نورالدين قربال
إفريقيا غنية لكن معظم شعوبها فقيرة. لذلك استهدفت جيوسياسيا من أجل الهيمنة على خيراتها بطرق تبدو موضوعية عكس المقاربة الاستعمارية التي تقوم بالإبادة من أجل السيطرة وبسط النفوذ.
إن التنافس الدولي على القارة الإفريقية عقد الوضعية الجيوسياسية بمناطق متعددة غالبا ما تنتهي بصراعات داخلية وحروب أهلية وانقلابات عسكرية. مما يؤدي إلى تفكك الدولة وغياب السلطة. كل هذا يخلق الرعب والإرهاب وانتشار العصابات التي تنشر الفساد والإرهاب والاستبداد. إن الطامة الكبرى أن تسعى دولا لبسط الأمن والاستقرار داخل ترابها، وتخلق القلق لجيرانها لحاجة في نفس يعقوب. أنذاك تتدخل دول أجنبية لتقوم بدور المنقذ من الفوضى وبسط السلم مقابل كسب الثروة. فهل إفريقيا قادرة في إطار الاتحاد الإفريقي والوحدة ورابح رابح وجنوب جنوب على ضبط هذا الخيار الجيوسياسي لخدمة القارة وتنميتها بناء على التعاون والتضامن؟
إن أي مساهمة من أجل وضع مقاربات للبناء القاري مرتبط ببسط الأمن والاستقرار أولا. ثم فتح حوار دائم لمأسسة السلطة، وتبني الاختيار الديمقراطي في التوزيع العادل لها. خاصة على مستوى علاقتها بالمال. إن التلازم بين الأمن بمفهومه العام مرتبط حتما بالاستقرار. والاختيار الأمني مرتبط بالتوازن الجيوسياسي المنتج للاستراتيجيات الممكنة. مع الاستحضار للأبعاد الإقليمية والدولية. ونستحضر بالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتمد الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية. والفاعل الثاني روسيا التي ركزت كذلك على الاختيارات السياسية والاقتصادية والأمنية لكن بمقاربة أخرى ورؤِية مختلفة على المقاربة الأمريكية. إضافة إلى الوجود الصيني خاصة بعد التراجع الحليف الفرنسي التقليدي.
هناك دول أخرى نحو إيران وتركيا، إضافة إلى العدو الصهيوني. ونسجل كذلك الوجود الخليجي وغيرها من الدول بالقارة. وتعقدت الأمور عند إفريقيا بعد جائحة كورونا. إن القارة استهدفت من خلال المشاريع الجيوسياسية الدولية نحو المشاريع الأمريكية بالمحيط الهادي والأطلسي، وطريق الحرير الصيني. فهل تستطيع إفريقيا من خلال اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية لتجاوز الأزمات التنموية؟ أم ستظل إفريقيا ساحة صراع جيوسياسي عالمي؟ كيف تتعامل إفريقيا مع التغيرات المناخية؟ هل تحررت بعض الدول من نفوذ فرنسا أم عوضت بنفوذ أخرى لم تكشر عن أنيابها بعد؟ هل ستصبح إفريقيا قارة الصراع بين الغرب وروسيا؟
انطلاقا مما سبق نتساءل: ما هو التموقع المغربي بإفريقيا الذي هو من المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية؟
لقد عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 وهو واع بالتحديات الكبرى التي تعيشها القارة. التي أصبحت تشكل مظهرا من مظاهر الحرب الباردة بثوب جديد. لذلك فالبناء الديمقراطي والتنموي يسير ببطء في القارة خاصة بعدما اشتعلت الحرب الروسية الأكرانية. إن الرؤية المغربية التي رسم معالمها جلالة الملك قمينة بأن تساهم في التقليص من هذه المآسي نحو شراكة جنوب-جنوب ورابح رابح والتعاون والتضامن والتكامل. لذلك عمل المغرب على تطوير اقتصاده الخارجي مما بوأه المكانة الأولى على مستوى شمال وغرب إفريقيا والثاني على المستوى القاري. كما أعطى نفسا قاريا جديدا على مستوى الهجرة والمناخ. رغم المؤامرات التي تحاك له من قبل بعض الجيران للأسف الشديد.
لقد تجاوز المغرب أكثر من ألفي اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف منذ سنة 2002 مع الدول الإفريقية، وهذا في حد ذاته حرك الماء الراكد في العلاقات بين الأشقاء الأفارقة. إن هذه المكانة تحققت بالمصداقية دينيا ودبلوماسيا واستراتيجيا وجيوسياسيا وتنمويا بأبعادها البشرية والمستدامة والمندمجة. كما تجعل المملكة المغربية معارفها رهن إشارة الأشقاء خاصة الطلبة الذي يقرب عددهم من عشرين ألف طالب يدرسون بالمغرب. ناهيك عن الذين سلمت لهم بطاقة الإقامة أكثر من خمسين ألف، مع التذكير بالتعامل الجيد للأفارقة مع الجالية المغربية المقيمة بالقارة الإفريقية وهذا الحضور اتخذ أبعادا قارية ودولية وأصبحت إفريقية تطالب بممثلين دائمين بمجلس الأمن تصحيحا للخطأ التاريخي. كما يطالب دوما بعدم تدخل الدول في سيادة دول أخرى لأن هذا مناف للمتفق عليه داخل المؤسسات الإفريقية. من تم كيف تقبل دولة وهميه صنيعة النظام العسكري الجزائري بالاتحاد الإفريقي؟ وهذا خطأ سيزول بحول الله وقوته. لأن الاتحاد الإفريقي صوت بأن قضية الصحراء المغربية حصريا بيد الأمم المتحدة التي منذ أن قدم المغرب مشروع الحكم الذاتي سنة 2007 والتي وصفته الأمم المتحدة بالجدية والواقعية والمصداقية، أصبحت قراراتها تركز عل حل سياسي واقعي ودائم متفاوض عليه لذلك تمتنع الجزائر الحضور للمشاركة في الموائد المستديرة التي أقرتها الأمم المتحدة باعتبارها شريكا فعليا في افتعال قضية الصحراء حسدا من عند أنفسهم.
إن منطلقات الجيوسياسي المغربي بإفريقيا ينطلق من أدبيات قيمية رسمية عناوينها أن المغرب وإفريقيا كيان واحد، نهج سياسة التكامل الاقتصادي بين دول القارة، والدبلوماسية المبادرة والجريئة والاستباقية. خاصة إذا عدنا إلى الخطابات الملكية التي ألقيت من بلدان إفريقية شقيقة: أبيدجان ودكار وأديس أبابا، والتفاؤل والثقة، والشراكة والتضامن والإنسانية والقيم. ونتمنى أن المغاربة الموجودين بالقارة أن يكونوا سفراء للمغرب في تمثل القيم التي رسمها جلالة الملك بعد العودة إلى الاتحاد الافريقي.
تعليقات
0