نورالدين قربال
شكلت هذه المنطقة رهانا استراتيجيا من قبل دول وتجمعات إقليمية، الهدف منها تقديم الدعم الواجب لدولها لأنها أصبحت تشكل مرتعا عالميا لمجموعة من القضايا المحيرة للعالم نحو الإرهاب. ولعبت الجزائر للأسف دورا كبيرا في تأجيج الوضع داخل هذه المنطقة. خاصة عندما أكدت الأمم المتحدة بأن حل قضية الصحراء مرتبط بحل دائم وواقعي وسياسي متوافق عليه من قبل المغرب والجزائر كطرف رئيسي وموريتانيا وجبهة البوليساريو. كما وصف المنتظم الأممي مشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب على الموائد الأممية سنة 2007، بالمشروع الواقعي وذي مصداقية وجدية.
إن منطقة الساحل والصحراء منطقة مركزية، لها امتدادات إقليمية، ودولية، وتعج بأحداث ساخنة، بعدما شكلت تواصلا ثقافيا وحضاريا عبر التاريخ. إنها اليوم بؤرة للصراع، واعتداء على كرامة الإنسان ظلما وعدوانا. منطقة غنية بالموارد لكن أهلها يعيشون فقرا مدقعا، رغم المحاولات المبذولة من أجل الانعتاق، والشروع في الإقلاع.
إنها منطقة للأسف أريد لها أن تعج بالاتجار في المخدرات، والأسلحة والبشر من قبل جماعات متطرفة لها امتدادات إقليمية ودولية. مما تسبب في اضطرابات أمنية. خاصة وأنها معبر لأكثر من 20 في المئة من الناس إلى خارج إفريقيا. منطقة انتعش فيها الإرهاب، والتطرف والهجرة السرية والتي تتعرض بدورها إلى الاستغلال في أمور لا تشرف الآدمية وحقوق الإنسان. وتروج هذه العمليات غير المشروعة مليارات طائلة. كل هذا يعرقل استمرارية الدولة الديمقراطية المبنية على المؤسسات.
ومما زاد الطين بلة هو أزمة الأمن الغذائي. وهي متعمدة لتنتعش الجماعات الإرهابية في استقطاب مواردها ضحايا لواقع مجهول. ومما سهل هذا حرية التنقل بين البلدان المشكلة لهذه المنطقة. وفي هذا الإطار يمكن استحضار ما تقوم به المجموعة 15 في غرب إفريقيا من حضور تنموي متميز، وتوحيد جوازات السفر، وتسهيلات على المستوى الجمركي، وتوحيد العملة، وجناح عسكري موحد، رغم الإكراهات والتحديات.
وكون الدول الجزائرية عرفت ردحا من الزمن جماعات متطرفة والتي عمرت طويلا وخلقت للدولة قلائل، نهجت منهجا متمردا على القيم الإنسانية التي تفرضها علاقات الجوار، بتصدير فكر هذه التيارات إلى ربوع المنطقة، حتى يظل لها دور في التدخل، ومحاصرة المغرب. وإتاحة الفرصة للبوليساريو من أجل الانتعاش داخل هذا الواقع الموبوء. وقد لعبت الفوضى الناتجة عن مخلفات ما اصطلح عليه بالربيع الديمقراطي، في تكريس هذه الوضعية المزرية بالمنطقة. ومازالت للأسف تعاني من شظاياه منطقة شمال إفريقيا خاصة في ليبيا. وقد ساهم المغرب في اتفاق الصخيرات الموقع من الأطراف المتصارعة. الذي أصبح متداولا دوليا كمرجعية للحل التوافقي، لكن للأسف وبتحايل جزائري هناك محاولات للسطو على اتفاق الصخيرات، وترك ليبيا لا قدر الله في مأزق دائم. لكن رغم كل هذا فالمغرب ماض في القيام بدوره انطلاقا من المشروعية الدولية والمواثيق الإقليمية التي تجمعه مع الدول الشقيقة.
وبناء على هذه المؤامرات، عرفت منطقة الساحل والصحراء، مشاكل متعددة خاصة بالنسبة للدول الأكثر تضررا نحو تشاد ومالي والنيجر وبوركينافاصو، خاصة على مستوى: عدم القدرة على المواجهة، وغياب التمويل الملائم، والهشاشة الاجتماعية، وانتشار حرب العصابات. ومن تم تحتاج المنطقة إلى المقاربة الشمولية بما فيها الجانب التنموي، وتنسيق الجهود، والاعتماد على استراتيجيات ذاتية بدل التركيز دوما على المقاربات الخارجية التي هي بدورها تخضع لتشكيلات وتلوينات متعددة.
فالدور الجزائري براغماتي نفعي، والمؤشر أنها لم تتدخل أبدا عسكريا من أجل الحماية ، وهناك تنافس خفي موريتاني سينيغالي للتدخل، ومن تم فالتدخل المغربي مرغوب فيه نظرا لتجاربه الناجعة وتضامنه مع كل الدول الصديقة.
إن الذين يستهدفون هذه المنطقة بالشغب والاضطراب لم يتوقفوا حتى في زمن وباء كورونا، من خلال تحويل تهريب الأموال. وإحداث القلائل السياسية وللإشارة فإن المتدخلين كثر في المنطقة: الاتحاد الأوربي، البنك الدولي، بنك التنمية الإفريقية،برنامج التنمية للأمم المتحدة. ودول الخليج واللائحة تطول.
ورغم محاولة الجزائر من إبعاد المغرب عن المنطقة، فإن المغرب نهج مقاربة شمولية توازي بين الأمن والتنمية، خاصة وأن المغرب هو المستثمر الأول في غرب إفريقيا وشمال إفريقيا وهو الثاني إفريقيا. وقد انخرط المغرب انخراطا قويا بعد الربيع الديمقراطي، خاصة على مستويات برز فيها المغرب وحقق نتائج مهمة في هذا الباب. خاصة وأن المغرب يعمل في إطار الأمن والاستقرار. وتحقيق التنمية.
ومن أجل تحرير هذه المنطقة من المآسي المذكورة رغم الاجتهادات المبذولة من قبل الدول المشكلة لهذه المنطقة. طرح المغرب مقاربة شمولية. تتجلى فيما يلي: التعاون والتنمية المستدامة، وتوطيد السلم والأمن والاستقرار، وتعزيز الحوار السياسي، ومكافحة الجريمة، ومراعاة الخصوصية الجغرافية والمناخية، والأمن الجماعي، واستغلال الثروات والإمكانات الانمائية . إذن المنطقة في حاجة إلى التكامل على مستوى الاستفادة من الموارد. والاندماج الاقليمي، والقاري. كما دعا المغرب مجموعة دول الساحل والصحراء من خلال رسالة وجهت لمؤتمرها الاستثنائي يوم 13 أبريل 1919 بنجامينا في رسالة سامية لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، تدعو بالإضافة إلى ما سبقإلى إعادة هيكلة الأمانة العامة التنفيذية، وإرساء مختلف الهياكل المؤسساتية نحو المجلس الدائم للسلم والأمن. والمجلس الدائم المكلف بالتنمية المستدامة، وإعداد استراتيجية للتنمية البشرية، وبرامج إدماج الشباب، واستراتيجية مكافحة الإرهاب والتطرف ، والتكامل مع الاتحاد الإفريقي، واحترام سيادة الدول، والوحدة الترابية، والحوار والوساطة، خاصة وأن المغرب له باع طويل في تعزيز الأمن، وتجديد الشأن الديني، ومحاربة الهشاشة والفقر. كانت هذه خريطة الطريق الرسمية للتخفيف من آلام المنطقة في إطار تعاون جنوب -جنوب ورابح- رابح، وتفويت الفرص على من يريد السباحة في الماء العكر. والمؤشر على هذا التعاون هو إطلاق مسلسل تنفيذ أجرأة منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية في قمة الاتحاد الإفريقي في النيجير يوم 7 يوليوز 2019.
تعليقات
0