إيمان لعوينا باحثة في العلوم السياسية، خبيرة وناشطة في المجتمع المدني
منذ أن اجتاح وباء كوفيد 19 العالم ،وبدأت الدول تطبق الحجر الصحي المنزلي الاجباري حرصا على حصر الاصابات بالوباء ،ولضمان استمرارية الخدمات الأساسية وصيرورة الحياة بالمجالات الحيوية، واعتبارا لما يتيحه العالم الرقمي من فرص للتواصل والاشتغال ، جعلت منصاته اليوم أكثر من ذي قبل واقعية وليست افتراضية، تفي الى حد كبير بما كان يتيحه التواصل المباشر و الملموس للانجاز و ديمومته ،فقد تكسرت تحت طائلة الضرورة روتينيات و تلاشت أنساق معينة للعيش .
فهل يمكن أن يبقى العمل عن بعد والتعلم عن بعد و أداء الخدمات الضرورية عن بعد ،شكلا من أشكال قيادة وتوجيه المجتمع للحد من الهدر الزمني والمادي واللامادي؟ وأن يحافظ هذا النمط الجديد على جودة الحياة الخارجية والداخلية معا؟ الإنسان المعاصر اليوم ،
أصبح مستنزفا طاقيا ونفسيا وعقليا بين أعباء كثيرة حولته إلى كائن يسابق الزمن لكي يحضر فعليا وربما لا يحضر ادراكيا، في كثير من الأماكن ليحقق قليلا من الأهداف، وبما أننا لم نكن نمتلك قبلا ما يكفي من الجرأة لاطلاق العنان لهذا البديل الرقمي ليبلغ مداه، الا أن جاءت هذه الجائحة وفرضته قسرا،
فصار يوما بعد يوم متاحا، اذ انطلقت منصات التعليم عن بعد ،والاجتماعات عن بعد وارتفعت وثيرة خدمات الإدارة الرقمية والمصرفية ، والتكوين والتأطير المجتمعي عن بعد، وصولا الى التبضع واقتناء مستلزمات المعيشية الضرورية عن بعد .ان جودة الحياة التي يقرها الجيل الرابع من حقوق الإنسان، ذات الصلة بالحق في الرفاه و التنمية المستدامة المرتبطة بالبيئة السليمة والمناخ الجيد ،لن تتحقق الا بالحفاظ على كل شروط الصحة الجسدية و النفسية بضمان استمرارية كل خطوط الإنتاج و توفير الخدمات و تنزيل جميع البرامج والاستراتيجيات ، اعتماد على معادلة التواجد وليس الحضور،
وسيصبح ذلك غاية وضرورة ملحة لاسيما أن التصدي لهذا الوباء له تكلفته القوية على اقتصادات كل الدول ، و ستتطلب معالجتها سنوات، ولابد من تدبير بأقصى درجات الحكامة لمواجهة الركود الاقتصادي دونما إلحاق الضرر بالجوانب المتعلقة بالرعاية الاجتماعية أو الاستثمار في التنمية ،
وعليه فإن ضبط نفقات تسييرية( التنقل، التغدية ، الإيواء، الطبع الورقي ..) ومختلف أوجه الانفاق العام على الحضور ستكون ضرورة ملحة وليست ثانوية . فهل فعلا ماكان يعتبر غير ممكن سيصبح كائنا بعد نهاية الجائحة؟
تعليقات
0