رضا الريساوي باحت في القانون العام
في معرض رصدنا لبعض تمظهرات لغة الإدارة في المجتمع المغربي، نجد مجموعة من السلوكيات التي تدفع للتساؤل عن الأسباب والإشكالات المترتبة عنها، فإذا ما وقفنا بباب جل المؤسسات الإدارية بالمغرب لابد من أن نجد أشخاص يؤدون دور الوسيط بين المواطن والإدارة . وذلك بعرض خدماته المتجلية في ملء الاستمارات المعقدة وتدليل لغة الإدارة للحصول على وثيقة ما . فأصبحت هذه الظاهرة عادية و مستساغة لدى المواطن المغربي من جهة، ولدى الإدارة من جهة أخرى. وذلك بكل بساطة لإنه يجهل لغة الإدارة ،أو أن الادارة هي التي تعمد إلى عدم تبسيط وتبيان تلك المسطرة، باستعمال لغة معقدة لايفهمها حتى موظفوها .كما أن تعدد مسميات المؤسسات الإدارية المتشابهة من حيث الاسم ولا من حيث الدور يصعب على المواطن اختيار الجهة المعنية حيث يلزمه أولا تحديد الإدارة المعنية وذلك بعد سؤال مجموعة من الإداريين الذين هم بدورهم في بعض الأحيان يخلطون في الاختصاصات، لنصل في الأخير إلى ضياع المرتفق أو لجوئه إلى أساليب غير شرعية في الحصول على حق كفله له القانون .
وإذا ما أردنا تلخيص هذه التمظهرات في نقاط ، ستطرح لنا مجموعة من الإشكالات :
بعض التمظهرات :
ــ وجود وساطة بين المرتفق والإدارة .
ــ صعوبة قراءة وفهم الوثائق الإدارية .
ــ صعوبة استيعاب الخطاب الإداري .
ــ استعمال مصطلحات إدارية محضة لا يفك رموزها إلا الإداريون .
ــ كثرة مسميات المؤسسات الإدارية مع تشابه الاختصاصات .
ــ عدم توحيد الخطاب في جميع المؤسسات الإدارية .
ــ استعمال لغة غير دستورية (رسمية) في الوثائق الإدارية.
كل هذا يطرح لنا مجموعة من الإشكاليات نوردها في إطار أسئلة :
ــ هل الإدارة وجدت لخدمة المواطن أم لخدمة السلطة أم هما معاً ؟
ــ وهل اللغة تشكل هذا الوجود وهذه السلطة؟
ــ هل الإدارة من خلال اللغة المستعملة والغير واضحة يجعل منها خدمة فئوية أو نخبوية أم قصور المجتمع هو السبب ؟
ــ هل استعمال لغة غير اللغة الرسمية مازال يشكل امتداد لإستعمار ثقافي لغوي قد يهدد بطمس الهوية ؟
ــ أو أن هذه الإدارة من خلال لغتها تحاكي الإدارات الأخرى الناجحة،جاعلة من تعقيد اللغة أساس لضبط المفاهيم من طرف واحد ؟
ــ هل اللغة الإدارية قابلة للطوع والتحرر أم أنها عاجزة عن إنتاج لغة مفهومة للمواطن ؟
ــ هل اللغة الرسمية عاجزة عن ولادة لغة إدارية سلسة تستجيب لحاجيات المواطن ؟
ــ هل يجب على الإدارة أن تنزل بلغتها إلى المواطن أو هو الذي يجب أن يصعد إليها ؟
ــ هل اللغة الإدارية تشكل تحرر أم استلاب بالنسبة للمواطن ؟
كل هده الأسئلة المتفرعة عن إشكالية اللغة الإدارية بالمغرب، سلطة أم تحرر؟ تطرح أرضية للنقاش و التحليل، وإن كان الموضوع يستلزم دراسة أكاديمية علمية مستفيظة، غير أننا في هذا المقال، سنقف فقط على بعض النقط المهمة المطروحة التي تستلزم النقد و المراجعة.
فاللغة باعتبارها أداة تواصلية تفرض على مستعمليها مجموعة من القوانين و المستلزمات يتعين عليهم احترامها و التقيد بها حتى يتحقق هذا التواصل. حيث أنهم ملزمون بترتيب الفونيمات و المونيمات ضمن نسق معين ينتج معنى مفهوم يسهل على المتلقي تحليل نسقه وفهمه. كما تستلزم استعمال قواعد أخرى كضمير المخاطب و الغائب و المذكر و المؤنث إلى غير ذلك من القواعد، الشيء الذي يجعل منها سلطة في بعض المواقع وتحرر في مواقع أخرى. كالإضمار و إخفاء بعض الكلمات و حرية الكلام و التعبير إلى غير ذلك . كل هذا في اللغة بصفة عامة، فما بالك باللغة المتخصصة كلغة الإدارة، التي لها رموز و آليات و نظام خاص بها يصعب التواصل بدونها . فهي بالضرورة تفرض سلطة على المستعمل سواء أكان إداريا أو مواطنا . أو بالأحرى هي لغة السلطة بالدرجة الأولى لان السلطة هي التي وجدتها وهي التي تتقنها ،وستبقى اللغة ميدان السلطة الحقيقي و معركتها الأبدية ، وكذلك وسيلة المقاومة الأولى و مجالها الواسع ، فمن امتلكها امتلك نصف الحقيقة او الحقائق كلها. فكيف تعمل السلطة من خلال هده اللغة ؟
ــ تعمل السلطة من خلال اللغة :
ــ بتوظيف مصطلحات و مسميات غامضة المعنى و التعريف لكن واضحة الانحياز في دلالاتها تبعث على انطباع إيجابي أو سلبي.
ــ بامتلاك المرجعية كمصدر وحيد موثوق للحقائق فلا يمثل الخطاب الصادر عنها بنظر الجمهور شيئا إلا الحقيقة .
ــ بالإلحاح والتكرار و السيطرة على قنوات الانتشار و الترداد، فيفقد اللفظ تاريخه وهويته ومعناه ويصبح علامة آلية.
ــ بادعاء الحقيقة بإضفاء قدسية لغتها . فاستخدام تعبيرات تستدعي خلفية مقدسة للدلالة.
ــ باحتكار اللفظ وامتلاك تفسيره فيصبح استخدامه من حقها وحدها وبشروطها
ــ بدمغ أي خطاب غير صادر عنها أو خارج عن سيطرتها بأوصاف مثل : غير رسمي غير علمي، شعبي ، لتقليل شانه ونزع مصداقيته.
ــ بالتصنيف إلى “نحن” و “هم” فتقدم نفسها كمجال مساوي “الوطن” أو “الدولة” فيكون الانطواء تحتها انتماء وطني .
ــ بتحصين خطابها ضد الخطأ، فدائما تفسير متلقيه هو الخاطئ وتتجاوزه بإنتاج طقم كلام جديد وهكذا في دائرة لا نهائية .
كل هذا يجعل من اللغة الإدارية لغة معقدة لايفمها الكل بل فئة معينة كما تشكل سلطة على المجتمع و إستيلاب و اغتراب ، لإنها تعلو على المواطن من جهة ، كما تشكل امتداد لاستعمار ثقافي فكري من جهة أخرى . يتكرس بشكل يومي في تعاملها بلغة غير اللغة الوطنية الرسمية . مما يعزز هذه السلطة لدى الإدارة و يحدث شرخا واضحا بينها وبين المواطن الذي يحس بالاغتراب والإستيلاب في وطنه غير إن هذا لا يدفعنا إلى القول بان اللغة الإدارية يجب أن تبسط و تدلل إلى أدنى مستوياتها فهده الحالة أيضا غير مرغوب فيها لان الإدارة حينها ستفقد كل سلطتها حتى المتوازنة منها وتنزل إلى مستوى متدني يفقدها الاحترام والتقدير ويرفع عنها صفة الإلزامية وتصبح إدارة متسيبة. بل الأصح و الأجدر أن يكون الخطاب و اللغة الإدارية لغة متوازنة لا من حيث السلطة ولا من حيث الاستيعاب من طرف المواطن ، الذي هو بدوره أيضا يجب أن يرقى في فهمه للخطاب الإداري و التعرف على آليات هده اللغة لتحقيق توازن يضمن تعادل الكفة بين المجتمع و الإدارة من حيث السلطة وتصبح الثقة متبادلة بين المواطن و الإدارة في إطار من الشفافية و الوضوح باستعمال لغة مفهومة من الطرفين سلسة سهلة الاستعمال تضمن الحقوق و الواجبات ، وكل ذلك في إطار منظومة تشاركيةتنموية.
تعليقات
0