دور القضاء في اعمال المعاييرالدوليةلحقوق الإنسان

لينا بريس

لينابريس


أسباب وحيثيات:
عرفت المعايير الدولية لحقوق الإنسان تطورا كبيرا منذ اعتماد الأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1948 الذي يعتبر أول أداة تضمنت مبادئ عامة حول حقوق الإنسان الأساسية السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية.
كما شكل هذا الإعلان مرجعا لاعتماد مجموعة من الاتفاقيات الملزمة للدول من الناحية القانونية لحماية تلك الحقوق والنهوض بها بلغت إلى حدود اليوم تسع اتفاقيات أساسية إلى جانب وضع آليات لتتبع مدى التزام تلك الدول بمقتضيات تلك الاتفاقيات وبالمعايير الدولية التي حرصت تلك الآليات على تطويرها بالموازاة مع التفاعل مع الدول الأطراف في تلك الاتفاقيات سواء بواسطة تفسير مقتضيات مواد الاتفاقيات عن طريق التعليقات العامة، أو بمناسبة فحص تقارير الدول المعروضة عليها.
وبالنظر إلى أن حماية الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تمر بالضرورة عبر اعتماد قوانين وطنية أو ملاءمتها مع مقتضيات تلك الاتفاقيات، فإن جزءا هاما من الالتزامات التي تقع على عاتق الدول الأطراف تتعلق بالقضاء باعتباره وسيلة فعالة لضمان احترام حقوق الإنسان. ولذلك حظي القضاء بمكانة متميزة في مقتضيات اتفاقيات حقوق الإنسان، حيث يأتي ضمن أهم التدابير التي تلتزم الدول باتخاذها لتوفير ضمانات التمتع بحقوق الإنسان وحمايتها، إلى جانب باقي التدابير التشريعية والإدارية والمؤسساتية والتربوية.
ومن بين المقتضيات التي يمكن ذكرها، على سبيل المثال، في هذا الإطار ما تضمنته المادة الثانية من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي تدعو الدول إلى اتخاذ “اجراءات تشريعية أو ادارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي اقليم يخضع لاختصاصها القضائي، كما تنص المادة 5 من نفس الاتفاقية على اتخاد كلى دولة طرف ما يلزم من الإجراءات لإقامة ولايتها القضائية على الجرائم المشار إليها في المادة الرابعة…”.
كما نصت المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مثلا على المساواة أمام القضاء، والحق في الانتصاف لدى محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. وفي نفس الاتجاه سارت اتفاقية حقوق الطفل في مادتها 40 التي تنص على “قيام سلطة أو هيئة قضائية مختصة ومستقلة ونزيهة بالفصل في دعواه دون تأخير ” وفي “محاكمة عادلة وفقا للقانون”.


وبناء عليه، أولت هيئات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أهمية كبيرة للقضاء باعتباره الجهة الأساسية الموكول لها إنصاف المتقاضين وضمان حقوقهم من بينها:

  • مجلس حقوق الإنسان الذي شدد في قرار له على أن القضاة وأعضاء النيابة العامة والمحامين يؤدون دورا أساسيا في صون حقوق الإنسان بما فيها الحق المطلق وغير قابل للتقييد في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما أكد على أن وجود قضاء مستقل ونزيه ووجود نيابة عامة موضوعية ونزيهة ومهنة قانونية مستقلة تشجع تمثيلا متوازنا لكل من الرجال والنساء… .
  • آلية الاستعراض الدوري الشامل التي تولي أهمية للموضوع من خلال تناول دور القضاء في حماية حقوق الإنسان واعتماد توصيات في هذا الشأن.
  • هيئات المعاهدات التي تولي عناية خاصة للموضوع بمناسبة فحص تقارير الدول الأطراف في اتفاقيات حقوق الإنسان حيث تقدم ملاحظات ختامية وتوصيات هامة تتعلق بدور القضاء في حماية حقوق الإنسان وضمان الانتصاف الفعال والنزيه وبدور القضاء في إعمال المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان.
    ووعيا من المجموعة الدولية بدور القضاء في حماية حقوق الإنسان قررت لجنة حقوق الإنسان تعيين مقرر خاص معني باستقلال القضاة والمحامين بموجب القرار رقم 1994/41 وتولى مجلس حقوق الإنسان مسؤولية هذه الولاية بموجب قرار الجمعية العامة رقم 60/251.
    وبالنسبة للمملكة المغربية التي انخرطت في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان في وقت مبكر، فقد عرف مسار ممارستها الاتفاقية في مجال حقوق الإنسان تطورا كبيرا حيث أصبحت طرفا في الاتفاقيات التسعة لحقوق الإنسان المذكورة سابقا، إضافة إلى انضمامها إلى عدد من البروتوكولات الاختيارية وباختصاصات هيئات المعاهدات المتعلق بتلقي والبت في البلاغات الفردية.
    وقد توج هذا المسار باعتماد دستور جديد سنة 2011 خصص بابا كاملا (الباب الثاني) للحريات والحقوق الأساسية المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ولا سيما الحق في الحياة وفي السلامة الشخصية وسلامة الممتلكات وفي السلامة الجسدية وتجريم التعذيب وسوء المعاملة والاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري والإبادة الجماعية، وكذا تكريس حقوق المتهم والمعتقل والمحاكمة العادلة والحق في حرية الرأي والتعبير والتنظيم وغيرها من الحقوق المنصوص عليها في المواد من 19 إلى 40 من هذا الباب.
    كما نص الدستور على استقلال السلطة القضائية وكرس دورها في حماية حقوق الإنسان من خلال تعزيز العديد من الضمانات من بينها:
  • تأمين استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية (الفصل 107).
  • دور القضاء في مراقبة تطبيق القانون وحماية حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم القضائي (الفصل 117).
  • ضمان حقوق الأشخاص في التقاضي وفي الدفاع عن مصالحهم التي يحميها القانون وحق المشتبه فيه بارتكاب جريمة في أن يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته (الفصل 11).
  • ضمان حق الطعن في كل قرار تم اتخاذه في المجال الإداري أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة (الفصل 118).
  • ضمان الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر داخل أجل معقول وفي حقوق الدفاع أمام جميع المحاكم (الفصل 120).
    لقد انعكس التطور الحاصل على مستوى الممارسة الاتفاقية في مجال حقوق الإنسان وتعزيز الضمانات القانونية لحماية حقوق الإنسان في الدستور على العمل القضائي بمختلف درجاته، حيث أصبح مطالبا باستحضار مقتضيات اتفاقيات حقوق الإنسان التي صادقت عليها المملكة ومراعاة المعايير الدولية ذات الصلة باستحضار ديباجة الدستور التي تشكل جزءا منه والتي تنص على ” جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة”.
    ويحتل القضاء مكانة أساسية ضمن مقتضيات الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان باعتبار اللجوء إليه في حد ذاته، يعد حقا من حقوق الإنسان ووسيلة للانتصاف، فالاحتكام إلى القضاء مبدأ أساسي لفرض سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان. وقد دأبت الهيئات الدولية لحقوق الإنسان بمناسبة فحصها للتقارير الدورية للدول الأطراف على توجيه توصيات وملاحظات بشأن أهمية استقلال القضاء ودوره في إعمال المعايير الدولية لحقوق الإنسان على المستوى الوطني، فضلا عن ضرورة حماية استقلال القضاة وضمان حيادهم ونزاهتهم.
    يعد مبدأ تعدد درجات التقاضي من المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية، وأحد المرتكزات الهامة التي تؤكد على أهميتها المواثيق الدولية والهيئات المنبثقة عنها باعتبارها شرطا أساسيا من أجل قضاء عادل ومنصف. وفي هذا الصدد تؤدي المحاكم الوطنية بمختلف درجاتها الابتدائية والاستئنافية، من خلال إعمال المعايير الدولية لحقوق الإنسان، أدورا حاسمة في البت في المنازعات المعروضة عليها.
    علاوة على ذلك، تلعب المحاكم العليا ومحاكم النقض دورا أساسيا في إعمال المعايير الدولية لحقوق الإنسان من خلال مراجعة قرارات وأحكام المحاكم الدنيا ومراقبة التطبيق السليم للقانون والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها، باعتبارها محاكم قانون بالنظر إلى ما يفضي إليه عملها من توحيد للاجتهاد القضائي بشكل عام، وتوحيد الاجتهاد القضائي في مجال حقوق الإنسان بشكل خاص..
    ويزداد هذا الدور أهمية بالنظر إلى كون الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي خول لها النظر في تظلمات الأفراد بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان بخصوص تعرضهم لانتهاكات لحقوقهم المنصوص عليها في تلك الاتفاقيات لا تقبل اللجوء إليها إلا بعد استنفاد آليات الانتصاف الوطنية. وباعتبار المحاكم العليا أعلى هيئة قضائية وطنية وآخر جهة تنظر في القضايا المعروضة على القضاء، فإن قراراتها لها دور مهم في النظر في القضايا المعروضة عليها وإصدار قرارات منصفة بشأنها قد تحول دون لجوء الأفراد المعنيين إلى تلك الهيئات أو عدم قبولها من قبل تلك الهيئات.
    بناء على كل ما سبق، تنظم رئاسة النيابة العامة ندوة دولية حول موضوع “دور القضاء في إعمال المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان” يوم 12 دجنبر 2022 بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
    أهداف الندوة:
    تتمثل أهداف هذه الندوة الدولية في تناول ودراسة المحاور التالية:
  • التعريف بدور القضاء في تطبيق الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان المنبثقة عن اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وإعمال المعايير الدولية ذات الصلة؛
  • تسليط الضوء على دور القضاء في تطوير معايير حقوق الإنسان على المستوى الوطني؛
  • عرض اجتهادات قضائية ذات الصلة بإعمال مقتضيات الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان من طرف المحاكم الوطنية؛
  • إعمال مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على القانون الوطني من قبل القضاء؛
  • دور المحاكم العليا في توحيد الاجتهاد القضائي في مادة حقوق الإنسان؛
  • تبادل تجارب وممارسات فضلى في أنظمة قضائية مختلفة.
تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 00:20

المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة.. الرسالة الملكية تؤكد الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك لإنجاح التنمية الجهوية (السيد لفتيت)

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:10

الدكتورة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله.

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:01

تارودانت: مديرية التعليم تنجح في تنظيم البطولة الإقليمية للشطرنج

السبت 21 ديسمبر 2024 - 22:27

انتخاب المكتب الجهوي لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بجهة مراكش آسفي