بقلم: عمر دغوغي الإدريسي /
الاستغلال الرأسمالي للضيعات الفلاحية
عندما دخل الاستعمار بشكله السافر إلى الأراضي المغربية وجد أمامه عدد من خدام
المخزن الأوفياء وهي الفئات الحاكمة المكونة من شيوخ القبائل والقواد وكبار رجال
الدين.
وقد أبقى الاستعمار على معظم هذه الفئات وامتيازاتها الأدبية والاجتماعية، ومنحهم مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عند إدخال نظم تسجيل الأراضي لكي تكون سندا قويا للمحتل، ولكنه جردها في المقابل من نفوذها السياسي الحقيقي لأنه أصبح الحاكم الفعلي للبلاد. وظلت هذه الفئات رمزا بلا مضمون يستعين بها المحتل حيثما يريد واجهة لإضفاء الشرعية على بعض سياساته الاستيطانية والعدوانية.
وهكذا ظهر نمط الملكية الفردية للأرض، وتحولت العلاقات داخل القبيلة من علاقات
عشرية في مفهومها التقليدي القديم إلى علاقات اقتصادية ترتكز على امتلاك رؤساء
القبائل والقواد ورؤساء الطرق الصوفية للأراضي الزراعية الواسعة، وتحول سائر أفراد
القبيلة بالتدريج إلى فلاحين أجراء في أراضي زعمائهم.
وما لحق الزراعة من تغير في نمط ملكيتها لحق تدريجيا ملكية الماشية، فقد تحولت هذه
الأخيرة من ملكية عشيرة مشاعية إلى ملكية أسرية أو فردية، ولكن النشاط الرعوي لم
يتطور في وسائله بالدرجة أو السرعة نفسها اللتين تطورت بهما الزراعة في البادية
المغربية، لذلك يظل الفائض الاقتصادي المتولد من هذا النشاط، والقابل للتوزيع
والاستحواذ من خلال الآخرين محدودا للغاية.
ما أن استقرت الملكية الفردية للأرض الزراعية في المغرب حتى أقدم المستوطنون
الأوروبيون على تطبيق أشكال الاستغلال الرأسمالي للأرض الزراعية باعتبار الأرض
بمثابة رأس مال يدر دخلا أي ينتج فائض قيمة.
وهكذا انقسمت الأراضي الزراعية إلى مزارع يستغلها الأشخاص، ويمارسون فيها حقوق الملكية الخاصة كافة، وإلى أراضي الدولة، وأراضي الحبوس والأراضي الجماعية وغيرها.
لكن علاقات الإنتاج الرأسمالية لا يمكنها أن تنمو وتزدهر بلا تطور في الإنتاج الآلي الحديث.
وهكذا أدخل المستوطنون الزراعيون الآلة إلى القطاع الزراعي بصورة تدريجية بهدف
تحسين الإنتاج الزراعي وتطويره في مزارعهم معتمدين على المكننة من أجل استصلاح
الأراضي عبر استخدام الحفارات والمحركات لإحياء أراض جديدة وإقامة شبكة للري. وهذا
من شأنه زيادة المساحات المزروعة والمروية فقط. وكذلك استعمال الأدوات الحديثة
والجرارات والأسمدة المخصبة للأراضي من أجل الزيادة في الإنتاج الزراعي.
ج – نتائج الاستعمار الفرنسي على العالم القوي
وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد هذه الآلات في المزارع الأوروبية أدى إلى توظيف
رساميل باهظة، وجعل العمل الزراعي التقني مجالا جديدا للقوى البشرية التي رأت في
الوسائل الجديدة أملا في تأمين احتياجاتها كافة من غير أن تمارس أعمالا جسدية
مرهقة، بل انحصر نشاطها في توجيه الآلة التي وضعت لخدمة العاملين في الحقل الزراعي
وراحتهم.
وكان من نتيجة هذه التقنيات الحديثة الأثر البالغ في التطور الذي بلغته الزراعة بعد استعمال الآلات الحديثة، خاصة وأن طبيعة الأراضي في البادية المغربية تفرض تنوع الزراعات فيه.
وكان من الطبيعي، نتيجة هذا التنوع، أن نلاحظ أشكالا مختلفة من الأدوات تلائم كل نوع من الزراعات متوفرة بأعداد كافية.
فقد ساعد الاستعمار على تحول الإنتاج الفلاحي التقليدي إلى إنتاج سلعي لأغراض التبادل وليس لأغراض الاكتفاء الذاتي وما يصطحب ذلك من عمليات تحول للاقتصاد الفلاحي التقليدي من اقتصاد طبيعي معيشي إلى اقتصاد نقدي تبادلي سوقي.
كما أدى هذا الجانب إلى بروز ازدواجية في البنيات الفلاحية، فقد أصبح يتعايش قطاع اقتصادي زراعي عصري على درجة عالية من الحداثة يملكه المستعمرون الأوروبيون، وقطاع اقتصادي زراعي فقير يملكه السكان المحليين، ويشار إليه غالبا بأنه تقليدي.
لقد أدى الاختراق الغربي للمغرب أن حوله إلى مجتمع كلونيالي من حيث نمط الإنتاج،
وهو نمط إنتاج يكون في خدمة الرأسمالية من دون أن يتحول بالفعل إلى مجتمع رأسمالي
ناجز على غرار المجتمعات الأوروبية، وهي مجتمعات ظهرت في سياق ولادة الرأسمالية
وصعودها وتوسعها وتحولها إلى إمبريالية بوصفها محصلة للصراع بين الرأسمال الوافد
من الغرب، والمقاومة التي أبدتها في تاريخ الشعوب التي شكلت ما يسمى اليوم بالعالم
الثالث.
إن هذا الطابع الأخير هو الذي يجعل المغرب اليوم لا يزال أسيرا للحركة الرأسمالية
العالمية، فإنتاجه قائم على أساس الاستجابة لمصالح السوق الرأسمالية العالمية.
ويشتهر اقتصاده بتخصصه في إنتاج المواد الأولية، أو في زراعات معينة أو صناعات تحويلية تدخل في سياق الصناعات المتطورة الرأسمالية.
وهكذا فإن هذه السيطرة الاستعمارية تنظم النهب، وتعادي التقدم الاقتصادي
والاجتماعي للبلاد المستعمرة،فقد أدى الاستعمار الفرنسي للمغرب إلى دمجه تدريجيا
في النظام الرأسمالي العالمي. وكان أحد تداعيات ذلك بالطبع هو تغلغل العلاقات
الرأسمالية في الأنشطة الاقتصادية بالقدر الذي يجعله مصدرا للمواد الخام من زراعية
ومعدنية، وسوقا لتصريف سلعه ولاستثمار رأس ماله.
وقد أدى غياب أي اهتمام بمصالح الفلاحين المغاربة ومصيرهم في السياسة الزراعية
الفرنسية بالمغرب،القائمة على خدمة مصالح المستوطن الزراعية الأوروبي وحده لتداخل
مصالحه مع مصالح فرنسا قد أدى إلى إفقار الفلاحين المغاربة…. يتبع
تعليقات
0