ذة ايمان لعوينا باحثة في العلوم السياسية، خبيرة وناشطة بالمجتمع المدني من المغرب
أظهرت أزمة كوفيد 19 المستجد أهمية البحث العلمي في مجابهة الأزمات والتحديات التي تعصف بالأمم في عصر الثورة الصناعية الرابعة المرتبطة بالرقمنة و تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات،وفي تعريف دقيق للبحث العلمي فهو مجموع العمليات الدينامكية التي تبنى على نهج العقل في دراسة الظواهر الاجتماعية والإنسانية والطبيعية والاقتصادية….،بقصد حلها والحصول على ايجابات بشأنها ، وتتميز هذه العمليات بكونها منظمة ودقيقة تمكن من اكتساب معارف جديدة ، عبر توظيف ادوات الوصف والشرح والفهم و الاستشراف و التحليل والاستنتاج و التأويل و المقارنة ..
فإلى أي حد استطاعت المرأة المغربية أن تلج بنجاح إلى مجال البحث العلمي المتخصص؟
أظهر التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ” اليونسكو ” حول مكانة المرأة في البحث العلمي تفوق الباحثة المغربية على مستوى المنطقة العربية، حيث تصل نسبة مشاركتها 34% في مجال البحوث والدراسات العلمية مقارنة بالرجلفي حين أن النسبة في فرنسا لم تتجاوز 27% ، وفي ألمانيا 28% ، بينما هي في بريطانيا تناهز 39% وفي ايسلندا 47% وفي ليثوانيا 51 % وتصل إلى حدود 57% في أذربيجان .
وتشكل النساء الباحثات بقطاع البحث العلمي بالمغرب 20% تقريبا من الجسم البحثي، لما يفوق مجموعه6941 باحث وباحثة، يصل عدد النساء بينهم1423 باحثة في مجالات : علوم الحياة والهندسة أولا ثم العلوم الإنسانية ثانيا والعلوم القانونية ثالثا.
هذه الأرقام للأسف لا تعكس واقعا يجب أن تعتبر فيه الجامعات المغربية حاضنات أساسية للبحث العلمي ومساهمة قوية في النهوض بالأوضاع العامة للوطن ،حيث تحتل الجامعات مراكز متأخرة في مختلف التصنيفات الدولية بسبب الأزمة التي يعيشها قطاع البحث العلمي رغم أنه قاطرة للتنمية الشاملة، ولعل هذا التأخر يعزى أساسا للميزانيات المرصودة له من طرف الدولة ، والتي لا تتعدى 0.73% من الناتج الداخلي الخام بينما تصل إلى مابين 2% إلى 3% في دول أخرى.
وهذا ما انعكس على ترتيب المغرب حسب جودة التعليم إذ يحتل المرتبة 104 من ضمن 196 دولة حسب التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس سنة 2017 ، و هو ترتيب متوسط بالتأكيد .
وعموما فإن أهمية البحث العلمي تتجلى فيما ينتج من أفكار وما يطرح من آراء وما يقدم من بيانات ومعلومات تخدم الاستراتيجيات العامة للدولة وتنهض بالمجتمع ،من خلال دراسة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والعلميةالمستجدة ، والتي تساهم في صناعة القرار الراشد وتفعيل اجراءات مدروسة بعناية،مما يؤثرعلى مؤشرات التنمية وعلى حياة الفرد في أي بلد ما وهذا ما يحيلنا على أسئلة جوهرية أخرى
وهي:
إلى أي حد انعكس مستوى البحث العلمي على نجاعة المبادرة العمومية؟ وأين يتجلى تأثيره على انتاج سياسات عمومية راشدة؟
لماذا تعاني مراكز البحث العلمي في الجامعات المغربية من ضعف مسارات الإبداع والابتكار ؟ وهل الإصلاح الجامعي المرتقب يمكن أن يساهم في حل هذا الإشكال؟
في المقابل هناك تنامي مراكز البحث الموزاية فإلى أي مدى أصبحت تساهم بشكل كبير في سد الخصاص البحثي مع غياب الوصاية البريوقراطية؟
لماذا يتم إيلاء أهمية قصوى للبحوث التطبيقية في المغرب و إهمال البحوث في مجال العلوم الإنسانية رغم أهميتها في بناء الإنسان المواطن الواعي والمنخرط في قضايا الوطن الأساسية من منطلق الفعل الجاد والفعال؟
وكيف يمكن استثمار أزمة كرونا فيروس للنهوض بوضعية البحث العلمي وتيسير ولوج النساء إليهلاسيما مايتعلق بالعلوم الاجتماعية والإنسانية والتي تعتبر رافعة لأي وعي مجتمعي بناء ؟
تنعكس عملية التوجيه التربوي على مسارات التعلم ببلادنا، نظرا لارتباطه بسوق الشغلمما يجعل الشعب العلمية تحضى بأولوية الاهتمام عند المتعلمين وأولياء الأمورعن الشعب الأدبية، و هي التي توجه الطلاب إلى دراسة تعلي من قيمة العلوم التطبيقة والبحثة الخاصة بكليات الاستقطاب المحدود، و تبقى العلوم الإنسانية والقانونية الطريق الثالث لولوج كليات الاستقطاب المفتوح، لمن لم يجد له مكانا لا في المدارس العليا أو معاهد التكوين المهني.
وهذ المنحى ينعكس سلبا على انتاج النخب الفكرية التي ترتقي بالبحث العلمي انطلاقا من تحليل الظواهر الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والسياسية ،وهي بلا شك تعتبر رافعة لكل مجتمع يسعى للوصول إلى تنمية شاملة.
ومع كل الدعمات التي تعرفها الجامعة المغربية سواء على مستوى الموارد المالية والبشرية المرصودة للنهوض بوضعية البحث العلمي، تبقى الحصيلة جد محدودة، مما جعل الواقع يفرز معطى جديدا ،ألا وهو المراكز الموازية ذات الصفة المدنية ،والتي أصبحت حاضنة للنخب الفكرية تمارس من خلالها أدوار الاستشارة والمرافقة العمومية، وتقوم بإنجاز دراسات عبر شراكات متعددة الأطراف .
ولعل تناميها في الآونة الأخيرة ولوج العنصر النسوي إليها جعل بعض تقارير المؤسسات الدولية تبوئ الباحثة المغربية مكانة مقتدرة مقارنة بمثيلاتها على صعيد دول المنطقة .
من المحتمل أن أزمة كرونا فيروس سوف تعيد الأمور إلى مساراتها الصحيحة، لاسيما مع اقتراب موعد الاصلاح الجامعي الجديد ،وأيضا الدخول القسري والسريع لمجال الرقمنة الذي سيكون له عميق الأثر على الاقلاع الاقتصادي والاجتماعي الجديد ، لاسيما أن السيادة الوطنية اليوم في زمن كورونا ترتبط بالاعتماد على الذات في تحقيق الأمن الصحي و الغدائي والطاقي والمائي والصناعي والمالي ،ومفتاح ذلك يكمن في البحث العلمي والتعليم الجيد وهو انخراط طوعي للمغرب في أجندة أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030 ،فهل عجلت الجائحة ببلوغها ؟
تعليقات
0