بقلم : سليمان الصوصي العلوي
يجتر بلدنا تداعيات إخفاقات وأزمات متعاقبة، تمنع عنه شق طريق النماء والتقدم، بل ما يشق هو إرادة هذا الشعب، الذي نكس رأسه من فرط النكسات. ومع كل تجربة جديدة تتجدد رهانات وتطلعات القواعد الشعبية في أن يتحقق ما يتطلعون له، فينكسرون مثلما انكسروا في تجارب تعيد نفسها بالمنطق نفسه والإرادة نفسها.
ويعم الإخفاق والتأزم معظم القطاعات، خاصة منها تلك التي تقدم خدمات إجتماعية عمومية ذات الصلة بالفئات العريضة المحدودة الدخل، حتى أن بعض القطاعات قد طبعت واستأنست مع الأزمات والمحاولات البائسة لإحداث الإصلاح فيها، وعلى رأس هذه القطاعات، لا شك، قطاع التعليم الذي يراكم منذ فترة طويلة التعثرات والأزمات، كان آخرها إخراج نظام أساسي جاء عكس توقعات الفئات التي كانت تؤمن بإرادة السلطة في الإصلاح، فمضامينه وبنوده، بدل أن تعالج الاعطاب السابقة، أضافت لها أخرى، خاصة منها المتعلقة بالتزامات وحقوق الشغيلة التعليمية التي اعتبرته يكرس ويضيف شروط أخرى لتدني وسوء الممارسة المهنية. هذه المهنة التي تختلف شكلا ومضمونا عن كل المهن الأخرى، إذ تنعكس ممارستها على نحو جيد وفي ظروف مواتية، على كل القطاعات الأخرى، بل على أحوال البلد بشكل عام، وسوء ظروف ممارستها يفضي بالضرورة إلى تدني المستوى العام للوطن والمواطن. وبالتالي فالرهان على مخرجاتها لا يقبل المزايدات والمساومات، وهو الأمر الذي لم تستوعبه بعد الجهات المسؤولة على تدبير هذا القطاع، أو لم ترد ذلك. ودليل سوء تقدير هذه المهنة هو الأجور المتدنية للمدرسين، والتي لا تتناسب مع حجم الجهد الذي تستلزمه هذه المهنة، وهي أجور لا تتيح للمدرس ظروفا مريحة ومقبولة ووضعا إعتباريا مناسبا للقيام بأدواره الجوهرية والمفصلية. والمعلوم أن مهمة المدرس هي التدريس، وهي المهمة الأصعب لأنها ترتبط بممارسة فصلية مشروطة بمتغيرات عدة : الوضعيات الإجتماعية والنفسية والسلوكية للتلميذ، ثم البرامج والمناهج التعليمية وتقويم التعلمات وغيرها. والأستاذ هو حلقة الربط بين كل هذه المتغيرات ومطالب بتدبيرها وإخراج منتوج جيد من خلالها.
و إذا كان الأساتذة يشتكون من صعوبة ممارسة مهمة التدريس، تبعا للشروط والظروف غير المناسبة التي تكتنفها، فقد أضافت الوزارة مهام إلزامية أخرى لتثقل كاهلهم كالدعم التربوي والتنشيط والمواكبة، وربما غيرها.
وبما أنها مهام يصعب ممارستها معا، فإن النجاعة ستغيب عنها كلها. وهي الحالة التي خلقت إحتقانا وتذمرا داخل أوساط الشغيلة التعليمية، خاصة أن ذلك سيتم تحت طائلة الإجبار، أي العقوبات، ودون أي تعويض مادي، وغير ذلك من البنود المجحفة كثير.
وبالمحصلة سيصبح الأستاذ تحت تصرف وسجية رؤسائه الذين سيدبرون القطاع، لا حسب ما يجب أن يكون، وإنماحسب ما استطاعوا انتزاعه من مهام وجهد من أستاذ سيصير مكبلا ومدعنا لكل ما يطلب منه. الأمر الذي سيقبر كل إمكانية لتجويد التعلمات، إذ الفاعل فيها لا جودة في ظروف وشروط إشتغاله.
ونقاش جودة المدرسة المغربية ليس جديدا، ففي كل سنة دراسية يتجدد، والأجوبة غالبا ما تكون هي نفسها، محنطة جاهزة، ثم تتلوها خطابات وشعارات رسمية ” كمدرسة الجودة للجميع ” . والجودة هي نتيجة حتمية لشروط معروفة لا تحتاج كثير إسهاب وتنظير، فنتوجه مباشرة، إذا أردنا للجودة طريقا، إلى إصلاح مستويات وعناصر التعلم الأساسية وهي : الفضاء-المدرسة، المدرس- الفاعل، والتلميذ-الهدف، إذ نجعل المدرسة فضاء جذابا يفعم بالحياة التربوية بهيكلته وإصلاح مرافقه وحجراته وأجهزته..إلخ، وتنظيم شروط ممارسة الفعل التربوي فيه. ثم جعل الأستاذ في وضعية مهمنية وإدارية ومادية مناسبة لإنجاز مهمته بنجاعة وفعالية، فهو فاعل أساسي ومركزي في المشروع التربوي لأي بلد، بل هو الفاعل الأساسي في بناء البلد. أما التلميذ فهو مشروع البلد الذي إذا أخفقنا في بنائه أخفقنا، بالضرورة، في بناء البلد.
والثابت عندنا أن وضع البلد مشروط بوضع التعليم فيه، والقرارات المتخذة في هذا القطاع هي صورة ناصعة لما يراد لهذا البلد أن يكون عليه.
بقلم : سليمان الصوصي العلوي
تعليقات
0