعليقات
0