بقلم الحبيب الشوباني
بعد اطلاعي على ما كتبه بعض المتخصصين في الاستثمار السياسوي في المآسي والمصائب، أعود للحديث عن فاجعة الحادثة التي ذهب ضحيتها العديد من ركاب الحافلة التي جرفتها السيول يوم الأحد 8 شتنبر 2019 لأسجل، من زاوية أخرى، بعض الرسائل والمواقف التي يمليها الحدث وبعض تفاعلاته الشاردة، وهي كما يلي :
١- *أولا*، تجديد التعازي لأسر الشهداء الغرقى سائلا الله عز وجل أن يمن عليهم بالصبر والسلوان لتحمل آثار هذا الفقد لكل عزيز عليهم؛ كما نسأله تعالى الشفاء العاجل للجرحى وجبر آثار هذه الواقعة المؤلمة لكل من لحقه بسببها ضرر نفسي، أو معنوي أو مادي .
٢- *ثانيا*، التعبير عن الشكر والتقدير لكل السلطات المركزية والجهوية والمحلية المختصة التي عبأت إمكانيات مصالح الدولة المختلفة وتفانت في التضحية من أجل القيام بالواجب إنقاذا وإسعافا وغير ذلك من المهام الصعبة والجسيمة التي ترتبط عادة بتدبير وإدارة مثل هذه الكوارث المباغتة.
٣- *ثالثا*، التعبير عن موقف صريح وواضح يرفض التصريحات التي تحترف الاستثمار السياسوي في مآسي المواطنين ومصائبهم عبر محاولات التقليل من جهود السلطات المختصة قانونيا بتدبير الأزمات والكوارث، والتي وصلت الليل بالنهار، في هذه النازلة وفي كل نازلة مماثلة ( اليوم جرف المياه لحافلة، بالأمس حرائق في الواحات، وقبلها جهود إنقاذ مواطنين رحل عالقين وسط الثلوج في جبال وعرة بين ميدلت وتنغير..إلخ ) للقيام بالواجب وتعبئة المتاح من الموارد البشرية واللوجيستيكية لإسعاف المواطنين وحماية أرواحهم وممتلكاتهم.
٤- *رابعا*، التعبير عن موقف صريح وواضح يرفض التصريحات التي تعمل بشكل ممنهج على الاستثمار السياسوي في مآسي المواطنين ومصائبهم بالسعي للإساءة للمنتخبين عبر إشاعة “الجهل القانوني” بين الناس بافتراض وجود علاقة اختصاص ومسؤولية مع هذه النازلة وغيرها مما يشبهها. وهو ما يعني – بهذا المنطق غير السليم – أن الحضور الفوري لمكان كل فاجعة تقع في عموم تراب الجهة، واجب على رئيس الجماعة ورئيس المجلس الإقليمي ورئيس الجهة ولم لا حتى البرلمانيين. وهذا الفهم المنحرف للأمور بعيد كل البعد عن منطق اشتغال مؤسسات الدولة في التعاطي مع الكوارث، وكل ترويج له لا يعدو أن يكون ترويجا لثقافة فاسدة. والحقيقة التي يجب التنويه بها هي أن جمهور المنتخبين مطالبون ببذل جهدهم التنموي في إطار الاختصاصات الموكولة لهم قانونيا والإمكانيات المتاحة لهم، كما أنهم يتصرفون في زمن المصائب بما يمليه واجب التضامن والمواساة من غير حاجة للأضواء والكاميرات.
٥- *خامسا*، التعبير الصريح عن كوني لا أرى من المعقول أي وجه لمسارعة المنتخبين للتزاحم مع السلطات الترابية والأمنية والقطاعية المختصة في مواقع الكوارث ومعالجة مخلفاتها إلا إذا كان لهذا الحضور قيمة مضافة، ومحل تشاور وتنسيق مسبق مع السلطات المسؤولة عن قيادة وتنسيق العمليات ذات الصلة بطبيعة الكارثة. فقد أكدت التجربة أن مثل هذا الحضور لحظة وقوع أي كارثة قد يتيسر ويكون تلقائيا بدوافع إنسانية صرفة، كما قد يكون مؤسسا على دوافع استثمار سياسوي لاستغلال عواطف ومشاعر المواطنين المفجوعين عبر إطلاق التصريحات الاستعراضية ونشر الصور وغيرها من الممارسات التي قد تجعل حضور المنتخبين مشكلة وليس حلا يتطلبه الوضع لتهدئة النفوس وتعميق مشاعر التضامن والتآزر وتكاثف الجهود للقيام بواجبات الموقف الصعب.
٦- *سادسا* ، يجب التأكيد على أن التحقيقات التي تجري تحت إشراف السلطات المختصة في مثل نازلة حافلة الدرمشان، غالبا ما تثبت المسؤولية التقصيرية للإنسان ( مهندس، سائق…الخ ) وليس لسلوك الطبيعة. وهنا يجب أن نمتلك الشجاعة للتعبير في هذه الحالة عن الغضب من كل الذين يتهورون في سياقتهم، ولا يبالون بالنشرات الإنذارية وكل التدابير الاحتياطية والجهود الإعلامية التي تسعى أجهزة الدولة للقيام بها لحملهم على احترام القانون وتوخي الحذر في الظروف المناخية الصعبة، واستحضار ثقل أمانة أرواح البشر الذين يقلونهم على متن عرباتهم وحافلاتهم، ثم يلقون بأنفسهم وبركابهم نحو التهلكة. وهذا الموقف لا يجب أن يخلق أي تعارض مع إيماننا بأن قوانين القضاء والقدر تجري أيضا بما يجعل الحذر لا ينفع دائما في دفع القدر ( لكل أجل كتاب).
٧- *سابعا* ، إن فاجعة حافلة الركاب بالرشيدية، وفاجعة ملعب تيزرت بإقليم تارودانت، والسيول الطوفانية التي عاشتها منطقة امليل بمراكش ، وغير ذلك كثير مما عرفته مدن كبرى غرقت في مياه الأمطار في سنوات قليلة خلت…ما هي إلا عناوين ومؤشرات لتحدي كبير وجدي مطروح يسائل جميع السياسات العمومية ذات الصلة، والمنظومات الاستشعارية والإنذارية ، ومنظومة الثقافة المجتمعية المتعلقة بالوعي بمخاطر التغيرات المناخية وكيفية التعاطي معها، وكذا مستوى وجودة العديد من البنيات التحتية الحالية الموروثة من عقود، لرفع تحدي استباق ظاهرة التغيرات المناخية المعولمة والتي باتت تضرب بعنف وبشكل مباغت صيفا وشتاء، ويكاد لا يبقى معها صيف ولا شتاء.
٨- *ثامنا* ، وفي حالة جهة درعة تافيلالت التي يتميز مجالها الترابي بخصوصيات قاسية من حيث التضاريس والمناخ والهشاشة الإيكولوجية، فإن مثل هذه الفواجع يجب أن تكون فرصة واستثمارا إيجابيا لتعبئة الذكاء الجماعي والإرادة الوطنية، بهدف التعاون على وضع وتفعيل برامج ملائمة لتأهيل البنيات التحتية للحد من المخاطر التي تستهدف الأرواح والممتلكات وتعزز الأمن البيئي من التدهور المتسارع الذي تنذر به هذه التحولات المناخية المعولمة.
٩- *تاسعا*، وفي الإطار ذاته، تجدر الإشارة إلى ضرورة وأهمية توجيه الدولة لاستثمارات نوعية استثنائية لتأهيل الجهة لمقاومة هذه التحولات وتمكينها من التوفر على شرايين طرقية كبرى تربطها داخليا، وخارجيا مع الجهات الجارة، وكذلك الشأن بالنسبة للسكك الحديدية. وقد بات اليوم مستعجلا وضروريا الانكباب على استكمال الطريق السريع لربط مكناس بمولاي علي الشريف ( انتهت بعض أشواط دراسته وعبر مجلس الجهة عن استعداده للمساهمة في بنائه في حدود 1 مليار درهم ) ، وكذلك ربط الرشيدية بوارزازات وزاكورة بطريق سريع أيضا، مع تجهيز هذه الشرايين بالمنشآت الفنية والقناطر التي تستجيب لهذه التحديات المناخية الحالية والمستقبلية وتعزز السلامة الطرقية. نفس الانتظار يستوجب التعاون على تحقيقه بربط الأقاليم في ما بينها مع تخصيص المناطق الجبلية بعناية خاصة، لأن فترة التساقطات الثلجية تحمل لوحدها تحديات مقلقة ومن نوع خاص تحتفظ فيها ذاكرة الجهة بلحظات عصيبة.
١٠- *عاشرا* ، وفي مجال تجنيب المجال الترابي للجهة مخاطر نقص المياه ( الجفاف ) أو التساقطات الطوفانية والسيول الجارفة للممتلكات والأرواح، يجب التنويه بالجهود التي بذلتها وتبذلها الدولة في بناء السدود الكبرى بالجهة، مع التأكيد على الحاجة إلى تفعيل تعاون واسع لتجهيزها، وخاصة في المناطق الجبلية، بمنظومة متكاملة من السدود الصغيرة والتلية وغيرها من المنشآت المائية المختلفة ، من أجل استثمار أمثل لهذه الطاقة المائية، والحيلولة دون تحول هذه النعمة إلى نقمة.
بكلمة، إن لحظات الكوارث تقتضي التحلي بأخلاق التضامن والتآزر والتعاون والتنسيق، لتجاوزها ومحو آثارها، كما تتطلب من ذوي الرأي والخبرة التحلي بالمسؤولية للمساهمة في استشراف المستقبل بروح وطنية وإنسانية قوامها التعاون والتكاثف من أجل لقيام بالواجب لمنع تكرارها، مع التأكيد على رفض وإدانة كل متاجرة سياسوية بمآسي المواطنين تحت مسمى حرية التعبير أو العمل الإعلامي أو تبخيس عمل السلطات المختصة في مواجهة الكوارث أو التشهير الأجوف بالمنتخبين وما شابه من العناوين والمواقف والتصرفات غير المقبولة.
تعليقات
1