بقلم : عزيز لعويسي
أرقام “الإمبراطورة كورونا” باتت تتناسل كالفطريات في المغرب كغيره من بلدان العالم، و سلوكها اليومي بات أشرس وأقوى مما كنا نتوقع، ويبدو لم تنفع معها وقاية ولا احتراز، ولم تصمد أمامها حالة طوارئ صحية ولا حملات توعوية وتحسيسية، ولا حتى أي لجوء اضطراري لفرض الحجر الصحي، في ظل أرقام صادمة ومؤشرات مقلقة يصعب التحكم فيها، تفيد أن الوضعية الوبائية على وشك الخروج عن السيطرة إن لم تكن خرجت فعلا عن ذلك، وحتى الأرقام الرسمية التي تقدمها وزارة الصحة كل مساء، يبدو أنها لا تعكس الواقع ولا تعبر عن حقيقة الوضعية الوبائية بالمملكة، لاعتبارات كثيرة منها صعوبات الولوج إلى الاختبارات ذات الصلة بالكشف عن الفيروس التاجي، وارتفاع منسوب التراخي وما بات يلاحظ من تطبيع وتعايش فردي وجماعي مع الوباء الكاسح، ومن إقبال تلقائي على البروتوكول العلاجي المتاح للجميع بالصيدليات، بالنسبة للأشخـاص الذين تظهر عليهم أعراض الإمبراطورة المرعبـة …
في سياق المشهد الوبائي العالمي، وفي ظل سيادة حالة اليـأس وانسداد الأفق التي تسود بلدان العالم جراء التفشي الكاسـح للوباء وما يرافق ذلك من خوف وقلق وترقب وارتباك وانتظار، تبقى آمال البشريـة معلقة على اللقاحات المرتقبة في قـادم الأشهر، التي من شأنها التصـدي للعدو المشترك للعالم (كوفيد – 19)، وهي آمال ارتفعت درجة حرارتها، بعد أن أعلنت مؤخرا شركتا “فايزر” الأمريكية و”بيونتيك” الألمانية أن اللقاح ضد “كوفيد-19″، الذي تعملان على تطويره، “فعّال بنسبة 90 في المائة”، وما توصلت إليه العديد من المختبرات العالمية في دول كالصين وروسيا وبريطانيا والسويد وغيرها، من نتائج مشجعة حسب الدراسات السريرية المنجزة أو قيد الانجاز، ستكون وبدون شك وراء لقاحات، ستقوي الأمل العالمي في التصدي للفيروس التاجي الذي أربك العالم بكباره وبسطائه وصغاره.
ويتوقع أن تدخل الدول في سباق محموم سعيا وراء التزود باللقاحات المرتقبـة ضد “كوفيد – 19” لتطعيم مواطنيها، والمغرب، وبفضل المقاربة الاستباقية لجلالة الملك محمد السادس منذ ظهور أول حالة للفيروس التاجي، سيكون في قادم الأسابيـع على موعد مع حملة واسعة النطاق وغير مسبوقة للتلقيح ضد “كوفيد -19”، كوسيلة ملائمة للتحصين ضد الفيروس والتحكم في انتشاره، وهذه العملية المكثفة أعطى الملك توجيهاته من أجل انطلاقها غضون الأسابيع المقبلة، خلال جلسة عمل ترأسها جلالته يوم الاثنين 9 نونبر 2020 بالقصر الملكي بالرباط، خصصت لاستراتيجية التلقيح ضد فيروس كوفيد-19، ومن المنتظر أن تغطي العملية – حسب بلاغ في الموضوع للديوان الملكي – “المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة، حسب جدول لقاحي في حقنتين، وستعطى الأولوية على الخصوص للعاملين في الخطوط الأمامية، وخاصة العاملين في مجال الصحة، والسلطات العمومية، وقوات الأمن والعاملين بقطاع التربية الوطنية، وكذا الأشخاص المسنين والفئات الهشة للفيروس، وذلك قبل توسيع نطاقها على باقي الساكنة”، وقد تأتى للمملكة “احتلال مرتبة متقدمة في التزود باللقاح ضد كوفيد-19، بفضل المبادرة والانخراط الشخصي لصاحب الجلالة اللذان مكنا من المشاركة الناجحة لبلدنا في هذا الإطار، في التجارب السريرية”.
وفي ظل ما يسود من حالة يأس وانسداد أفق، جراء التفشي الكاسح للوباء في الأسابيع الأخيرة، فقد لقيت حملة التلقيح التي أعلن الملك عن انطلاقها غضون الأسابيع المقبلة، إشادة واسعة في مختلف الأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقوت الإحساس الفردي والجماعي بالأمل في التصدي للعدو المشترك (كوفيد-19) الذي قهر العالم، ورفعت من منسوب الثقة في العودة التدريجية للحياة الطبيعية، واستبعدت القلق والتوجس الذي حام بشأن العودة المجددة للحجر الصحي، في لحظة بدأ فيها الاقتصاد الوطني يسترجع جانبا من عافيته، وليس أمامنا من خيار أو بديل، سوى النظر إلى اللقاح المرتقب بعيون مشرقة ومتفائلة، وبقلوب مؤمنة متضرعة إلى الله وعز وجل في أن يشمل برحمته الواسعة كل البشرية وأن يرفع عنا هذا البــلاء من خلال هذا اللقاح ..
والحملة التلقيحية المرتقبة في قادم الأسابيع، تفـرض كما ورد في ذات البلاغ، التعبئة الجماعية على مستوى جميع المصالح والوزارات خاصة العاملين بقطاعات الصحة والإدارة الترابية والأمن وكذا الدعم الضروري للقوات المسلحة الملكية، وفقا للمهام المنوطة بها من طرف صاحب الجلالة القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، في إطار محاربة كوفيد -19، بشكل يضمن الإعداد والسير الجيدين لهذه العملية غير المسبوقة في تاريخ المغرب المعاصر، ســواء على المستوى الصحي أو اللوجيستي أو التقنين، أو على مستوى اللوجيستيك الطبي للنقل والتخزين وإدارة اللقاح على كافة التراب الوطني ووضع نظام ناجع للتسجيل القبلي للمستفيدين، وإذا كانت العملية ككل ستضع الكثير من المصالح والوزارات تحت المحك وفي الواجهة على مستوى الإعداد والتدبير الأمثل والناجع، فإنها ستضـع السلوك الفردي والجماعي تحت المجهر، وفي هذا الصدد، وبقدر ما نتفاءل خيرا باللقاح، بقدر ما نأمل في أن تمر هذه الحملة الوطنية واسعة النطاق في مناخ تسود فيه قيم المواطنة الحقة وما يرتبط بها من مسؤولية وواجب وشفافية ونزاهة وتضحية وتضامن وتعاون ونكــران للذات، بشكل ييسـر الولوجية إلى اللقاح في “إطار اجتماعي وتضامني” تنفيذا للتوجيهات الملكية.
نختم بالقول، إذا كان المطلب الوطني والدولي هو “التلقيح” الذي من شأنه تخليص البشرية من كابـوس الوباء المرعب، فيمكن أن نترقب رحيلا وشيكا لهذه الجائحة الكاسحة التي قهرت العالم إذا ما هزمت سلطة اللقاح سلطة “الإمبراطورة كورونا” العنيدة، لكن يبقى التساؤل: ماذا استفاد العالم من هذه الجائحة العالمية التي لم تترك دولة إلا واجتاحتها ولا حكومة إلا وأربكتها ولا مجتمعا إلا وأدخلته في حالة من الشك والخوف والتوجس والترقب والانتظار؟ أية دروس وأية عبر قدمتها “الإمبراطورة كورونا” للإنسانية؟ إلى أي حد وإلى أي مدى حركت فينا الجائحة ما نتقاسم كبشر من قيم إنسانية وأخلاقيـة؟ إلى أي مستوى سوف تعيد “الإمبراطورة” تشكيل أفكارنا وخططنا وتوجهاتنا وأولوياتنا وأنماط عيشنا ؟ ونحن كمغاربة، لايمكن إنكار أن “الإمبراطورة” كشفت عن سوءتنا في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وفضحتنا أمام بعضنا البعض على مستوى السلوكات والتصرفات والممارسات، لكن ماذا تعلمنا كدولة وحكومة؟ ماذا تغير فينا كأفراد وجماعات ؟ أية دروس تلقيناها في ظل جائحة عالمية لا أحد في العالم كان يتوقعها ؟ في زمن ما بعد رحيل “الإمبراطورة كورونا”، غير مقبول أن نعيد إلى نفــس الخطايا والزلات والحماقات .. من الصعب أن نعيد إنتاج واقع العبث والتهور والفساد والريع وانعدام المسؤولية وغياب المحاسبة وانتهاك القانون والإفــلات من العقاب .. من الغباء ألا نتغير في زمن “ما بعد كوروني” لا يقبل بالكسالى والتافهين والعابثين والمترددين والمتهوريـن .. من السذاجة أن نستمر في التطبيع مع ممارسات السخافة والتفاهة والترويج لها في عالم باتت فيه القـوة تقــاس بمستويات “المنظومات الطبية المتقدمة” و”البحث العلمي الفعال” و”التعليم الناجع” “و”الحماية الاجتماعية الجيدة” “والاقتصاد التنافسي”… اللقاح يا سادة على الأبواب، و”الإمبراطورة كورونا” راحلة لا ريب، فماذا أنتم فاعلـون وصانعــون …
Laaouisssiaziz1@gmail.com
تعليقات
0