التعليم و رهانات الإصلاح المزعوم

لينا بريس

بقلم: سليمان العلوي  

يتكرر الحديث، بشكل دائم، عن أعطاب التعليم بالمغرب ومشاريع إصلاحه، وفي كل مرة نتحمس لأففق جديد إلا وتخيب آمالنا وتطلعاتنا، لا سيما عندما نرى ربان سفينة تعليمنا يمضي بنا في الطريق الخطأ، فننبهه لتيهانه، ثم يتصلب موقفه، ويصر على أنه في المسار الصحيح. هكذا حدث ويحدث في برامج ومخططات الإصلاح التي توالت على منظومة التربية و التعليم بالمغرب، إذ منذ مرحلة ما بعد الإستقلال ونحن أمام مخططات براقة في شكلها وتوصيفها، وفاشلة عاجزة في مضموتها وأجرأته. غير أن الذي يثير استغرابنا في تلك التجارب هو أننا نُقْدِم على غيرها بالمنطق نفسه والأدوات نفسها، حتى وإن جعلنا الصورة تبدو مختلفة في شكلها ومنطوقها، فهي تحتفظ بالقصدية ذاتها. وكأنه يراد لهذا أن يحدث بالطريقة التي يحدث بها، أي أن ربان السفينة لم يته عن طريقه، بل كان في المسار المقرر له، فحسبنا أنه تاه.
اليوم تسلك الدولة، من خلال جهازها الوزاري الطرق نفسها، إذ عمدت إلى إجراءات جديدة قيل أنها إصلاحية أو هي بداية الإصلاح الحقيقي الذي سيحدث، كان من بينها إقرار سن الثلاثين كحد أقصى لأعمار المترشحين لمباراة إنتقاء الأساتذة، ثم انتقاء آخر اعتمادا على أفضلية سلم تنقيطهم في سلكي الإجارة و الباكالوريا، بدعوى أن القطاع ينبغي أن يلجه الأميز بين كل الخرجين. المبدأ مقبول ومطلوب، لكن المعايير التي وضعت لأجل ذلك تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول حجيته وموضوعيته، بل حول فائدته، إذ نعلم أن كفاءة الشخص، في الكثير من الميادين، لا تقاس بسنه، فقد يفلح الشيخ فيما فشل فيه الشاب، والعكس صحيح، إلا إذا كان المجال يتعلق بميدان شرطه الأساس بدني كمجال الرياضة. ثم أن حق الفرد في البحث عن عمل لا ينبغي أن يمنعه مانع إلا إذا تبث أنه لن يكون أهلا له، حينها يمكن أن نصرفه إلى مجال آخر يحسنه، ونحن نشهد اليوم المهام والمناصب المهمة والحساسة التي يتقلدها الشيوخ من الأفراد. أما شرط الإنتقاء، الذي عدنا له بعدما تجاوزناه في سنوات ماضية، فهو تعبير عن ارتجال أو عدم ادراك لماهية الكفاءة وشروطها، فقد أتبثت التجارب أن ميزة الشهادة الجامعية التي يحصل عليها الطالب لا تحسم في تفوقه و تميزه عن الآخرين، بل قد حصل أن نجح وتميز في العمل من كانت نقطة تقييمه أقل من غيره، لاسيما أن طرق و أساليب التقويم في المدارس والجامعات المغربية لا تختبر، في الغالب، المهارات والكفايات التي يمكن أن تكشف عن تميز طالب عن آخر، أي أن الطالب لا يوضع في وضعية إختبارية مناسبة لاكتشاف قدراته و ذكاءاته، والأدهى من ذلك أننا نجيز للأقل كفاءة وذكاءا أن يتفوق على من يفوقه كفاءة وذكاءا عندما نضعهما في وضعية اختبار تناسب الأول و تقزم مقدرة الثاني.
ونحن نعلم كذلك أن مهنة التدريس تقتضي خصائص وشروط مركبة ومتداخلة في شخص المرشح لها( الذكاء المعرفي، الذكاء الاجتماعي-النفسي، الكارزمة، القدرة على التدبير، التواصل الجيد…)، أي أن معيار الإنتقاء المرتبط “بالنقط المحصل عليها في الإجازة” لا يعبر إلا على شق بسيط من الشروط المطلوبة لولوج مهنة معقدة كالتدريس.و إن نحن غيبنا تلك الشروط فسيلج القطاع من حضر عنده المعيار الذي اعتمدته الوزارة، وقد لا يلج من توافرت فيه كل الشروط إلا ميزة الإنتقاء.
من كل ذلك، يتضح أن الوزارة تكابد الجهد لفرض خيارات لا يرتبط أصلا عطب التعليم المغربي بها. وربان سفينة هذا القطاع إن أراد أن يسلك المسار الحقيقي للإصلاح يلزمه أن يفعل ذلك بالإجراءات والوسائل الناجعة، والتي من بينها تغيير الظروف والأجواء التي تمارس فيها عمليات التدريس وأنشطته، وكذا مراجعة المناهج والتخصصات وكل ما يرتبط بها. وأكيد أنه لن يفلح في ذلك ما لم تشأ الدولة أن تأخد سفينة التعليم مسارها الصحيح.

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 00:20

المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة.. الرسالة الملكية تؤكد الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك لإنجاح التنمية الجهوية (السيد لفتيت)

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:10

الدكتورة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله.

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:01

تارودانت: مديرية التعليم تنجح في تنظيم البطولة الإقليمية للشطرنج

السبت 21 ديسمبر 2024 - 22:27

انتخاب المكتب الجهوي لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بجهة مراكش آسفي