نورالدين قربال
يعرف العالم ظاهرة الإرهاب، التي أثرت سلبا على الأمن والاستقرار. مما ولد أزمات اقتصادية واجتماعية وحضارية وإنسانية. والعلة في ذلك أن هناك أجهزة فكرية تعطلت، وأصبحت تفكر فقط في الدمار والخراب، انطلاقا من سادية قاتلة، ومازوشية منهارة. وكلما تطورت آليات الإرهاب، كلما تولدت تحديات جديدة. ومن تم هناك ضرورة ملحة لتجديد ميكانزمات المواجهة، وتنويعها وتقويم ما سبق وابتكار ما سيأتي للتقليص من الظاهرة وفتح آفاق الأمل للعيش المشترك والتعاون على الخير من أجل سعادة الذات والغير.
ويشهد الجميع إقليميا ودوليا، أن المغرب أبلى البلاء الحسن من أجل المساهمة الفعالة في مواجهة الإرهاب الدولي المنظم. انطلاقا من الواجب الإنساني والتعاون الدولي، والتضامن الإقليمي. وفي هذا الإطار نظم المغرب لقاء دوليا بالرباط خلال شهر فبراير 2021 للتداول في تقاسم الخبرات والتعاون من أجل مواجهة الإرهاب بشتى أشكاله وتلويناته. ومن خلال المداخلات القيمة التي عرفها اللقاء، يمكن التأكيد على أن المملكة المغربية تتوفر على استراتيجية واضحة المعالم. وضعت منذ الأحداث المؤلمة التي عرفتها الدار البيضاء في أماكن متعددة. والتي اتخذت بعدا إقليميا ودوليا.
يتجلى هذا في تفكيك مجموعة من الخلايا الإرهابية التي كانت مستعدة للقيام بعمليات خراب ودمار، معززة بدعم لوجستيكي ومالي عالمي. هذه الاستراتيجية تتسم بالشمولية والتنوع في المقاربة انطلاقا من أسس تشريعية محكمة، وتوعية دينية تتسم بالوسطية والاعتدال، والمعالجة السوسيو اقتصادية، والتعاون الدولي مع مراعاة الجانب الحقوقي والإنساني. ويمكن استحضار على المستوى التنموي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي أعلن عن انطلاقها جلالة الملك منذ 2005، والتي أبدعت اجتماعيا وثقافيا ورياضيا وبيئيا وحقوقيا واقتصاديا، كما نستحضر كذلك مشروع الحماية الاجتماعية الذي تم الإعلان عنه في المجلس الوزاري لفبراير 2021 الذي ترأسه جلالة الملك.
إضافة إلى ما ذكر هناك مقاربة جنائية عادلة مصحوبة بالعفو إذا تهيأت الظروف لذلك، وبناء على سياسة جنائية متطورة. وللإشارة فهناك أكثر من ستمئة ضحية إرهاب شملها العفو منذ 2005.ونستحضر برنامج مصالحة الذي أعطى ثماره ونتمنى أن يستمرهذا الاختيار لأن الفعل الجرمي وليد فكر منحرف وهذه جدلية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. أما على المستوى الدولي فيمكن تسجيل أكثر من ثمانين اتفاقية ثنائية في هذا المجال. بناء على رؤية تشريعية موحدة للأمن الدولي والتعاون في هذا المضمار.
إن المغرب مقتنع جدا بأن المقاربة الأمنية لوحدها غير كافية رغم أهميتها في المعادلة، وبالتالي يسعى دائما إلى الربط بينها وبين السياسات العمومية ذات البعد الفكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني. كل هذا من أجل بلورة برامج عمل كل يدلي بدلوه في مواجهة الظاهرة وبالتالي يحصل التكامل بين كل الأطراف. وهذه رؤية ملكية واضحة في جميع خطاباته السامية منذ أحداث الدارالبيضاء. لذلك أصبح المغرب قبلة للمرشدات والمرشدين بإفريقيا من أجل التكوين والتأهيل على جميع المستويات من أجل المساهمة الجماعية في مواجهة الإرهاب والتطرف. وقذ بذل مجهود كبير على المستوى الفكري.
لقد تم اختيار جلالة الملك رائدا في إفريقيا للمقاربة التي أعلنها جلالته منذ 2013 والمتعلقة بالمهاجرين والجميل في هذه المقاربة الملكية أن الهجرة آلية للتنوع والغنى، ومن تم لابد من استيعابها. لذلك منذ ذلك الحين تمت تسوية الوضعية القانونية لأكثر من خمسين ألف مهاجر، ويوجد حوالي 15 ألف طالب إفريقي بالمغرب ، منهم ما يقارب 7 آلاف يتوفرون على المنحة.
نستنبط من هذه المقاربة الشمولية والتي أعطت للمغرب وجها مشرقا عالميا الخلاصات التالية:
-استحضار منظومة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا أثناء القيام بتفكيك ومتابعة المتورطين في العمليات الإرهابية.
-المراجعة التشريعية الدائمة لمسايرة التحديات الإرهابية المطروحة.
-محاربة الإرهاب رهان سياسي كبير يجب أن نستحضره أثناء وضع الاستراتيجيات والسياسات العمومية على جميع المستويات لأنه لا تقدم ولا تنمية بدون أمن واستقرار.
-مواجهة الإرهاب مرتبط ابتداء بالتوعية الشاملة للوقاية من السقوط في هذا المستنقع انطلاقا من مقاربة دينية تعتمد الوسطية والاعتدال، وتحرر الخطاب من العنف اللفظي إلى التسامح الديني والعيش المشترك، وحسن تدبير الاختلاف والحوار الحضاري، وإعطاء الأولوية للبعد الأمني والقضائي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقوية دولة الحق والقانون، والتربية على المواطنة حيث التلازم بين الحق والواجب، والتربية والتكوين، والتنسيق مع البرامج الاجتماعية النوعية، وتنويع العرض الثقافي، والتعاون الدولي.
-الإرهاب لا شكل له ولا لون، لذلك أكد جلالة الملك في خطاباته على أن المغرب يرفض التطرف الديني وغير الديني، والعلة في ذلك أن المغرب بلد السلم والتعايش. لذلك لا بد من رفع الوعي الجمعي، وأن تلعب الهيئات السياسية والمدنية دورها في هذا المضمار.
-المغرب نموذج واقعي لمواجهة الإرهاب، وشريك استراتيجي للاتحادات الإقليمية والدولية، وعن طريقه تم إحباط مجموعة من العمليات في العالم.
-المغرب فاعل في التعاون مع دول الساحل الصحراء من أجل مواجهة الظواهر الإرهابية، لأن هذه المنطقة رهان أمني كبير. ومن تم انخرط المغرب انطلاقا من التعاون جنوب جنوب كما رسم لذلك جلالة الملك. حيث تعرف هذه المناطق المتاجرة في المخدرات والبشر، والسلاح غير المشروع، وبالتالي فالمغرب له بعد استراتيجي في المنطقة انطلاقا من أبعاد جيو استراتيجية عميقة.
إذن مزيدا من التوفيق والله نسأل أن يحفظ بلدنا من كل مكروه. آمين يارب العالمين.
تعليقات
0