سوسيولوجي : تدين الشباب المغربي خاص وعلمانيته واقعية

لينا بريس

 

قال السوسيولوجي عزيز مشواط ، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن النماذج النظرية التي فسرت التدين بصفة عامة وتدين الشباب بصفة خاصة أثبتت عجزها في الحالة المغربية. وأضاف المتحدث في محاضرة احتضنتها منظمة طلاب من أجل الحرية، بالمركز العلمي العربي للدراسات الإنسانية بالرباط، أول أمس الخميس أن الدين يفرض نفسه كقيمية مبنينية ومهيكلة للنسق القيمي للشباب، غير أن هذا الحضور المكثف للدين يترافق في نفي الوقت مع رغبة قوية في تحقيق الذات، والاستفادة من الاختيارات الفردية.

وفي السياق ذاته، اعتبر مشواط، الباحث بالمركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية بالرباط، اعتمادا على مختلف الدراسات التي أجريت حول تدين الشباب أن ارتباط الشباب بالقيم الدينية لم يمنعهم من إعطاء الأهمية الكبرى للاختيارات الفردانية في الزواج والأسرة والإنجاب.

وفسر ذات المحاضر الأمر بتموقع الشباب على خط متشعب من الاختيارات دون أن يستطيعوا الحسم لصالح هذا الاختيار أو ذاك ولذلك يحتفظون بالمستويين معا. وهكذا، يضيف، يقومون مثلا بتجميع رؤيتين مختلفتين للعالم تزاوج بين التشبث بالدين والعلم معا. لكن من أجل أن يصلوا إلى مستوى تجميع هذين الرؤيتين كان لابد أن تكون هذين الرؤيتين متضمنتين خلال مسار التنشئة الاجتماعية.

ومن جهة أخرى، يضيف المتحدث فإن الاعتقادات الدينية توجد في العديد من المؤسسات، في المدرسة، في الإعلام، في الشارع وتروج في الفضاء العام بشكل متواتر ويومي. أما العلم فيوجد نظريا في المدرسة وفي فضاءات العمل المعقلنة والتي تفرضها ضرورات التحديث وتوجد على الانترنيت بشكل متسارع وجذاب. غير أن فضاءات تنزيل المنتجات الدينية تتفوق من حيث العدد على فضاءات تنزيل المنتجات العلمية. ومع ذلك، نجد ان لدى الشباب توجها متماثلا فيما يخص أهمية كل من العلم والدين لحل مشاكل المجتمع.

وفي محاولته تفسير توجه الشباب في نفس الوقت إلى استدماج الدين والعلم في نسق قيمهم، في الوقت ذاته، قال الباحث: إن الشاب يختار في لحظة معينة تثبيت عناصر من مقترحات التنشئة فتصبح جزءا من شخصيته وفي لحظات أخرى يقوم بالعملية العكسية وهي إلغاء ما تم تثبيته. ويمكنه أن يتوقف عن الإيمان بشئ ويؤمن به مجددا، كما يستطيع أن يدمج عددا من القيم والممارسات: الاعتقاد والمساواة بين الرجل والمرأة في العمل، ولكن دون الاعتقاد في المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث.  بل إن هناك نوع من التدين الخاص لدى الشباب، حيث يمكن للفرد أن يعتقد ويمارس، ويمكن أن يعتقد دون أن يمارس الشعائر والطقوس ويمكن أن يمارس ويعتقد بطريقة فردانية. واستحضر مشواط عددا من المفاهيم لمحاولة تفسير ذلك حيث أشار إلى أطروحة لكليفورد غيرتز المتمثلة في نوع من العلمانية الواقعية التي تطبع حياة المغربي بصفة عامة. فالاعتبارات الدينية رغم كثافتها لا تلعب دور الموجه للسلوك إلا في مجالات محدودة، فهي تكاد تغيب مطلقا في الشؤون الاقتصادية والتجارية والقضايا السياسية بالرغم من تغير ذلك، نسبيا بعد صعود نجم الإسلام الحركي وسيادة شعار” الإسلام هو الحل. وفي السياق ذاته، اعتبر الباحث أن أطروحة التدين الخاص لأوليفي روا تبقى مقبولة بالرغم من أن أطروحته لا تمس بشكل مباشر المغرب لكنه يعتبر أن المجتمعات العربية المعاصرة تعرف توجها عاما نحو نوع من التدين الخاص مما يشكل حسب هذه الأطروحة بداية انبثاق الفرد كذات مستقلة وذات سيادة.

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

السبت 28 ديسمبر 2024 - 17:10

جائحة الفساد المتنقل أعظم من الزلزال،شبيهة بالإرهاب

الإثنين 23 ديسمبر 2024 - 14:36

جهاز يطرد النيكرو يمنح الأمل للصيادين في الحسيمة

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 16:02

أزمة المعاشات الدنيا والمتوسطةهنيئا لمن: ياسيادة وزير الميزانية المحترم؟

السبت 21 ديسمبر 2024 - 23:10

الدكتورة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله.