ارتفاع الأسعار ..الحمى الصامتة

لينا بريس
  • بقلم : عزيز لعويسي

الجدل القائم بخصوص القرار الحكومي القاضي بفرض إلزامية جواز المرور، وازاه ويوازيه ارتفاع صامت في حمى الأسعار التي ألهبت جيوب المواطنين خاصة من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، وسط صمت الحكومة الجديدة، التي وجهت البوصلة كاملة نحو الحملة الوطنية للتلقيح، وما يرتبط بها من تدابير وقائية واحترازية، ترمي إلى إدراك محطة “المناعة الجماعية” التي قد تكون آخر منعرج في اتجاه العودة إلى الحياة الطبيعية، وتركت بالمقابل، المواطنين وجها لوجه أمام أسعار ملتهبة طالت نيرانها مختلف المواد الاستهلاكية الأساسية من خضر وفواكه وأسماك ولحوم بيضاء وقطاني وقمح وزيوت ومحروقات وغيرها.

التهاب الأسعار لايشكل فقط مساسا صارخا بالمعيش اليومي للمواطنين، في ظل ظرفية صعبة مرتبطة بالتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الوبائية القائمة منذ ما يقرب من السنتين، بل ومن شأنه الرفع من جرعات القلق والسخط واليأس والتذمر في أوساط المواطنين المقهورين، بكل ما لذلك من تأثيرات على السلم الاجتماعي، وفي هذا الإطار، لايمكن إخفاء ما أحاط تعيين الحكومة الجديدة من ثقة وآمال في أن تحقق ما يتطلع إليه المواطنون من انفراج اقتصادي واجتماعي بعد عقدين من الزمن تحت ضوء المصباح، لكن جدل جواز التلقيح، وخاصة الارتفاع اللافت للنظر في الأسعار الذي اكتوت معه جيوب المواطنين، قد يؤثر سلبا على منسوب الثقة في هذه الحكومة الجديدة، وعلى توجهها في كسب رهان “الحكومة الاجتماعية”، في ضوء ما أعلنت عنه في برنامجها الذي حظي بتصويت أغلبية مجلس النواب قبل أيــام، وبناء على ما ورد في مشروع قانون المالية لسنة 2022 الذي لازال في طور المناقشة البرلمانية.

التوجه الاجتماعي للحكومة، يفرض عليها التحرك ربما بنفس الإيقاع الذي يحضر في الأزمة الوبائية القائمة، من أجل كبح جماح الأسعار الملتهبة، حماية للمواطنين ولقوتهم اليومي، ومن باب المسؤولية والمصداقية، فكما تسعى هذه الحكومة لحماية الصحة العامة عبر فرض إلزامية جواز التلقيح والحرص على كسب رهان التطعيم، لابد أن تتحرك لحماية جيوب البسطاء والفقراء والغلابى من شر أسعار تبدو كنار ملتهبة آخذة في الانتشار، الجميع يتفرج فيها ولا أحد يتجرأ على إخمادها.

الحكومة الاجتماعية لايمكن لها أن تقف موقف “الكومبارس” وهي تراقب ما يجري في الأسواق، كما لايمكنها أن تتخلى عن المواطنين/الناخبين الذين منحوها الثقة وشرف الاختيار، وهي مجبرة اليوم قبل الغد، على التدخل من باب الوفاء بالعهود والالتزامات، ومدخل هويتها الاجتماعية ومنطلق النموذج التنموي الجديد الذي تحكمت فيه أهداف الإقلاع التنموي الشامل الذي يعد الفرد/المواطن محركه وصمام أمانه، وهذا التدخل، يقتضي ضبط إيقاع الأسواق وما يعتريها من مشاهد الجشع والطمع والاحتكار والتلاعب في الأسعار، عبر استنفار الأجهزة المكلفة بالمراقبة والتفتيش التي لابد لها أن تخرج إلى الميدان لكبح جماح العابثين والمتلاعبين ، مع الحرص كل الحرص على دعم المواد الأساسية التي لايمكن للمواطن الاستغناء عنها، من قبيل الدقيق والزيت والسكر و “قنينة الغاز” التي تروج الأخبار حول رفع محتمل لثمنها في السوق.

ولايمكن أن نترك الفرصة تمر، دون توجيه البوصلة نحو النقابات، التي لابد لها أن تتحمل مسؤولياتها كاملة في الدفاع عن المواطنين الذين تضررت قدراتهم الشرائية ومستوياتهم المعيشية، بسبب ارتفاع الأسعار، وذات المسؤولية، يتحملها بدرجات ومستويات مختلفة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي لابد أن يكون له محل من الإعراب في ظل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، التي تعمقت بؤرتها بسبب تداعيات جائحة كورونا، ونواب الأمة فيما يتعلق بنقل هموم ومشاكل وتطلعات المواطنين إلى الحكومة، دون إغفال الجمعيات المعنية بقضية حماية المستهلك، التي يلــزم أن تكون سندا للمستهلكين، عبر الترافع المستمر عن حقوقهم وقضاياهم وتطلعاتهم في حدود مجال تخصصها وتدخلها.

وفي جميع الحالات فالحكومة بدرجة أولى، مدعوة أكثر من غيرها، لإنقاذ المواطنين من شبح الارتفاع المهول للأسعار، حرصا على السلم الاجتماعي وعلى النظام العام، واسترجاعا للثقة التي ربما تراجع منسوبها بسبب إلزامية جواز التلقيح وارتفاع الأسعار، ولا بديل لها، إلا إيقاف النزيـف، واستعجال الانخراط المبكر في حوار اجتماعي “ممأسس” مع الفاعلين الاجتماعيين، لإثبات مصداقيتها وحسن نيتها، وتأكيد حسها الاجتماعي، في أفق التوقيع على اتفاق يقضي بالزيادة العامة في الأجــور، التي باتت ضرورة ملحة، في ظل حمى الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع منسوب اليأس والتذمر والإحباط وانسداد الأفق في أوساط المواطنين عامة والموظفين والأجراء خاصة، مع التحرك في اتجاه إنعاش سوق الشغل لامتصاص البطالة التي يصعب معها الحديث عن المساواة والعدالة الاجتماعية، كما يصعب معها كسب رهان التنمية الشاملة بكل أبعادها ومستوياتها، لأن فاتورة الاحتقان الاجتماعي أغلى وربما أخطر، في ظل الرهانات والتحديات المطروحة في الداخل كما في الخــارج، على أمل أن تتراجع درجة الحمى الصامتة في أقرب الأوقات الممكنة، ونختم بتوجيه سؤال عريض إلى الذين خرجوا إلى الاحتجاج في شوارع الرباط ضد فرض إلزامية جواز المرور : ألا يستحق الحق في الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية، النضال والاحتجاج والترافع ؟

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 00:20

المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة.. الرسالة الملكية تؤكد الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك لإنجاح التنمية الجهوية (السيد لفتيت)

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:10

الدكتورة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله.

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:01

تارودانت: مديرية التعليم تنجح في تنظيم البطولة الإقليمية للشطرنج

السبت 21 ديسمبر 2024 - 22:27

انتخاب المكتب الجهوي لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بجهة مراكش آسفي