من الشائع انتشار ثقافة النقد والتعارض والمحاججة والتي غالبا ما تصبح ملاججة بحكم العقم الذي يعتريها وذلك بتشبث كل طرف بقبيلته وبنيه والزاوية التي تأويه ، وتعم بذلك المقاربة الحدية التي تفرض في كل صراع (فكري أساسا) الطرف الخاسر والرابح، الاسود والابيض في عالم لا يؤمن سكانه بالمنطقة الرمادية ولابامكانية التقبل والتعايش والتفهم .
والاعلام (الرسمي خصوصا) يمثل المثال الواضح والفاضح لمثل هكذا مقاربات ،لانه لا ينطلق أساسا من كون البشر مقسمون الى مستويات مختلفة من : الذكاء , الفاعلية و المتطلبات ، استنادا إلى منحنى “ݣاوس” الذي يحدد سويات البشر ، فالعاديون يمثلون 68،24٪ وقليلو الذكاء 13،94٪ وذوي الاحتياجات الخاصة وهم هنا نوعان : معاتيه 2،5٪ وعباقرة 2،5٪ وسوبر عباقرة 0،3 الى 0،8٪ وهي تقريبات من مجموع ما يقارب 85٪ .
الرغبة في الخوض احيانا في هذه الارقام المزعجة ليس فقط لتدعيم الحجة بل لتوضيح فكرة أن الاعلام يروم أساسا مخاطبة جميع المستويات وبذلك تكون مسؤوليته: الارضاء والتعبئة ورفع المستويات والاذواق وصقل المواهب ، لكن الواقع يبين انه يقتصر على ادوار محدودة وبالتالي يغيب مكونات واقليات من الضرورة بمكان الالتفات إليها لاكتمال المساحة البشرية الوطنية ، وفي هذا الاقصاء استبعاد لنخب تقترب من اللا انتماء ويعدو البون شاسعا بينها وبين النظم و السلطات والدولة واحيانا الاوطان كذلك .
الغريب أن أصحاب الحل والربط يصدرون تصورات اصبحت رائجة لتبرير ذلك باعتبار هذه النخب لا تعرف تفاصيل الواقع، كثيرة الانتقاد والنقد دون بدائل ، متناسين انها اعذار اقبح من الزلات ، فالغارق في التفاصيل والواقع يحتاج نقط استشراف ممن يراقبون من اعلى ، فمساحة رؤيتهم اكبر وبالتالي فقراءتهم اكثر حكامة وتبصر ، ودور هذا لا يلغيه اخر حسب النظرية الوظيفية ، اما النقد فمن العجب استنكار أليات التفكيك على العقل الناقد ، اما البدائل فلا يمكن مسائلة من لم يعطى الفرص ولم يتم تمكينه لتحقيقها . لذلك تستمر الاتهامات بالتنظير وهو المهمة الاساس لكل مفكر والتلويح بعقد النقص يمنة ويسرة ( السقف العالي والطموح الجامح) ليبقوا دائما
“غرباء كصالح في ثمود”
وتستمر آلة الاستبعاد المريح لدى البعض لتبرز نخب جديدة تتسلق القمم غير انها لاتعدو أن تكون متوسطة الذكاء تعتمد الاستفزاز والخضوع لما يطلب منها وتعتمد قواعد الإزاحة الطبيعية للنخب الحقيقية خشية انكشاف مستوياتها الحقيقية ، لكن من الواجب الاتفاق على أن النخب “الحقيقية” فعلا متعبة لكن استبعادها متعب اكثر فاكثر ، فهي تصبح “نقاقة” وساخطة اكثر وبتفسير علماء النفس فمثل هكذا سلوك هو وسيلة دفاعية عن ذات مستباحة ، لا تستشار وتغيب عن كل تشكيل جماعي او مؤسساتي .
لذلك فمن مسؤولية الدولة على اعلامها تغطية الطيف الكامل من مواطنيها المنسيين أقلية واكثرية ومن الواجب إجزاء نخبها عن كل عمل فكري فهو مجهود يحتاج أجرة (فصاحبه بحث وإجتهد وبذل وهو ادمي يحتاج مايحتاجه غيره للعيش والبقاء ) وغير ذلك يأتي بتفضل صاحبه لا رغما عنه وذلك تطوعا بحضور عقل الوفرة ولاشيء غير ذلك . وتراجع حضور السوية التي تخاطبها النخب وغياب لغتها يفقد باقي فئات الشعب فرصة الارتقاء والتفكير في ماهو غير مفكر به وما احوجنا الى ذلك في هذه الايام الحرجة ( التفكير خارج الصندوق) ، غير ان هذه العودة يجب ان تكون غير متسولة للنخب الى الاعلام وكما قال ابن عربي ” المكان الذي لا تتبوأ به مكانتك لا يعول عليه
تعليقات
0