في خطوة تعكس البعد الإنساني والسيادي البارز للمبادرات الملكية، أصدر الملك محمد السادس عفواً ملكياً عن مجموعة من صغار المزارعين المتابعين بسبب زراعتهم غير المشروعة لنبتة القنب الهندي. هذا العفو ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو تأكيد على سمو المبادرات الملكية التي تسمو فوق كل الظروف العابرة، وتجسد الالتزام الراسخ بتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز المصالحة الوطنية.
ويأتي هذا العفو الملكي ليعيد التأكيد على نبل وسمو المبادرات الملكية التي تتميز بطابعها الإنساني الرفيع. فمن خلال هذا العفو، يبرز الملك محمد السادس رغبة قوية في رؤية هؤلاء المزارعين يعودون بسلام إلى أسرهم وأحضان ذويهم، في تجسيد أرفع لقيم الرحمة والرأفة التي كانت ولا تزال راسخة في ثقافة المملكة عبر العصور.
هذه المبادرة الملكية ليست جديدة في تاريخ المملكة، بل هي امتداد لثقافة المصالحة والرأفة التي تمثل جزءاً من الهوية الوطنية. فالعاهل الملكي، من خلال هذه الالتفاتة الكريمة، يعكس التفاتاً نحو المزارعين الصغار الذين وجدوا أنفسهم في مواقف قانونية صعبة نتيجة لممارسات قديمة ترتبط بزراعة القنب الهندي بشكل غير قانوني.
وتسعى هذه المبادرة الملكية إلى إنهاء كافة الرواسب السلبية التي أفرزتها الزراعة غير المشروعة للقنب الهندي، خصوصاً على الفلاحين الصغار الذين عاشوا تحت تهديد الاعتقال ومخالفة القانون. ويأتي هذا العفو الملكي كوسيلة لتمكين هؤلاء المزارعين من العودة إلى الحياة الطبيعية، من خلال منحهم منافذ قانونية للاشتغال، بما يسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية والإدماج الاجتماعي.
كما تعكس هذه البادرة الملكية أيضا التزاماً مجتمعياً قوياً بتقديم الفرص للاندماج، والتأكيد على أن المجتمع بأسره يشارك في مسؤولية تحسين ظروف الحياة للفئات الهشة. فمسألة العفو هاته ليست مجرد قرار قانوني، بل هي تعبير عن رؤية مجتمعية تدعو إلى احتضان الأفراد الذين يواجهون تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
من جانب آخر، يمثل هذا العفو الملكي خطوة مهمة في تعزيز الدور الريادي والاستراتيجي الذي تضطلع به المملكة في مجال التعاون الدولي لمكافحة شبكات التهريب الدولي للمخدرات. فمن خلال حماية مزارعي نبتة القنب الهندي من الوقوع في براثن هذه الشبكات، تسعى المملكة إلى الحد من الانعكاسات السلبية لانتشار الزراعات غير المشروعة على الصعيدين الوطني والدولي.
ليضع بذلك هذا القرار الملكي حداً لاستغلال تجار المخدرات لهؤلاء المزارعين، ويمنحهم فرصة للانخراط في أنشطة مشروعة ومدرة للدخل. كما أنه يعزز من جهود المغرب المستمرة في التضييق على أباطرة المخدرات ومحاربة الاتجار الدولي في الممنوعات، وهو ما يعكس التزاماً وطنياً ودولياً بحماية الفئات الهشة من الاستغلال.
كما يؤكد هذا القرار الملكي على التزام المغرب بمواصلة التضييق على أباطرة المخدرات والاتجار الدولي بالممنوعات، ويبعث برسالة قوية بأن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق التنمية المستدامة في إطار من العدالة الاجتماعية والمصالحة الوطنية.
ويأتي هذا العفو الملكي أيضا كتكملة لما تم التأسيس له من خلال القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي الذي يضع بين مراميه استيعاب وإدماج مزارعي المناطق المعنية في أنشطة قانونية ومدرة للدخل، مما يسهم في تحقيق طفرة اقتصادية بهذه المناطق ويترك أثراً إيجابياً على الأوضاع الاجتماعية للساكنة.
وخلاصة لكل الجوانب الإيجابية التي يعكسها العفو الملكي عن صغار المزارعين، فيمكن القول أن هذه الخطوة هي تجسيد متجدد لرؤية ملكية متكاملة تسعى إلى تعزيز العدالة الاجتماعية والمصالحة الوطنية، وهي أيضا تأكيد متواصل على مكانة المغرب كنموذج رائد في المنطقة، يقدم حلولاً مبتكرة لمشاكل معقدة تجمع بين الرحمة والحزم، مما يرسخ دوره كدولة حقوقية وإنسانية تسعى دائماً إلى رفاهية مواطنيها وتحقيق الاستقرار والتقدم.
تعليقات
0