ذكريات مغربية:كان لدى خوسي ماريا دي مورغا (1827 – 1876) اسمان وروحان

لينا بريس

لينابريس

وُلِد مسيحيًا، لوردًا بيسكايًا، لكنه سيجد اسمه الآخر -وحياته الأخرى- بعيدا جدًا عن موطنه بإقليم الباسك، حيث ستحمله الأقدار إلى المغرب الذي سيستقر فيه لسنوات تحت اسم جديد هو الحاج محمد البغدادي.

وقد تنكر خلال مقامه في هيئات مختلفة: الطبيب المُعالج، والمحتال الولي، والمُسافر الفضولي، وكان محبا لحياته الجديدة وسط البربر (المور) الذين أحبّهم لدرجة أن لقبه ارتبط بهم (الموري الباسكي) .لم يَغْدُ دي مورغا لورنس العرب، لكنه كان قاب قوسين أو أدنى. بدأ حياته المهنية ضابطا في صفوف الفرسان، وتطوع في حرب القرم. ولأنه لم يُسْتَدْعَ خلال حرب تطوان (1859-1860)، قرر التخلي عن مسيرته العسكرية والسفر إلى المغرب بمفرده. وللقيام بذلك، كان قد هيأ نفسه وتعلم اللغة العربية، ونال تدريبا طبيا وجراحيا، واكتسب المعرفة الأساسية التي من شأنها أن تسمح له بالتسلل إلى المجتمع المغربي، كما تنكر في هيئة مرتد من المسيحية إلى الإسلام.

أمضى دي مورغا ثلاث سنوات في إجراء تجربته الأنثروبولوجية الممتعة، مرتديًا جلبابًا وعمامة، ومتخذا الحمار رفيقا، وقد سافر عبر مدن شمال المغرب سيرًا على الأقدام، أو راكبا حماره. بعد ثلاث سنوات من المُقام بالمغرب عاد إلى وطنه بسبب وفاة والدته، وخلالها نشر في بلباو سنة 1868 كتابًا بعنوان “ذكريات مغربية للمورو بيسكاينو” وأصدر منه مائتي نسخة (200 نسخة) وزعها على أصدقائه، وفي هذا الكتاب يروي مغامراته ويتحدث عن انطباعاته وما رسخ في ذهنه عن الأجناس الذين عاش بينهم، وهم البربر والمور والعرب واليهود والمسيحيين المرتدين.

إن الطبعة الأولى النادرة من هذا الكتاب والتي صدرت لأول مرة سنة 1868 هي التي نقلها إلى اللغة العربية الأستاذ محمد المساري، وهي تضم تجارب خوسيه ماريا دي مورغا، الفضولي الذي عاش الشخصية الخيالية للحاج محمد البغدادي واندمج في المجتمع الإسلامي بالمغرب.

مورغا، المعروف باسم الموري بيسكاينو، هو سليل عائلة باسكية ثرية كما سبق وأن ذكرنا، وكان قائدا لسلاح الفرسان، ومراقبًا دوليًا في حرب القرم. كما انضم للقتال ضد الأحزاب الكارلية، ولكن نفسه سئمت من التعسف الذي يرتكبه الجنود في الحرب، وافتتن بالدول الإسلامية آنذاك، فطلب في عام 1861 تقاعده من الجيش للسفر إلى الضفة الجنوبية وحيدا.

عندما وصل دي مورغا في عام 1863 إلى المغرب، عاش كمرتد وسط الاسبان المسيحيين المنشقين والفارين من بلدهم، وهذه الطبقة كانت الأكثر احتقارًا في الإمبراطورية المغربية حسب ما بيّن في كتابه، وقد نجح في الاندماج بشكل كبير في الحياة الحميمة للمغاربة ونقل لنا الممارسات الدينية لمختلف الأجناس بالمغرب آنذاك، وقدّم صورة وافية عن حكم السلطان عبد الرحمان وابنه محمد، كما قدّم تفاصيل دقيقة عن معركة وادي المخازن وسرد بأسلوب ممتع الوقائع والأحداث. استطاع محمد البغدادي الاقتراب من كل الأجناس بالمغرب، وقد قدّم وصفا دقيقا للأقلية اليهودية المغربية، وذكر عنهم معلومات وحكايات مثيرة للاهتمام؛ وأبرز صورة تختلف تماما عن الصورة التي يتم ترويجها عنهم في الوقت الحالي.

يحتوي الكتاب على أبواب متعددة وهي: المرتدون – أصل الأسرة الحاكمة حاليا بالمغرب- ظهور الشرفاء في المغرب – معركة القصر الكبير (وادي المخازن) – الفوارق بين الإسبان والمغاربة – ملاحظات حول الأجناس التي تسكن المغرب – المور – العرب- البربر – الزنوج- اليهود– مأثورات إنجيلية– قانون العين بالعين (القصاص)- رسالة من العرائش. يقع الكتاب في 266 صفحة وهو الإصدار الثاني لمركز جسور للدراسات التاريخية والإجتماعية.

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 20:55

البحرية الملكية تُحبط تهريب مخدرات في عرض شاطئ السواني بالحسيمة

الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 17:53

توقيع اتفاقية شراكة بين مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني ووكالة إنعاش وتنمية الشمال

الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 16:18

انتخاب المغرب في شخص المستشار البرلماني كمال أيت ميك بمكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان للاتحاد البرلماني الدولي.

الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 14:51

القضاء بالحسيمة يصدر حكماً صارماً ضد مروج للمخدرات القوية