متابعة: إبراهيم بلوح /سجلماسةبريس
تضم هذه الورقة خلاصة مداخلات وتوصيات ورشة التفكير المنعقدة خلال اليوم الأول من فعاليات ربيع العلوم الاجتماعية في نسخته الأولى يوم 10 أبريل 2021 بمركز التكوينات بجامعة الأخوين بإفران والمعنونة ب ” العلوم الاجتماعية والهجرة”. وتضم مداخلات كل من الدكتور بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، الدكتور أحمد شراك، أستاذ باحث، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، الدكتور جمال فزة، أستاذ باحث، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، الدكتور مولاي أحمد البوكيلي، أستاذ باحث، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط.
تقديم
تروم هذه الورقة، تناول موضوع الهجرة من خلال محاولة لفت الانتباه إلى الأهمية التي باتت تشغلها ضمن مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، سيما وأن الهجرة قد شهدت تحولات جوهرية تؤثر بشكل فعلي في أشكال وجود وعيش الأفراد والجماعات، الأمر الذي يلح في ضرورة انخراط العلوم الاجتماعية في دراسة تحولاتها ومدى تأثير هذه الأخيرة في واقع الدول. وذلك لتقديم حلول وبدائل للسياسات العمومية السابقة في مجال الهجرة سواء في الدول المستقبلة أو دول الأصل. وليس من المبالغة في شيء إذا ما اعتبرنا أن مستقبل العالم ستكتبه الهجرة بكل تحولاتها وتأثيراتها وتداعياتها على العلاقات الدولية وعلى العيش المشترك المأمول. وقد تضمنت هذه الورقة عتبتين أساسيتين. تذهب العتبة الأولى إلى عرض بعض تحولات الهجرة المغربية، بينما تنصرف الثانية للتأكيد على الحاجة الملحة لانخراط العلوم الاجتماعية في دراسة الهجرة بوصفها باتت محلالا لفهم وحل مشكلات مغاربة العالم.
العتبة الأولى: تحولات الهجرة وسؤال الحاجة إلى العلوم الاجتماعية
لعل أبرز ما يميز الهجرة المغربية كونها هجرة معولمة؛ إذ أن مغاربة العالم اليوم، حسبما أكد على ذلك الدكتور عبد الله بوصوف، يتواجدون في أزيد من 80 بلد حول العالم، على خلاف بعض الهجرات التي يتركز أصحابها في بلد أو اثنان. هذه العولمة تفرض علينا اهتماما كبيرا لمعرفة احتياجات هذه الجالية المغربية كقضية الهوية، الدين، الاندماج.. وغيرها، باعتبار هذه القضايا تختلف من بلد إلى آخر، الأمر الذي ينتج عنه اختلاف تلك الحاجيات داخل تلك الدول المستقبلة.
ومن ضمن التحولات التي شهدتها الهجرة أيضا هو أن الجالية المغربية أصبحت مؤنثة، ذلك أن النساء يشكلن أزيد من 50 بالمائة منها. فالمرأة المغربية اليوم تسافر وتهاجر لوحدها في إطار العمل أو الدراسة. ولعل أحد المؤشرات التي تدلل على هذا الحضور النسائي المطرد هو أن المغربيات اليوم يحتلن مراكز عليا بالمناصب الأوروبية سواء في حقل السياسة أو الاقتصاد أو الفن أو الأدب، وهو ما يحيل على تطور حقيقي، وبذلك فالعلوم الاجتماعية مدعوة بشكل ملح، في اعتقاد الدكتور عبد الله بوصوف، للانخراط في محاولة فهم سيرورة هذا التطور، إذ لا يمكن أن نسن سياسات عمومية فعالة إن لم نسهم في فهم هذا التطور الذي يحصل داخل الهجرة المغربية. ومن السمات البارزة أيضا لهذا التطور هو أن الهجرة المغربية اليوم صارت شابة، وبالتالي كيف يمكن مرافقة هذا الجيل إن لم نفهم احتياجاته وانتظاراته، مشيرا إلى أن معدل الاندماج تجاوز 80 بالمائة أي أننا وصلنا لنقطة اللاعودة. الأمر الذي يضعنا أمام تحدي واحد هو مواجهة كل هذه التحولات عبر ما تتيحه العلوم الاجتماعية من أدوات وتقنيات للبحث والدراسة.
وقد نتج عن هذا الحضور المتميز والفاعل لمغاربة العالم إفراز الجاليات المغربية لكفاءات عالية منتشرة في العالم. فنية، علمية، أدبية ورياضية… وفي هذا السياق أشار الدكتور بوصوف إلى المجهودات التي يقوم بها المجلس كتنظيمه لمعرض الكتاب على سبيل التمثيل لا الحصر. وقد تميز حديث السيد بوصوف عن الهجرة دون عقدة التفوق أي حضور متكافئ بين الدول المستقبلة ودول الأصل معربا أن القارة الأوروبية تستفيد اليوم من الكفاءات المهاجرة. فالهجرة إذن مسألة إيجابية بوصفها ناقلة للثقافة والحضارة وللمهارات وبوصفها أيضا فرصة وليست أزمة للتثاقف وتبادل القيم والأفكار، وهي بذلك تتجاوز البعد الاجتماعي لتحيل على بعد ثقافي وحضاري من شأنه إغناء التراث الإنساني بوصفه يعكس تلك الوحدة داخل التعدد. ولذلك فإن مفهوم الهجرة يحتاج إلى إعادة النظر عبر تطوير مقاربات جديدة لا تجعل الهجرة مسألة اجتماعية فحسب بل حضارية أيضا.
وفي سياق الحديث عن تحولات الهجرة لابد من استحضار الفئات الهشة داخل هذه التحولات، وعلى رأس هذه الفئة القاصرين بأوروبا، فعلى الرغم من كونهم يعيشون على تراب هذه البلدان التي تؤمن بحقوق الطفل، إلا أن التعامل الفعلي واليومي مع هذه الفئة يكشف عن مدى التهميش الذي تعاني منه هذه الشريحة المجتمعية من لدن دول الاستقبال. تنضاف إلى هذه الفئة النساء المغربيات المهاجرات في حقول الفراولة بإسبانيا ومدى حاجتنا إلى العلوم الاجتماعية لمقاربة وضع هؤلاء النساء هناك فضلا عن أوضاع عوائلهم بالمغرب خصوصا اللواتي تركن أطفالا أو شيوخا كانوا تحت رعايتهن. كما تشكل شريحة المتقاعدين أيضا فئة جد هشة سيما مع تلك السياسات التي تسنها بعض الدول الأوروبية وتفرض خضوع هذه الفئة لها حتى يتسنى لها الاستفادة من المعاش، والتي لا تراعي في كثير من الأحيان أعمار هذه الفئة المتقدمة جدا.
وإذن فكل قضايا وإشكالات الهجرة تفرض انخراط العلوم الاجتماعية في فهم وتفسير هذه القضايا لتقديم حلول وبدائل للسياسات العمومية السابقة في مجال الهجرة سواء في بلدان الأصل أو البلدان المستقبلة.
العتبة الثانية: الهجرة وواقع البحث في العلوم الاجتماعية
في علاقة الهجرة بالعلوم الاجتماعية، وارتباطا بإشكالية البحث العلمي في الجامعة المغربية وخاصة التوجه البحثي والأكاديمي في موضوع الهجرة، كشف الأستاذ أحمد الشراك في مداخلته بناء على دراسة أنجزها برفقة الأستاذ عبد الفتاح الزين أن سوسيولوجيا الهجرة في المغرب وإلى حدود سنة 1987 كانت غزيرة تصل إلى السوسيولوجيا القروية والتنمية والحضرية والنوع في كثافتها. كما برزت أسماء سوسيولوجية مغربية في هذا الموضوع ومن أبرزهم محمد بودودو الذي أشرف على بحوث ودراسات مهمة في موضوع الهجرة، وأنتج باحثين وأكاديميين يمثلون العمود الفقري للجامعة المغربية اليوم.
وأضاف الباحث أحمد الشراك أيضا أن ما اقتصرت عليه سوسيولوجيا الهجرة قبل 1987، هو هجرة الجالية العاملة في أوروبا، والتي تطورت في ما بعد إلى هجرة عاملة مؤسساتية وتجارية، فضلا عن الهجرة السريعة والتي تعرف اليوم في شمال المغرب مع معبري سبتة ومليلية، ناهيك عن الهجرة السياسية وهجرة المقاولة والهجرة العالمة وغيرها. مضيفا أن هناك إنتاجات بحثية مهمة في هذا الصدد، ظلت حبيسة الرفوف في الجامعات دون نشرها للعموم، ومعتبرا بأن مختبرات الدكتوراه تتحمل أيضا مسؤولية تشجيع الطلبة لإجراء بحوث حول مواضيع الهجرة واستثمارها من أجل فهم وتفسير حركية موضوع الهجرة.
كما اعتبر الشراك، أن دراسة ظاهرة الهجرة، تفرض اليوم مناهج جديدة، سواء على مستوى لغة التحاور أو بناء الاستمارات والبحوث الميدانية، وأيضا الإبداع في الشرط المنهجي، مقترحا في نفس الوقت، أن يتم إنشاء خلية مؤسساتية يمكنها وضع خارطة طريق للبحث في مجال الهجرة، ونقله من البحث الذاتي الفردي إلى البحث المؤسساتي العلمي، معربا أنه حان الأوان لندرس الآخر عوض أن نستمر في أن نكون موضوعا له. وبالتالي فالتفاعل مع قضايا الهجرة يجب أن يكون بسرعة وبفاعلية لأنها ديناميتها تتميز بهذه الصفة أي صفة السرعة.
وفي نفس السياق قدم الأستاذ جمال فزة من خلال مداخلته تعقيبات حول الاشتغال العلمي والبحثي على موضوع الهجرة، مظهرا وجوب النظر إلى الهجرة كظاهرة إيجابية، خاصة وأنها اقترنت في تمثلاتنا بظواهر سلبية كـ”الحريك”وغيرها، والهجرة في عصر العولمة هي ناقلة للثقافة والحضارة. مضيفا أن عقدة تفوق الغرب بدأت في الأفول عند الحديث عن الهجرة.
وأضاف الأستاذ فزة أيضا، أن الهجرة كانت دائما ما تدرس داخل الحاجات الاجتماعية في حين كان ينظر للمسألة الثقافية كمكمل، في حين اليوم أصبحت الثقافة براديغم جديد، ففي أوروبا هناك مواقف قوية في ما يمكن تسميته بـ “عودة الله”، وينظر لذلك من خلال المسلمين/ الإسلام باعتباره مهددا للحضارة والثقافة الأوروبية ومهددا لتماسك المجتمع. لذلك النقاش اليوم يطرح أيضا لنموذج الإسلام الذي نقدمه داخل البراديغم الثقافي ولا يمكن تغافل هذا العنصر عند دراستنا لموضوع الهجرة. كما طرح فزة أيضا أن الهجرة ليست إرباكا للتماسك الاجتماعي، ولكنها تعطينا فرصة لدراسة التماسك داخل التعدد، وهو ما يعطي قوة للتماسك أكثر من الوحدة، وهو ما يشكل موضوعا للسوسيولوجيا من خلال مدخل الرابط الاجتماعي.
وفي ذات المنحى الذي يسائل واقع البحث في العلوم الاجتماعية في علاقته بالهجرة وقضاياها وإشكالاتها يتساءل الدكتور أحمد البوكيلي في ما إذا تمكنا اليوم في جامعاتنا من أن نبلور عملية تمتلك من الشرعية العلمية والمعرفية والعملية لحل إشكالات مغاربة العالم، وكيف يعقل أننا نعيش زمن العولمة وليس بمقدورنا امتلاك تصور للمواطنة العالمية، مضيفا ما إذا تمكنا اليوم من بناء ثقافة التعايش من موقف الشعور بأننا لا يمكن أن نبني مواطنا عالميا من غير الانتصار إلى ثقافة التعايش.
تعليقات
0