قراءة: أحمد طنيش
في استهلالي التقديمي لما سأطرحه هنا عبر قراءة في القراءات التي قرأت المسرح العربي، أبسط المنحى الذي سيقود هذه القراءة والتنقيب عن مراحل المسرح العربي قبل تأسيس وانطلاق مهرجان المسرح العربي وحينه وضمنه كل المبادرات التي تخدم السرح العربي باسم الهيئة العربية للمسرح بدء من تنظيم مهرجان مسرح عربي جوال ومتنقل بين العواصم والمدن العربية، وتطلعا للآتى، مع استحضار بعض من الجدل والاختلاف والائتلاف وغيره بشكل تلميحي وغير مباشر، والذي أعتبره أمرا طبيعيا يطور ويغني ولا يلغي، وعليه لزاما أن نقدم التحية والتقدير للهيئة العربية للمسرح التي برزت وترافعت من أجل هذا المسرح في كل الأقطار العربية خلال العقدين الأخيرين وبفضلها أصبحت الفرق المسرحية العربية في جل الأقطار العربية تعد وتنجز مسرحا عربيا متواصلا مع تاريخه وحاضره ومتناغما مع الحراك الفني الدولي وتطوراته وإكراهاته وإرهاصاته وتحولاته الأدبية والفنية والتقنية، وبذلك تم إحياء المسرح العربي بمعنى بعث سؤاله دراسة وبحتا وإبداعا ونقدا وتأليفا وحفريات جديدة؛ وعليه نقدم التحية لهذا المهرجان وللهيئة ولأمانتها العامة وكل الأطر والفعاليات في هاته الهيئة كما نقدم التحية لمدبري ومسيري وراعيي الفنون رسميا وممارسة عبر الوطن العربي لكونهم ينسقون في التحضير وحضور هذا المسرح في الرقعة العربية؛ لذا حرك سؤال المسرح العربي وانطلق الجدل والتحاور والفكر والنقد في كل قطر عربي مع ممارسيه ونقاده ودارسيه وإعلامييه ومبدعيه والمترافعين من أجله، بحثا عن التأصيل والتجسير، من تم طورت بعض المعطيات وصححت بعض الأفكار وتجادلت الرؤى هدما وبناء وتجاوزا أحيانا في كل قطر عربي على حدة وفي حوار التلاقح والتجاور والتجاوز بين القطيعة والاستمرارية أو بالأحرى إعادة النظر في المنطلق لنهج سبل أخرى أو القبض على سبل أهملت في زحمة البحث أو الإهمال أو نقص في المعطيات.
هذا ووعيا بالمنتظرات والتطلعات تماشيا مع هذا البعد نجد أن المهرجان حدد أهدافه التي تتلخص في الدفاع والترافع والدعم العلمي والمعرفي والإبداعي من خلال أطروحة المهرجان التي تأتي تتويجا لموسم من العمل المتواصل، خدمة للثقافة العربية عامة والمسرح العربي بصفة خاص، ونقف هنا عند دينامية مختبرية تصنع السؤال وتشتغل عليه وتستخرج منه الأفكار والمشاريع وخصوصا الإشكاليات والأطروحات والأطروحات المضادة أو المطورة والمتطورة ناهيك عن المختلفة أو المتكاملة أو الأطروحات التي تقترح نهجا آخر بمعطيات جديدة ومتجددة، ونبدأ بالمتجلية في أكاديمية المسرح العربي وديناميته مع المؤتمر الفكري الذي يعتبر محطة هامة في كل دورة من دورات مهرجان المسرح العربي، هذه الأكاديمية التي تقيم مؤتمرها الفكري المستمر في الأزمنة والأمكنة العربية، ما إن يفتح في دولة عربية ما إلا ليخلق النقاش وإعادة الطرح والتنقيب والبحث، ويعيد فتح السؤال هنا وهناك وبذلك ينتج التداول الذي يتحول كمدخل لبحوث جديدة وأفكار ومشاريع بدأت تتأسس أو بالأحرى ترى المتنفس من خلال إثارتها في المؤتمرات الفكرية وتجليها يظهر في إطار النشر الذي تشرف عليه الهيئة العربية أو من خلال مسابقات البحث العلمي تأليفا وبحتا وإبداعا في كل الأقطار العربية. ومن خلال معرض الإصدارات الذي يضيف في كل دورة عددا من المراجع عن مسرح القطر المستضيف؛ إذ يضم معرض هذه السنة 9 كتب جديدة حول المسرح العُماني من إصدارات الهيئة العربية للمسرح في إطار المهرجان و33 توقيعاً لمؤلفات حول المسرح العماني والخليجي والعربي في جناح إصدارات الهيئة وإلى جانبها 30 مؤتمراً صحفياً وفعالية كبرى على الشبكة والتواصل والوثيق وبث مباشر لكافة الفعاليات بواقع 16 ساعة يوميا واستوديو تحليلي أطلق عليه استوديو 15. ونشرة يومية شاملة للفعاليات تضم 24 صفحة.تقترح إذن محطة الدورة 15 بمسقط، سلطنة عمان من 9 إلى 16 يناير 2025، مؤتمرا فكريا يواصل النبش الذي إعتاد، يقبض على سؤال المرحلة في حوار مع المستحدث في البحوث العلمية والعروض المسرحية الحديثة التي أصبحت توظف تقنيات متطورة، وها هي قد وصلت مرحلة إلى “الذكاء الاصطناعي”، فما هو الطرح والتحاور الجديدين للمؤتمر الفكري بمسقط؟ مع المحور الإشكالي، “المسرح والذكاء الاصطناعي بين صراع السيطرة وثورة الإبداع الإنساني” الذي ستشارك فيه نخب من أهم الباحثين وأصحاب التجارب من الوطن العربي إضافة لخبراء صينيين حيث يقدم مجربون مسرحيون من مختلف التخصصات (تصميم السينوغرافا، الهولوغرام، المابينغ، والتأليف) تجاربهم، وذلك تطبيقاً للشعار العملي والعلمي للمجال الفكري في الهيئة “المسرح مشغل الأسئلة ومعمل التجديد”.هذا المسرح الذي يكرمنا جميعا:تكاملا مع أطروحة المؤتمر الفكري، وتحريك الأسئلة وخلقها وتجميعها كمشروع وأرضية للاشتغال، أني ومستقبلي، يتم الاحتفاء بمن أسس وبادر، حيث يكرم في كل دورة فعاليات مبدعة مارست هذا المسرح الذي يسكنها، وجديد دورة 15 بمسقط، أنها ستكرم تجارب فرق ومجموعات مسرحية إلى جانب فعاليات مسرحية؛ وقد اختارت الجهات الشريكة في عُمان خمس جهات لها الأثر الكبير في كينونة المسرح في سلطنة عمان لتكريمها في الدورة 15، هذا وتدعوا الضرورة الإعلامية تسليط الضوء على هذه الجهات الخمس التي تقربنا من المسرح العماني وهي: “المدارس السعيدية” حيث كانت البداية مدرسية من خلال المدرسة السعيدية بفروعها الثلاثة والتي كان أولها المدرسة السعيدية في مسقط عام 1940م ثم المدرسة السعيدية في صلالة عام 1951م، ثم المدرسة السعيدية في مطرح عام 1959م. ومـع بداية عام 1970م أهتمت الحكومة العمانية بإنشاء المدارس والاهتمام بالأنشطة الطلابية بشكل عام وضمنه المسرح المدرسي. خريجو هذه المدارس شكلوا فيما بعد الفرق المسرحية في أندية السلطنة، والتي ازدهرت وتطورت بعد الطفرة الاقتصادية. و”مسارح الأندية” حيث ظهرت الحركة المسرحية وصولا إلى مرحلة “نادى عمان” تم”النادي الأهلي” الذي كانت تجربته أكثر وضوحاً قبل 1970م من تجربة “نادي عمان” ولعل أول إشارة إلى بداية النشاط المسرحي بالنادي كانت عام 1960م، و”مسرح الشباب” الذي بدأ في مرحلة التكوين الأولى عام 1980 على يد مجموعة من الممثلين الشباب الذين كانت لديهم هواية التمثيل وكانوا يمارسونه من خلال الأندية، برز هذا المسرح وتطور بعد ظهور كتاب نصوص ومخرجين عمانيين وظهور عدد من الممثلين الذين تبنوا التمثيل كمهنة وليس كهواية وذلك من خلال الدراسة الجامعية وكان الانفتاح على الذات وعلى المهرجانات وتأسست “فرقة الصحوة المسرحية الأهلية” عام 1987م كأول فرقة مسرحية أهلية في السلطنة، لتأتي فيما بعد مرحلة “الجمعية العمانية للمسرح” في 25 من سبتمبر من عام 2009، التي تعتبر منارة تجمع تحت مظلتها عشاق الفن المسرحي والمبدعين العاملين في هذا القطاع. وكانت جسرا للتعارف والتواصل بين المسرحيين، وطورت المجال وانفتحت على التجارب والخبرات داخليا وخارجيا وفي عام 2018، تم دمج الجمعية العمانية للمسرح مع الجمعية العمانية للسينما، التي أصبحت جمعية مستقلة في عام 2023، والتي تطورت خلال سنتين وأصبحت كانت شريكًا استراتيجيًا في تنظيم مهرجان المسرح العماني ومهرجان ظفار الدولي للمسرح، كما سعت لاستضافة مهرجان المسرح العربي.هذا المسرح ومرحلته التطويرية ويومه العربي:جاءت الهيئة العربية للمسرح في الزمن التطويري التحديثي، وانطلقت من أرضية ساهمت فيها كل الدول العربية من خلال تاريخها وتجاربها وروادها، وأعادت السؤال والطرح والدينامية، من خلال خلق مبادرات متعددة شعارها نحو مسرح جديد ومتجدد، وللشعار خاصية مختبرية، جديد بمعنى أنه مرتبط بأصل أخد منه التجديد، وهذا التجديد متطور بجوره باستمرار خاضع لخاصية متجددة، أي يشتغل على ذاته ومرجعياته ومستقبله، يترجمه إلى واقع تداولي شعار آخر “المسرح مشغل الأسئلة ومعمل التجديد”، بناء على هذه الخاصية المختبرية المسرح العربي جديد ومتجدد بل ومعمل لذلك، ومشغل الأسئلة نقرأ به أطروحة الهيئة العربية للمسرح، من خلال مهرجان المسرح العربي، هذا المهرجان الذي انطلقت دورته الأولى سنة 2009 ودورته الرابعة عشرة كانت في السنة الماضية 2024 ببغداد، وها هو الرحال والتجوال يحط بعاصمة أخرى لتشغيل الأسئلة التي تفتح دائما وتتطور وتتبلور نحو كتابة فصل جديد من المسرح العربي عنوانه مسرح بنا ولنا ومنا ومن أجلنا، مسرح يشبهنا ويشبه بيئتنا، مسرح وليد تراثنا وخصوصياتنا، مسرح يسكننا ونود أن نسكنه، هذا وتوحي لنا سيرة ومنجز هذا المهرجان الذي أسس في فترة زمنية قصيرة عمرها 16 سنة، استطاع فيها تنظيم 15 دورة من المهرجان، جالت عواصم ومدن عربية لعدة دول، حيث ساهمت هذه المرحلة الزمنية الوجيزة والموجزة في نهضة حقيقية للمسرح العربي، بل قامت بقفزة نوعية، أصبح فيها للمسرح العربي يوما عربيا للمسرح يضاهي اليوم العالمي للمسرح، والبعد من الاحتفاء باليوم العربي للمسرح لغاية تكريم هذا المسرح العربي وشخصيات عربية بهويتها العربية الإبداعية بهدف أن ينهض مسرحنا ويخاطب ذاته والآخر، وقد توالت أيام المسرح العربي والأسماء التي كرم بها مسرحنا العربي؛ إذ تعد هذه الكلمات خارطة طريق للحلم والأمل والإبداع من خلال هذا المسرح الذي يسكننا ونود أن نسكنه، وقد انطلقت كلمة اليوم العربي للمسرح في 10 يناير 2008، بناء على ما اتفق عليه المسرحيون المجتمعون في مؤتمر تأسيس الهيئة العربية للمسرح بالشارقة، وألقى الكلمة الأولى المبدع اللبناني الدكتور يعقوب شدراوي، وتأسس مهرجان المسرح العربي، فصارت كلمة هذا اليوم تقليدا عربيا يزامن مهرجان المسرح العربي وله تاريخ قار 10 يناير من كل سنة، وتوالت الكلمات لكبار المسرحيين العرب من جل الأقطار العربية، كانت آخر كلمة ألقين في يناير 2024 للفنانة اللبنانية الكبيرة شأنا وإبداعا وإسهاما مسرحيا، المبدعة نضال الأشقر، بمناسبة الدورة 14 ببغداد، وها هي كلمة هذه السنة 10 يناير 2025 تسند للمبدع الفلسطيني فتحي عبد الرحمن، الذي اختار أن يخاطب المبدعون العرب وكل المسرحيون العرب في يومهم المسرحي العربي في عرسهم المسرحي العربي، الزَّميلاتُ والزُّملاءُ شَريكاتُ وشُركَاءُ الإبداعِ، والعَطَاءِ، والحُلْم. أقفُ أمامكمْ اليومَ وأنا أشْعرُ بالامتنانِ لإعطائِي حَقَّ الكلام، هذا الحق الذي قال فيه: نَعَمٌ إِذَنْ، وألفُ نَعَمٍ ونَعَمٍ لِلْمَسْرحِ الذي هُوَ مِخْيَالُنَا، ومجالُ إبداعُنَا، ومُتْعَتُنَا، وجُنُونُنَا العبقريُّ الخَلَّاقُ. وواصل الحق في الكلمة باعتبارها، تكريما للمبدعين الذين رسموا الطريق الذي مشيناه ونمشيه، وتكريما للجمهور الذي ويواصل الفرجة ويجرنا معه، وصرح، نَعَمٌ لِلْمَسْرحِ الذي هُوَ شُرْفَتُنَا التي نُطِلُّ منها ومَعهَا، وبِعُيُونِهَا اليقظةِ، وعُيُونِنَا المفتوحةِ على وُسْعِهَا، على العَالمِ الشاسِعِ، لنطرحَ الأسئلةَ، ولنتعلَّمَ الحِكْمةَ، ولِنَعِشَ الحبَّ، ولِنَقْرأَ التاريخَ، ونَسْتَلْهِمَ دُروسَهُ، فيما نَحْنُ نُدركُ حقائقَ الواقعِ القائمِ ونَسْتقْرئُ ممكناتِهِ، ونستشرفُ آفاقَ المُسْتَقْبلِ المَنْشُودْ، وزاد في التوضيح، يُعَلِّمَنَا المَسْرحُ الإصغاءَ والتَّأَمُّلَ، والتَّفَاعُلَ الحُواريَّ، والأخذَ والرَّدَ، واحترامَ الاختلافِ وقُبُولَ النَّقْدِ، وتنظيمَ الاشتباكْ. ولَيْسَ مَسْرَحاً حقِيقيَّاً، ذلكَ المَسْرحُ الَّذي لا يُؤَسِّسُ نَفْسَهُ على قُبُولِ الاخْتِلافِ الخَلَّاقِ، والتَّعدُّديَّةِ الثَّقافيَّة المُثْمرةِ، والتنوُّع الإنْسَانيِّ. ولَيْسَ مَسْرَحاً حقِيقيَّاً، ذاك الَّذي لا يَنْتَصِرُ لقضايا الإنْسَانِ، وللمَبَادِئ والقِيمِ الإنسانيَّة السَّاميَةِ، وفي صُلبها: الحُرِّيَّةُ، والكرامةُ، والحَقُّ والعَدْلُ، والمَحَبَّةُ، والجَمَالُ، وغيرها من المَبَادئِ الإنسانيَّةِ، والقيمِ الأخلاقيَّةِ التي لا تجعلُ العَيْشَ على كوكبنا مُحْتملاً، ومُتَوازناً، وقابلاً للاستمرار..ولأنه فلسطيني تسكنه كما تسكننا قضيتنا العربية والإسلامية والإنسانية والكونية باح بما يهاجسه، كَمْ من الوقتِ، والأجيالِ، سيحتاجُ الفلسطينيونَ للتَّشافِي من الخَوفِ، والكراهية، والحقدِ، والرَّغبة العارمَةِ في الانتقام والثَّأر، ومِنَ اليأسِ والقنوطِ وفقدان الأمل، والصَّدمَاتِ والأمراضِ النَّفسيَّة؟ وما هي الشُّروطُ والمتطلبات الواجبِ توافرها لتمكينهم، في واقعهم القائمِ وعبر أجيالهم المتلاحقةِ، من التعافي عبر التَّخلُّصِ النِّهائي من الاحتلال الصهيوني الذي هُو أِسُّ كل هذا البلاء ولأن السؤال يهاجس كل العالم تساءل كما نتساءل جميعا، هَلْ يُمْكِنُ “إصلاحُ العَالم”، في ظلِّ اتِّضاح حقيقة أنَّ المُهيمِنينَ عليه، والمُتَحكمين في شؤونه، والمُسْتَبِدِّينَ بشعوبه، والقابضينِ على أزمَّةِ مستقبلهِ، هُمْ رأسماليونَ جَشِعُون مُتَوحِّشونَ، وساسةٌ فاسدون، ومجانينَ، ولصوصٌ، ومجرمونَ وَحْشِيُّونَ، وهمجيُّونَ عُنْصُريُّون؟هذا المسرح وخاصياته:لهذا المسرح خاصية بشرية مختلفة، تحمل في طياتها عمقًا وإيحاءً عن الطبيعة الفريدة والمتفردة للمسرح، هذا المسرح الذي نمارسه ونتلقاه ونتواصل به بتراثه وإرثه وبفرجاته المتنوعة ونشتكي به وحتى منه وإليه أحيانا ونحن في جبته ومحرابه وجنته كما ناره، نحمل حوله وبفضله بوحا صريحا وضمنيا، أليس المسرح رائد التطهير بفضل فرجته الحية والحيوية والتفاعل المباشر مع المتلقي حيث يمتلك هذا المسرح قدرة استثنائية على تجسيد المشاعر الإنسانية، من قيم وغيرها، وحتى من اللاقيم التي يستحضرها دفاعا عن الإرث الإنساني ضد الخيانة والتدمير والحرب وضد التفاهة والتبخيس، ومجابهة مشاعر الخوف والحزن والفرح والغضب، في حضرة هذا المسرح تأتي الأفكار وتبنى وتنسج بطريقة لا يمكن لأي وسيلة أخرى محاكاتها وضمنها كل السرديات. هذا المسرح يسهم في عملية التطهير أو “الكتارسيز” كما هو معروف في الفلسفة اليونانية القديمة. هذا التطهير الدي يعيشه الممثل والمخرج والسينوغراف وكل الفنيين والتقنيين وصانعي الفرجة وتصل روح التطهير إلى المتلقي، ويبقى التظهير ساكنا لتلك النصوص والعروض المسرحية. أليست حكايات النصوص مقتبسة من حكايات البشر وتجاربهم، أليست النصوص بكل أشكالها وأنواعها، تستحضر متلق بشر؟، أليست المواضيع تمثيلا لواقع وأحلام البشر؟، أليست تماثلا وتفاعلا لما فوق الواقع لمخاطبة واقع البشر؟، أليس هذا المسرح تاريخ نصوص وتاريخ عروض وتاريخ تجارب وتاريخ حوار الحضارات والتقنيات؟ !.
عرس هذا المسرح:هذا المهرجان الذي يقدم لنا عرسه المسرحي مزهوا، ب 15 عرضاً مسرحياً من 13 دولة عربية، 11 منها تتنافس على جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي. ويستضيف 500 مسرحي عربي من مختلف أنحاء العالم يشاركون في المهرجان، تنفتح عروض هذه الدورة على النص غير العربي بمعالجات عربية، كما أنها المرة الأولى الذي تصل فيه عروض من كل دول الخليج للمسارين، فلسطين تصل للمهرجان للمرة الثانية حيث كانت الأولى عام 2015، البحرين تتأهل للمرة الثانية بعد عام 2014 حيث كان التأهل الأول، تتأهل قطر مجددا حيث كانت آخر مشاركة لها هام 2013، وتمتاز أيضا بصناع المسرح الشباب الذي شكلوا أغلبية بين مجموع صناع العروض، كما يشهد المهرجان وللمرة الأولى عرضاً عرائسيا للكبار، وجدير بالإشارة العروض المسرحية لهذه الدورة تحمل دلالات وقوية في ابداعاتها تتخاطب مع قضايا الأمة العربية وما تعيشه من أزمات ومنعطفات كونية، هي نصوص وعروض وسينوغرافيات ورؤى إخراجية وتشخيص لها الطرح الحداثي الذي يساير جدلية العروض التي تواكب عصرها وصولا إلى عصر الذكاء الاصطناعي، والتيمات تكاد تبقى هي التيمات التي اعتادها المسرح العربي واعتاد الغوص فيها مع اختلاق طرق المعالجة والطرح، إذ تحضر تيمة الحياة ومتطلباتها بين الحرية والانعتاق والمساءلة الواقعية والعبثية والسوريالية أحيانا، تحضر الشخصية العجيبة والغريبة والمهزوزة نفسيا والمضطربة اجتماعيا، تحضر هذه الشخصيات بوضعياتها بين الساكن في القصور وبين الراكن للعبور وبين المنفي والمسبي والمرمي في السجون، تحضر الرومانسة كما الرومانتيكية والعجائبية والواقعية المجثة من واقعيتها لواقع الطرح والمسرح، بين طرح الحب الممنوع والمتاح والمصادر، بين جدلية الحياة والموت للجسد والروح في حالة الإقصاء والامتلاء والاستعلاء والبوح العلني والخفي، وحضور الثنائيات التحاورية والدرامية بين الإنس والجن، بكل لغات المسرحية الشفاهية ورمزية والإيحائية وغيرها وبين حالات الغالب والمغلوب وبين الظالم والمظلوم، وبين المساكن والمسالم والمسيطر والدكتاتور، بين الحرب والسلم، بين الواقع والحلم والوهم.هذا المسرح العربي الذي يسكننا:المسرح العربي هوية وتاريخ وتجارب وخبرات، وانفتاح على العالم وتلاقح ثقافات واقتباسات مباشرة وموازية، عبر مراحل وتاريخ المسرح العربي، بحتنا عن الأصل والتأصيل، بحتنا عن الجذور والمرجعيات، كما بحثنا في حفريات التراث عن الشكل والموضوع، أعدت في هذا الجانب الكثير من الأطاريح والمراجع وتم تداول الكثير من الجدل والترافع، في الوثيقة وتحقيقي الوثيقة وجدليات الوثائق ومقابلتها وذلك عبر كل الأقطار العربية عبر مراحل تاريخية متفاوتة، بل إن سؤال المسرح العربي تمت قيادته ببعض الأقطار العربية التي عرفته قبل قطر آخر ومارسته إبداعا وبحثا ودراسة، إلى درجة أن بعض الأقطار كانت سباقة في بناء معاهد التكوين، ومعظمها بين القرن 19 والقرن 20، والأخرى استفادت فيما بعد ممن سبق وأسس، وهنا يحضر الإسهام المعرفي والتكويني التاريخاني من قطر عربي لآخر عربي، والدليل أن التأريخ للمسرح العربي ينطلق من خاصية التأثير والتأثر بالوجهة المشرقية أو الغربية بتفاوت واختلاف بين الوجهات في علاقة إما بالاستعمار أو بالبعثات الثقافية، كما كانت بعض الأقطار سباقة في تأسيس تجارب مسرحية واتجاهات مسرحية كما عرفت مهرجانات وملتقيات مسرحية كانت مؤتمرا مسرحي فوق العادة في زمنه، وفيما بعد أصبحت لكل قطر عربي استقلاليته في مجالات الإبداع والتكوين والدراسة ومجايلات التجارب المسرحية، وبذلك يمكننا القول أن الصوت قد وصل أو قل على الأقل قد خرجنا من مرحلة تلمس الطريق والبداية والتبعية والتأثير والتأثر وأصبحنا نتكلم عن التميز والقيادة، وانخرطنا بقوة في مرحلة المبادرة والانطلاقة المختلفة.يمكن أن نرصد المرحلة التي وصلنا إليها احتفاء ومواصلة لرسالة المسرح العربي، من خلال تجربة مهرجان المسرح العربي المقترح والمنظم والمتابع والمدعم من طرف الهيئة العربية للمسرح، هذا المهرجان الذي جاء في زمنه بعد الأزمنة التأسيسية وبعد فتوحات وعطاء واسهامات وفق التراتبية العلمية والمعرفية ووفق دورة “الزمن التطويري” أو بالأحرى “الحقب التطويرية”.
عبر هذه المرحلة، تم بناء وتطوير الأسس التي وضعت خلال كل الفترات البانية والتأسيسية تم المتطورة حيث حدثت تحسينات ملموسة وتوسعات في الأفكار، والنظم، والهياكل الملحوظة على عدة مستويات دعما لمرحلة التحديث والحداثة وما بعد الحداثة إلى أن أصبحنا نتكلم عن مرحلة ما بعد الدراما.
تعليقات
0