إحداث وكالة مغربية للعمل الثقافي بالخارج

لينا بريس

خالد الشرقاوي السموني

في إطار إصدار تقاريره السنوية و الدورية ، أصدر مؤخرا مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية تقريرا حول إحداث وكالة مغربية للعمل الثقافي بالخارج ، تكون معززة و مكملة للمؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج التي ستحدث قريبا و لمجلس الجالية المغربية بالخارج الذي سيعاد تنظيمه و تعيين أعضائه.

تقديم :

من بين السمات الأساسية التي تميز المغاربة المقيمين بالخارج وتشترك فيها مختلف أجيال الهجرة المغربية هي الارتباط الوثيق بوطنهم الأم وبهويتهم الثقافية، والاستعداد الدائم للدفاع عن مصالحه والمساهمة في تنميته على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي.

و تكتسي الثقافة أهمية خاصة في الحفاظ على هوية أفراد الجالية المغربية وحمايتها من التطرف الديني وإدماجهم ، كما تعد رافعة لبناء مواطنة جديدة وفعالة تأخذ بعين الاعتبار الطابع المتعدد الذي تعرفه الجالية المغربية بالخارج .

وعلى الرغم من تنوع الموروث الثقافي المغربي ، و تنوع الأجناس التعبيرية للثقافة المغربية ، سواء كانت باللغة العربية أو بالأمازيغية، فإنه يجمعها هدف مشترك يتوخى توطيد الهوية الوطنية بمختلف مكوناتها والسعي إلى الرقي بالثقافة المغربية في أوساط مغاربة العالم والمحافظة عليها وتلقينها للأجيال الحاضرة والمستقبلية . كما أن الحضارة المغربية تشكلت عبر التحام مكوناتها الأمازيغية، والعربية، والأندلسية، ماجعلها تساهم في تنوع و تعدد الثقافات والتقاليد.

من جانب آخر تعد الثقافة المحور الذي ينبغي أن يرتكز عليه عمل الحكومة في تعاملها مع أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج. هذا مع العلم أن المغرب انخرط في مسلسل التعايش والحوار بين الثقافات ، منذ مدة ، من خلال منتديات للتبادل والسلام من خلال مؤسساته كمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ومجلس الجالية المغربية بالخارج التي تعمل على تعزيز الإشعاع الثقافي الوطني في بلاد المهجر وتعميق مبادرات الشراكة مع المراكز الثقافية و المجتمع المدني.

وتجدر الإشارة إلى أن جلالة الملك محمد السادس قد أعطى للثقافة بعدا شموليا، حيث دعا جلالته في عدد من الخطب السامية إلى إدخالها ضمن مكونات الرأسمال اللامادي، أن العرض الثقافي الموجه للمغاربة المقيمين بالخارج وخاصة الأجيال الصاعدة ينبغي أن يكون متكاملا ومندمجا ويساهم في إشعاع المملكة والحفاظ على مصالحها وأن يكون عاملا في توثيق ارتباط المغاربة المقيمين بالخارج والأجيال الصاعدة منهم بوطنهم الأصل.

وباعتباره بلدا ذا تراث ثقافي يرجع تاريخه إلى آلاف السنين، ويتسم بكثافة وتنوع استثنائيين، لا يمكن للمغرب تجاهل هذا العنصر الأساسي في أي مقاربة تنموية مستدامة وشاملة.

وفي عهد جلالة الملك محمد السادس، نال الشأن الثقافي القيمة التي يستحق، حيث جعل منه جلالته منذ توليه الحكم أولوية وطنية. ففي خطابه بمناسبة عيد العرش لسنة 2013، أكد العاهل المغربي أنه “اعتبارا لما تقتضيه التنمية البشرية، من تكامل بين مقوماتها المادية والمعنوية، فإننا حريصون على إعطاء الثقافة ما تستحقه من عناية واهتمام، إيمانا منا بأنها قوام التلاحم بين أبناء الأمة، ومرآة هويتها وأصالتها”.

وبفضل هذا الاهتمام الملكي الكبير، صار الوعي بالشأن الثقافي كأولوية تنموية يتسع بشكل متواصل في المشهد السياسي والفضاء العمومي. وهو وعي ينعكس على عدة مستويات: في الدستور، في السياسات العمومية، وأخيرا وليس آخرا، في النموذج التنموي الجديد الذي يمنح الثقافة مكانة مرموقة.

كما نذكر في هذا الصدد بالتعليمات الملكية التي وردت في خطاب الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب ليوم 20 غشت 2022 ، الذي يرسم المعالم والمرتكزات التي يجب اعتمادها من أجل سياسة عمومية ناجحة لتدبير شؤون مغاربة العالم، وتوطيد تمسكهم بهويتهم، وترسيخ دورهم في المساهمة في تنمية المملكة. كما أكد أنه من بين الأولويات، في المرحلة الراهنة، تقوية وتعزيز الارتباط الثقافي والروحي للمغاربة المقيمين بالخارج .

وهذا لن يتأتى الا بإحداث مؤسسة مستقلة تعمل على وضع برامج و سياسات عمومية في المجال الثقافي و العمل علة تنفيذها بالخارج لفائدة الجالية المغربية .

أسباب إحداث وكالة للعمل الثقافي بالخارج :

يلاحظ أن هناك تشتتا على مستوى العمل الثقافي بالمغرب، خاصة الموجه إلى الجالية المغربية المقيمة في الخارج، فضلا عن غياب آلية للتنسيق والالتقائية والتكامل بين البرامج الثقافية التي يشرف عليها مختلف الفاعلين، ما يجعل تحقيق الهدف المنشود من العرض الثقافي الموجه للمغاربة المقيمين بالخارج بعيد المنال ولا يستجيب بالشكل الكافي لتطلعاتهم ويكون أثره ضعيفا ، كما لا يساهم في تحسين العرض الثقافي المرتبط بصورة المغرب .

ناهيك على أنه ، من بين التوصيات التي تضمنها تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي إنشاء وكالة مغربية للعمل الثقافي بالخارج، تكون بمثابة حلقة وصل بين جميع المؤسسات الثقافية والمبادرات التي تهم الجالية المغربية؛ وهو المطلب الذي ظل حاضرا ضمن أولويات عمل مجلس الجالية المغربية بالخارج.

كما أكد التقرير ضمن توصياته على ضرورة مواصلة المجهودات الرامية إلى تعزيز وتقوية الروابط الثقافية واللامادية مع الجالية المغربية؛ وذلك من خلال الرفع الملموس من جودة محتوى البرامج الثقافية الحالية، بالحرص على التنظيم الدوري لتظاهرات سوسيو ثقافية وتقديم دروس في اللغات العربية والأمازيغية لفائدة الأجيال الجديدة المزدادة ببلدان الإقامة.

وعلى الرغم من المجهودات التي تقوم بها وزارة الخارجية و التعاون الافريقي و المغاربة المقيمين بالخارج ووزارة الثقافة والاتصال ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج و مجلس الجالية المغربية بالخارج ومساهمتها في الاشعاع الثقافي في صفوف مغاربة العالم ووضع برامج ثقافية و تنفيذها في إطار أنشطة وتظاهرات مختلفة تهدف إلى ترسيخ الثقافة المغربية ، الا ذلك تغيب عنه آلية للتنسيق والالتقائية والتكامل بين هذه البرامج ، وبالتالي أصبح من الضروري الجمع بين كل المجهودات المختلفة في المجال الثقافي الموزعة بين القطاعات في شكل وكالة ثقافية تروج للنموذج المغربي وترقى به إلى مستوى الفعالية.

هذا مع العلم ، أن العرض الثقافي الموجه للخارج يعتبر قوة جذب واستقطاب للأجيال الصاعدة من المغاربة المقيمين بالخارج للارتباط بتاريخ وثقافة وهوية بلدهم الأصل وحمايتهم من الغلو والتطرف، وهو ما يتطلب أن يكون هذا العرض الثقافي يواكب احتياجات مغاربة العالم ويراعي مختلف خصوصياتهم وتطلعاتهم وفقا للتوجيهات الملكية السامية وتنزيلا لمقتضيات دستور المملكة وخاصة الفصل 16 منه.

كما نشير كذلك ، إلى بعض المظاهر الدخيلة على الثقافة المغربية والتي تؤثر سلبا في المجتمع وفي صورة المغرب، لأن المبادئ الكبرى للإنسان المغربي تتجلى في كونه وسطيا معتدلا ومتسامحا ويحترم الآخرين، ما يجعل العالم اليوم في حاجة إلى الاستفادة من الاعتدال والوسطية اللذان يطبعان الشخصية المغربية في مواجهة التشنجات الهوياتية الكبرى التي تعترضه بسبب انتشار خطابات الكراهية والعدوانية والإرهاب.

كما أن الأعمال الثقافية الموجهة إلى الجالية المغربية في الخارج يجب أن تراعي البيئة الاجتماعية والثقافية والقيم الموجودة في البلدان التي تعيش فيها، و يجب أيضا أن تراعي قيم التسامح والتعايش واحترام الأديان والاندماج الإيجابي.

واستجابة لحاجيات و انتظارات المغاربة المقيمين بالخارج لتوفير فضاءات ثقافية تهدف إلى التعريف بالمغرب وتعزيز إشعاعه الثقافي بمجتمعات بلدان الاستقبال، ومراعاة المتغيرات السوسيوثقافية والدينامية المتسارعة للهجرة المغربية،

ومن أجل مواصلة تحصين أفراد الجالية المغربية بالخارج وخصوصا فئة الشباب منهم، وتشجيع اندماجهم في دول الإقامة مع المحافظة على الروابط الثقافية والهوياتية مع بلدهم الام، تأتي أهمية إحداث وكالة ثقافية مغربية بالخارج تعمل على الارتقاء بالثقافة المغربية في الخارج وتقربها من الأجيال الجديدة للهجرة المغربية، وتوحد العرض الثقافي المغربي الموجه إلى أفراد الجالية المغربية بالخارج. ومن شان هذه الوكالة أيضا إبراز غنى وتنوع الثقافة المغربية تمكين الثقافة ونمط العيش المغربيين، وتمكين الثقافة المغربية من الانفتاح على الثقافات العالمية.

فضلا عن ذلك ، ستكون هذه الوكالة معززة و مكملة لعمل المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج التي ستحدث قريبا ، و مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج الذي سيتم إعادة تنظيمه و تعيين أعضائه.

و هذه الوكالة ستشكل، من جهة، فضاء لتأطير أبناء الجالية وتعريفهم بالثقافة المغربية والانفتاح عليها ، والإسهام في الحفاظ على هويتهم الوطنية، ومن جهة أخرى، تساهم في إشعاع الثقافة المغربية بهذه البلدان. كما سيكون إحداثها أمرا مفيدا وإيجابيا للجالية المغربية المقيمة في الخارج من أجل تقديم عرض ثقافي متنوع للجالية التي تعيش في أكثر من خمسين دولة ، و إغناء ثقافة التنوّع في صفوف المغاربة المقيمين في الخارج، و تعزيز الروابط بينهم ووطنهم الأصلي، ومحاربة التطرف في صفوفهم، و إرساء مبادئ الحوار والوئام ونشر ثقافة السلام، ونبْذ العنف.

كما يندرج إحداث هذه الو كالة في إطار العناية الملكية والرعاية التي يوليها جلالة الملك محمد السادس لشؤون وقضايا مغاربة العالم، ومن أجل تنزيل التعليمات الملكية السامية المتجددة للنهوض بأوضاعهم. و يقترح أن تحدث هذه الوكالة بمرسوم من قبل الحكومة.

مهام الوكالة :

من بين مهام الوكالة نقترح :

-إيصال الثقافة المغربية بتعدّد روافدها إلى المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، وإبراز الخصائص الروحية والفكرية والثقافية للمغرب ،

  • وضع إطار حكامة مرجعي يضمن التناغم والتنسيق ويمكن من بلورة وتنفيذ استراتيجية وطنية مندمجة للعرض الثقافي المغربي بالخارج، يشارك فيه كل الفاعلين المعنيين بما في ذلك المثقفون المغاربة المقيمون بالخارج وممثلي جمعيات المجتمع المدني بالخارج المهتمين بقضايا مغاربة العالم ،
  • تنزيل برامج ثقافية ملموسة من شأنها النهوض بأوضاع وشؤون مغاربة العالم داخل وخارج أرض الوطن،
  • التنسيق بين البرامج القافية القطاعات الوزارية و المؤسسات المعنية بشؤون مغاربة العالم والعمل على التقائيتها ،
  • ترويج القيم الديمقراطية ومكافحة الإرهاب وتعزيز تعددية ،
  • تعزيز الإشعاع الفكري والثقافي المغريي،
  • ترويج مختلف شعب الصناعات الثقافية والإبداعية وتنظيمها على نحو متنام ،
  • نشر الثقافة المغربية حول العالم، والترويج لأعمال فنانين مغاربة في الخارج ،
  • ارتقاء بالثقافة والفنون المغربية على المستوى العالمي عبر تظهير ثرائها وتنوعها على أساس الأصالة والجودة،
  • تنظيـم مبادلات ثقافيـة وفنيـة مـع المؤسسات المماثلـة،
  • تشجيع الإبـداع الثقافي ونشـر الأعمال الفنيـة والأدبية وتشجيعهــا ،
  • كشف التراث الثقافي والتاريخي الوطني والتعريف بـه ،
  • تثميــن التقاليــد والفنـون الشعبيـة المغربية و تنظيـم معـارض وملتقيات ثقافيـة.
  • نشـر الوثائق والمجلات والتشجيع على نشرها.
  • التعاون مع المراكز الثقافية والجمعيـات الثقافيـة ،

تنظيم الوكالة :

مـــدير الوكالة :

يعيـن المدير بظهير شريف.

ويعتبـر مسؤولا عن السيـر العـام للوكالة ، وهو الممثل القانوني للوكالة.

يمـارس السلطة الادارية على جميـع المستخـدمين.

يعـد التقارير التي تعـرض على مـداولات المجلس الإداري .

يسهـر على تطبيق نتـائج مداولات المجـلس الاداري بعـد مصـادقة السلطـة الوصيـة عليهـا

يتـولى مهـام كتابـة المجلس الإداري .

يعـد الميزانيـة ويلتـزم بالنفقـات ويأمر بصـرفها.

يبـرم كـل الصفقات والاتفاقات والاتفاقيات المتصلة بالأنشطـة الثقافيـة ،

يعـد برامـج الأنشطة السنــوية .

مجلس الادارة

يتكـون مجلس الإدارة مـن:

  • وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج،

ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،

ووزارة الاقتصاد والمالية ،

ووزارة التربية الوطنية والتعليم الاولي والرياضة ،

و زارة التعليم العالي والبحث العلمي و الابتكار،

وزارة الثقافة والشباب ،

ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي و التضامني ،

مجلس الجالية المغربية بالخارج،

مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج،

ممثلين (2) عن الجالية.

أربع (4) شخصيات من عـالم الثقـافة والفنـون يعينون بقرار مشترك من قبل الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج و الـوزير المكلف بالثقـافة .

يتـداول المجـلس الاداري فيما يأتـي :

النظـام الـداخلي للوكالة .

تعيين المستخدمين.

برامج الأنشطة السنوية والمتعددة السنوات وكذا حصائل نشاط السنـة المنصـرمة.

الإنفاقات والعقـود والاتفاقيات.

قبـول الهبـات والوصـايا.

الكشوف التقديرية للإيـرادات والنفقات.

الحسـابات السنــوية.

إعــداد الميزانيــة.

أنجز التقرير بتاريخ 28 ديسمبر 2024

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

السبت 4 يناير 2025 - 19:02

حفل توقيع اتفاقية شراكة بين ENCG الدار البيضاء وجمعية ACSAJE

السبت 4 يناير 2025 - 16:06

سوء تدبير بمجلس أولاد حسون: سيارات لأعضاء المجلس بدل الأولويات الأساسية

الجمعة 3 يناير 2025 - 23:53

مديرية شفشاون تواكب تنفيذ المرحلة التجريبية لبرنامج التربية الوالدية على مستوى المؤسسات التعليمية

الجمعة 3 يناير 2025 - 23:30

أولاد جرار تتأهب لمستقبل طرقي واعد : مشاريع استراتيجية تُبشر بإنهاء معاناة التنقل