السي أحمد اليبوريّ معلم استثنائيٌّ

لينا بريس


الميلود عثماني

1.أحمد اليبوري أديبٌ وناقدٌ وأكاديميٌّ مغربيٌّ بارزٌ ومشهورٌ في تاريخنا الثقافيِّ والنَّهضويِّ المغربيِّ والعربيّ. هو رائدٌ من رواد النهضةِ الأدبيّةِ الْحديثةِ ببلادنا.
ولد بسلا سنة 1935، وبرزَ بوصفه شخصيّةً مؤثرةً في الحقل الثقافيِّ والأكاديميِّ عبْر سيرةٍ امتدَّتْ لستة عقود. ولأنَّ حياة السي أحمد اليبوري ثريّةٌ من شتّى المناحي، فلا يسعنا إلى أن ننتقي الأفضلَ والأشدِّ بروزا في حياته الشّامخة.
تهُمنا من كل ذلك أربعة جوانب من حياة المحتفى به: مسيرته الأكاديمية والإدارية؛ إسهاماته الأدبية والنقدية؛ دوره في تعزيز الهوية الثقافية المغربية؛ مواقفه الإنسانية والأخلاقية.

  1. صور الإستثناء في حياة الأستاذ أحمد اليبوري:
    أولاـ طبيعة المسيرة الأكاديمية والمناصب التي شغلها؛ فهو قد جمع بين ثلاثة تخصصات: نقد الشعر وكتابته ونقد السرد القصصي والروائي والفلسفة العامة والمنطق، الشيء الذي مكَّنه من الإسهام في تحديث المناهج الدراسيَّة الحديثة ومأسسة الأدب بإدخال المناهج النقدية الحديثة شأن السرديات والسيميائيات واللسانيات التلفظية والباختينية والتحليل النفسي والسوسيولوجيُّ.
    وبين سنتي 1983 و 1986 شغل منصب رئيس اتحاد كتاب المغرب مرتين وهو ما ساعد على تبيئة الأدب المغربيِّ قاريًّا وعربيًّا ودوليًّا وإحداث تواصل بين مؤسسة الاتحاد والجماعات المنتخبة.وكان هذا اختيرا موفقا سمح لاتحاد كتاب المغرب بكسر الحواجز بين الثقافة العالمة والبيئات الثقافية المحلية.
    ثانياـ الإسهامات الأدبية والنقدية
    يُعدُّ أحمد اليبوري ظاهرةً متفردةً، في هذا المجال؛ فقد أعطى الأولوية لتكوين الباحثين أملًا في خلق بيئة حقيقيّة وواقعيّة لإنتاج البحث العلميِّ، في الحقل الأدبيِّ وتداوله والتوسُّع فيه.
    لمْ يلتفت إلى نفسه إلا بعد مُضي نحو ربع قرن من تكوين الأجيال العلمية، وهو زمنٌ كانت فيه الجامعة المغربية، بعامة، وكليات الآداب، بخاصة، مناراتٍ علم وقيم ورؤى.
    أخرج للقراء مؤلفات نقدية متوسطة الحجم، عظيمة الشأن:
  • دينامية النص الروائيّ (1993)؛
  • في الرواية العربية: التكون والاشتغال (2000)؛
  • تطور القصة في المغرب (2005)؛
    ليتمكَّنَ سنة 2022 من إخراج جُلِّ أعماله في مجال النقد السرديّ(قصة ورواية) في عمل من جزءين حيث مكَّن الباحثين المهتمين من بالأدب العربيِّ والمغربيِّ من سياقات تاريخية مضبوطة ووقائعَ نصيّةٍ مشهودة وتحليلات ومقارنات تُعدُّ، في نظرنا المتواضع، أشبه بطريق الوحدة.
    وفي سنة 2021 سيخرج لقراء نقد الشعر واحدا من أبرز البحوث الدقيقة والمضبوطة حول شعر شاعر لوْ لم تنقذه الراحلة أم كلثوم لكان نسيا منسيا. وقد عنْونَ هذا المؤلف بـ”روض الزيتون”. وليس عجيبًا ولا غريبًا أن يكون السي أحمد اليبوري ذا مزاج شعري متميز؛ فهو شاعر نشر نصوصه تحت اسم مستعار(ولعله الحقيقي): أحمد الدمناتي تيمنًّا بأصله الجغرافيِّدمنات. وحينما قل ظهور هذا الإسم في الجرائد والمجلات الأدبية، قبل أن عرف أن الأمر يتعلق بالسي أحمد اليبوريّ، صرتُ أسألُ عنه أهل الاختصاص، إلى أن هداني غيري إلى أنَّ الأمر يتصل بشخص أعرفه وحرسني خلال امتحان الدراسات المعمقة(1988). إذّاك اتَّضحَ أن الرجل لم يخرج كثيرا عن دائرة الذوق الأدبيِّ السائد خلال ما بعد الاستقلال حيث كان للشعر، بجميع أجناسه وتيماته وبيئاته، نصيبَ الأسد. يقينا، فإن الشعر قوةٌ تعبيريَّةٌ هائلة ومِجلاةٌ للوجدان والسرائر، لكنَّ السرد أقربُ إلى الذاكرة والتشخيص، لهذا انشغل به باحثنا ليس لتميزه عن القول الشعري فقط، بل لأن الذين كتبوا في القصة، غداة الحماية وأثناءَها، لمْ يكونوا أشخاصا عاديين، بل هم، في الغالب، خيرة ما أنجبته الوطنية قبل وبعد الاستقلال. لهذا يعود للسي أحمد اليبوريِّ الفضلُ في تبيئة مفاهيمَ ومصطلحاتٍ نقديَّةٍ مثل: ذرات أيقونية؛ الحوارية الباختينية؛ شعرية البقايا؛ الوعي واللاوعي في النصوص الأدبيَّة.
    ثالثا- دوره في تعزيز الهوية الثقافية المغربية
    يعود الفضل للسي أحمد اليبوريّ في إبراز قيمة السرد المغربي بوصفه جزءا لا يتجزأ من السرد العربي، من خلال تنقيبه في التراث المغربي المنسيِّ (شأن الرحلات والحكايات الشعبية) مع ربط كل ذلك بالحداثة.
    ومن صور الحداثة في حياة هذا الرجل العظيم دفاعُهُ المستميتُ عن استقلاليّة العمل الثقافيّ ونزاهتِه، لهذا رفض، وهو ابن مؤسسةٍ حزبية وطنيّة، توظيف الأدب أداةً لخدمة السياسة، معتبًرا النقدَ الأدبيَّ واجهةً للفكر التحرّري.
    رابعا-أحمد اليبوري صاحب المواقف الإنسانية والأخلاقية:
    عُرفَ السي أحمد اليبوريُّ بمواقفه الشجاعةِ، مثل رفضه الاستعانة بقوات حفظ الأمن خلال امتحانات طلبة كلية آداب فاس، أيامَ أن كان عميدًا. كما تميَّزَ هذا الأب الروحي بتواضعه وصدقه؛ فقد رفض إدّعاء أصولٍ أندلسية لعائلته رغم كل الضغوط، متمسكا بانتمائه لحاضرة دمنات.

3- وأخيرًا، وكما أجمع على ذلك كل المنصفين، فإن السي أحمد اليبوريّ:

  • رائد من رواد النهضة الأدبية الحديثة مغربيا وعربيا؛
  • مثقفٌ ملتزمٌ وباحث موضوعيٌّ؛
  • واضعُ أسس النقد الأدبي في مجالي القصة والرواية؛
  • المتتبع الشغوفُ لتطورات النظريات النقديّة الجديدة؛
  • المحافظُ على الوضوح الفكريِّ والروحيِّ رغم تقدمه في العمر؛
    السي أحمد اليبوري العزيز، نرجو لك صحة جديدة لأن وجودك بيننا صيانة لمكتبة حيَّةٍ وشائقة ونافعة.
تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأربعاء 30 أبريل 2025 - 08:55

سالم عبد الفتاح يتوج بجائزة الصحافة للصحراء عن فئة الترافع الإعلامي

الأربعاء 30 أبريل 2025 - 01:36

عالم متشظي من الانفعالات رواية “شذا عشقك جرس نغم في دمي”

الثلاثاء 29 أبريل 2025 - 22:32

المعرض الدولي للكتاب بالرباط بجناح مكتبة السلام الجديدة : «مدن الأحلام» لبوشعيب خلدون.. حين تتحول القصيدة إلى لوحة

الثلاثاء 29 أبريل 2025 - 20:51

نجاح باهر للملتقى السنوي للتوجيه والإعلام بالثانوية التأهيلية البروج.