استعدادا لما بعد “ربيع كورونا” : تأملات في الحاجة إلى مصالحات وإصلاحات مصيرية ومستعجلة

sijilmassapress-سجلماسةبريس-lhbib-chobani
لينا بريس

بقلم الحبيب الشوباني : رئيس جهة درعة تافيلالت¤.  ▪المقالة الثالثة ▪
بعد بيان وجهة نظرنا في *المصالحات الأربع* التي يحتاجها بلدنا لمواصلة جهود استجماع عناصر القوة والتماسك الوطني لمواجهة تحديات المستقبل، فإن الإصلاحات التي تكتسي طابعا  مصيريا ومستعجلا، تجد مرتكزاتها في *مقولات جديدة،* لفهم وتفسير التغييرات الجذرية التي ستعرفها البنية العلائقية الداخلية للدول والمجتمعات، وكذا لإنتاج أجوبة للمرحلة المقبلة، ستفرض حتما على صناع القرار في كافة مستويات الدولة، مراجعة وإعادة صياغة جميع استراتيجيات إدارة الشأن العام،  وترتيب أولويات السياسات العمومية لتناسب طبيعة التحديات التي أفرزها “ربيع كورونا “. 
المقولات الخمس المؤسسة للمرحلة يمكن إجمالها في ما يلي : ١- *المجتمعات الأكثر عدلا أكثر مناعة لمواجهة صدمات العولمة* :  كشَف “ربيع كورونا” أن المصائب والأزمات المعولمة المقبلة لن تعترف بحدود البنيات الطبقية للمجتمعات وتحصيانتها، ولن تكون الطبقات المتوسطة والضعيفة فقط هي من سيدفع الفاتورة كالمعتاد كلما حلت أزمة عاصفة. إن من خصائص الأزمات الجديدة للعولمة شمول تداعيات وآثار الضرب العنيف والمباغت وبدون تمييز بين الأغنياء والفقراء. معنى ذلك، أنه لن يكون بمقدور أي  طبقة أن تعيش مستقبلا  على وهم امتلاك حماية خاصة ضد تداعيات انتشار الأوبئة أو أزمات اقتصادية أو حروب كونية أو إقليمية مدمرة. وهو ما يُفيد أن المجتمعات الأكثر إشراكا لمواطنيها في إنتاج الثروة، والأكثر عدلا في توزيعها بين مواطنيها، هي التي ستكون الأكثر تماسكا ومناعة لمواجهات صدمات وعنف العولمة.
٢- *الصحة قطاع استراتيجي متصل بالاقتصاد والتقدم المجتمعي .* 
أظهر تفشي الوباء للعالم أجمع أن قطاع الصحة لن يكون بعد “ربيع كورونا” قطاعا طبقيا في خدماته و”اجتماعيا” ( عبئ / غير منتج/مستهلك !! ) في تصنيفه التقليدي. لقد كشف الوباء بالدليل الملموس أن *حياة المواطنين وأمن الوطن وتقدمه وصحة الاقتصاد ، يبدأون جميعهم من اقتصاد الصحة وينتهون عنده .* كما اتضح أن المترفين من ” ذوي تقاليد الاستشفاء بالخارج ” سيعيدون النظر حتما في هذه الممارسات ، وهو تحول إيجابي ومثمر من أجل الاستثمار في مصحات القطاع الخاص. غير أن هذه المصحات  الموجهة للطبقة الميسورة ونخبة المجتمع المُؤَمَّن رغم ضرورتها ونفعها الطبقي، تظل جزرا معزولة وسط سديم مؤسسات الصحة العمومية التي تشكل العماد الرئيسي للقطاع ( استثمارا وتشغيلا)، ولكنها لا تملك مقومات هذا الدور الاستراتيجي في التنمية. لأجل ذلك سنحتاج لمنظور جديد يجعل قطاع الصحة جزءا من حلول التنمية لا عطبا من أعطابها، وحلقة قوية ضمن حلقات الدورة الاقتصادية الإنتاجية  (استثمارا وتشغيلا وجودة للخدمات وبحثا علميا ) من خلال إدماج النهوض بقطاع الصحة في المنظومة المفاهيمية ل “تحسين مناخ الأعمال” و”تحسين الجاذبية الاستثمارية” و”التنافسية السياحية الطبية” و”تطوير البحث العلمي الطبي”…إلخ.   ٣- *الدعم المباشر للأسر الفقيرة استثمار في الأمن القومي.* 
كشف ربيع كرونا أيضا أن الدعم المباشر والمنتظم  الذي تأخر توجيهه للأسر  الفقيرة يجب أن يتم إرساؤه وفق منظور يجعل منه، ليس فقط باعتباره نظاما تكافليا اجتماعيا حديثا وعصريا فعالا، بل استثمارا في التماسك المجتمعي وتعزيزا للأمن القومي ضد الهزات الداخلية. إن من شأن هذا التحول في “إدارة وضع الطبقات الفقيرة” في  الظروف العادية، أن يسهل إدارة أحوال هذه الشرائح الإجتماعية في مناخ الأزمات، ويمنع اندلاع أي براكين اجتماعية نابعة من الطبقات العميقة والمهملة للمجتمع. وهي مناسبة لتقوم الدولة والمجتمع بإعلان الحرب على العديد من الظواهر الاجتماعية التي تسيء لصورة البلد وتؤشر لانعدام التكافل المجتمعي والقضاء عليها قضاء مبرما ( التسول في مختلف الفضاءات العمومية نموذجا )؛ كما أن ضبط معطيات ومؤشرات هذه الطبقة سيكون فرصة لتوجيه جهود الدولة وبرامجها النوعية نحو هذه الكتلة البشرية لتحريرها تدريجيا من الفقر وتحويلها إلى قوة عمل وإنتاج.  
٤ *- البحث العلمي عنوان المرحلة لمعنى الاستقلال والسيادة .* 
كشف ربيع كورونا حدود مفهوم التعاون الدولي وتبادل الاعتماد بين الدول، وظهرت أنانيات مذمومة حتى بين الدول الأوروبية المرتبطة بميثاق اجتماعي وحضاري أوروبي غليظ( ماستريخت )؛  كما حدثت وقائع  تذكر بالقرصنة في الأزمنة الغابرة استهدفت تخويل وجهات شحنات للأدوية والتجهيزات الطبية. وتطورت أسئلة الاكتفاء الذاتي لدى كل الحكومات – مع أزمة تسارع وتيرة إغلاق الدول لحدودها وأجوائها – في كل الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الأسلحة الطبية لمواجهة الفيروس ، بدءا من الكمائم الواقية وصولا إلى التجهيزات الطبية وروائز اختبار الكشف عن الفيروس وغيرها من عتاد المواجهة. أما عن البحث العلمي الموجه لإيجاد اللقاح المضاد للفيروس، فقد انقسم العالم إلى دول تنشط عقول علمائها ومختبرات مؤسساتها لرفع التحدي ، وأخرى تنتظر ما ستجود به عقول ومختبرات هذه الدول..! إن ربيع كورونا يفرض على الجميع جعل بلوغ مجتمع المعرفة هدفا وطنيا ومصيريا من أجل تعبئة الموارد والعقول ووضع السياسات الملائمة والإرادية لتحقيق الاستقلال الذاتي في مجال البحث العلمي والابتكار، في أفق معقول يمكن من القدرة على إنتاج جل الحلول الوطنية بعقول وطنية واعتبار ذلك عنوان المرحلة التاريخية لمفهوم الاستقلال والسيادة.
 ٥- *الثقافة الوطنية ثروة وصمام أمان .* 
كشف ربيع كورونا أيضا أن الثروات الثقافية لدى الشعوب لا تقل قيمة عن ثرواتها المادية وإمكانياتها المالية واللوجيستيكية والتنظيمية لمواجهة الكوارث. ففي الوقت الذي دفع الخوف من كورونا وتداعياته الاقتصادية قطاعا عريضا من المجتمع الأمريكي ( على سبيل المثال ) للإقبال على شراء الأسلحة تحسبا لمواجهات ” حرب وجودية ” بسبب احتمال نقص مواد التموين وغيرها، بادر المجتمع المغربي دولة ومجتمعا لإبداع أنماط جديدة من التضامن والتآزر لحماية الطبقات الفقيرة والهشة اقتصاديا، على قاعدة المصير المشترك والأخوة الوطنية المتجدرة في تربة القيم الدينية والوطنية والإنسانية.إن هذا التمرين يفرض على الدولة والقوى الحية في المجتمع النظر إلى الثقافة الوطنية الأصيلة كثروة وطنية وصمام أمان ، لجعلها في صلب الاهتمام والتثمين وبرامج التنشئة الاجتماعية للأجيال القادمة، ولحمايتها من عوامل التحريف والتجريف، لما في ذلك من مخاطر تفشي مظاهر التفكك المجتمعي وشيوع الأنانيات القاتلة للحس الإنساني التضامني ، بالنظر لقدرة هذا الحس على المساهمة في امتصاص صدمات الشدائد التي تضرب الشعوب.  
 *(المقالة الرابعة والأخيرة : مقترحات عملية وتدابير* *إجرائية في محاور الإصلاح الخمسة).*

تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من لينابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 13:14

شفيق بنكيران:المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة فرصة لتبادل الخبرات والتفكير في حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الترابية.

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 11:57

مغرب الحضارةالجهوية خيار استراتيجي للمملكة لكن لن تكون متقدمة إلا بنخبها…

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 11:40

سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء

الأحد 22 ديسمبر 2024 - 00:20

المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة.. الرسالة الملكية تؤكد الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك لإنجاح التنمية الجهوية (السيد لفتيت)