إيمان لعوينا
لقد عرف المجتمع المغربي تطورا كبيرا في جميع مناحي الحياة العامة، وشهد تحولات قيمية واجتماعية واقتصادية وحقوقية هامة ،بيد أن هذه التحولات لم يصاحبها بانتظام تطور المرتكزات التربوية ، والحمائية التي هي بمثابة ضمانات للعيش المشترك المنسجم والذي يساهم في الارتقاء بجودة الحياة لجميع المواطنات والمواطنين على حد السواء .
ومع تنامي بعض الظواهر المقلقة اجتماعيا، كظاهرة العنف ضد النساء والفتيات داخل الفضاء العام ،يمكن لنا أن نطرح أسئلة وجيهة نسائل فيها ذاتنا الجماعية قبل أي شيء، عن الأسباب الجوهرية التي ساهمت في تنامي هذه الظاهرة ؟ ،ثم نبحث عن الحلول الكفيلة بمحاصرتها.
العنف ضد النساء كما هو متعارف عليه عالميا ،هو تلك الانتهاكات ضد إنسانية المرأة وكرامتها على أساس الجنس ،وهو من أكثر أنواع العنف انتشارا واستمرارا رغم الجهود المبذولة من طرف الحكومات والمنظمات الدولية والهيئات الحقوقية للحد منه، بسبب القدرة على الإفلات من العقاب أو الصمت أو الخوف من الفضيحة أو عدم توفر أدلة الاثبات .
بداية كان العنف الأكثر شيوعا بين النساء والفتيات هو الممارس داخل الفضاء الخاص بكل أشكاله الجسدية والنفسية و الاقتصادية .
غير أن خروج المرأة لفضاءات العمل وولوج الفتاة لعالم الدراسة ،ساهم في تنامي نوع آخر من العنف ممارس بالفضاء العام ، كالتحرش ،المضايقات، الملاحقات، الاعتداءات، السرقات، الاغتصاب …
إن المعنى الدلالي للفضاء العام يتجاوز الشارع العام والأماكن المفتوحة إلى الفضاءات المهنية والتطوعية، حيث تؤكد دراسة أجرتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2019 ، شملت عينة من النساء والفتيات بلغ عددهن 12000 امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن ما بين 15 و 74 سنة ،تؤكد أن أزيد من 57 % منهن تعرضن لهذا النوع من العنف لاسيما الفئة العمرية المتراوحة أعمارها ما بين 15 و 24 سنة وهو سن التمدرس ما بين المرحلة الاعدادية والجامعية.
بينما تتعرض الفئة العمرية ما بين 24 سنة فما فوق والتي تشكل الأجيرات منهن21% للعنف النفسي والاقتصادي كالإهانة والاقصاء والتمييز في الأجر.
ومع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتوسع استعمال شبكات التواصل الاجتماعي برزت ظاهرة العنف الالكتروني، حيث تعرضت 5.1 مليون امرأة لمثل هذا النوع من العنف .
ويعزى بعض المتتبعين أسباب العنف بالفضاء العام إلى تنامي ظاهرة الفقر والبطالة وتناول الكحول وتعاطي المخدرات ،غير أن هذه الأسباب ليست هي الدافع الحقيقي وراء الظاهرة بل تكمن الدوافع الأساسية في التحولات القيمية وانسحابية بعض الفاعلين الأساسين من أدوارهم التربوية سواء كانوا أسرا أو مدرسين أو العاملين الاجتماعيين والتربويين.
للأسف هناك ضعف في نسبة التبليغ عن العنف حيث لا تتجاوز نسبة المبلغات عنه من ضمن كل المعنفات 5% ، خوفا من انتقام الجاني، أو الفضيحة وتعقد مساطر التبليغ ،ورغم المجهودات التي تبذلها الجمعيات التي تواكب النساء ضحايا العنف ،أو خلايا التكفل داخل المؤسسات العمومية، فإن المقاربة البعدية ليست هي الحل الناجع ،إنما المقاربة الاستباقية التي تؤسس لفضاء عمومي دامج وآمن ، تتوفر فيه آليات الحماية: الاضاءة ،الانارة الجيدة ، كاميرات المراقبة، دوريات الشرطة ، المواصلات الآمنة، الفضاءات والمساحات الخضراء المحروسة…
وتيسير سهولة التبليغ والتدخل عبر المنصات الرقمية والأرقام الهاتفية لدى الجهات الأمنية .
و التحسيس بأهمية تكريس ثقافة البوح والتبليغ من خلال وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي ، والحرص على إشاعة ثقافة المساواة لاقتسام الفضاء العمومي بين النساء والرجال بتيسير ولوج للخدمة العمومية الشفافة والعادلة .
واعتبار القانون ليس وسيلة للردع فقط ولكنه آلية بيداغوجية للتربية على المساواة ، وعلى تكريس ثقافة حقوق الانسان وأنسنة الفضاء العام.
تعليقات
0