قبل
بعضة أسابيع فقط وبالضبط يوم 9 فبراير المنصرم كانت لي دردشة مع المفكر
المغربي الدكتور الإدريسي المقرئ أبو زيد خلال حفل عشاء أقيم إثر إلقاءه
محاضرة في العاصمة الإسبانية مدريد حول “واقع مسلمي أوروبا: إلى أين؟”.
وبعد تجاذب أطراف الحديث حول مواضيع مختلفة – فالرجل في تقديري موسوعة تأكل
الطعام وتمشي في الأسواق – سألته سؤالا مباشرا: “كيف ترى مستقبل المنطقة
العربية بعد إجهاض ما سمي بالربيع العربي؟” فكان جوابه مباشرا: “في اعتقادي ستشهد الدول العربية عما قريب موجة ثانية من الثورات والله أعلم”.
استحضرت
تنبؤات الرجل وأنا أتابع ما يجري في الشقيقة الجزائر من أحداث إثر إصرار
العسكر على ترشيح عبد العزيز بوتفليقة إلى عهدة رئاسية خامسة.
وأنا
أتابع ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة على حسابات زملائي
الصحافيين والإعلاميين الجزائريين، انتابني كما انتابهم ذلك الإحساس بنشوة
“الانتصار” بعد تمكن “الثوار الجدد” من أبناء الشعب الجزائري من إسقاط
“الجثة الحية” التي كانت جاثمة على صدورهم منذ عقدين من الزمن من دون أن
تسيل قطرة دم واحدة.
لا أحد يمكنه الانكار أن إصرار الشعب الجزائري العظيم، بكل أطيافه، تمكن من إرغام العسكر على تنحية بوتفليقة وإعلان شغور منصب الرئاسة والانحناء أمام العاصفة إلى حين طبخ سيناريو جديد – ربما في تنسيق وثيق بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والفرنسية -لامتصاص الغضب الشعبي الذي ما زالت مطالبه لم تتجاوز إلى الآن “حدود المعقول” بالنسبة للأيادي الخفية التي تمسك بزمام الأمور.
وفي غمرة هذا الفرح ونشوة الانتصار، على الإخوة الجزائريين توخي الحيطة والحذر والتشكيك في صدقية أي تحرك تكتيكي لجنرالات الجيش الوطني الجزائري وأن يستحضروا تاريخ الثورات الجزائرية السابقة من أجل الاستقلال والحرية والكرامة حتى لا يستهينوا بقدرات عدوهم على المناورة.
فالثورة الأولى ضد المستعمر الفرنسي دامت أكثر من 130 سنة وانتهت باستقلال البلاد سنة 1962 لكن الشعب الجزائري قدم أزيد من مليون شهيد كثمن للحصول على هذا “الاستقلال”.
وبين الثورة ضد المستعمر الفرنسي والثورة السلمية الي تشهدها الجزائر هذه الأيام شهدت الجزائر ثورة ثانية في عقد التسعينيات من القرن الماضي بعد إجهاض أول مسلسل ديمقراطي حقيقي في الوطن العربي. هذه الثورة الثانية ضد أذناب المستعمر تم إجهاضها عبر تفريخ جماعات إرهابية ودسها في صفوف الإسلاميين الثائرين بعد انقلاب العسكر عليهم فاختلط الحابل بالنابل وكانت النتيجة قتل أزيد من نصف مليون جزائري وتأجيل الموعد مع الديمقراطية عقودا أخرى.
.الحماية الغربية في الجزائر – كما هو الحال في جميع الدول العربية وبدون استثناء من المحيط إلى الخليج – لن تتخلى بسهولة عن مصالحها الاستراتيجية. فالحذر ثم الحذر ولا تركنوا إلى نشوة الانتصار.
سعيد إدى حسن //إعلامي مغربي مقيم في إسبانيا
تعليقات
0