بقلم سليمان الصوصي العلوي
يطل علينا، بعد كل حدث، أشخاص يقدمون أنفسهم كوطنيين يحمون ويصونون الوطن. ولا شك أن البلد يحتاج فعلا إلى وطنيين يجنبونه كل خطر أو تهديد، خارجي أو داخلي قد يمسه. وبما أن الجميع يعتبرون أنفسهم الأجدر والأصلح لهذه المهمة، فإن الأمر قد اختلط علينا، فلم نعد نعلم من يحمي الوطن ومن يهدده، أي من هم الوطنيون الحقيقيون، ومن هم أولائك الذين يزيفون الحقيقة، ويعلنون، بهتانا، وطنيتهم؟
الداعي إلى الخوض في هذا الموضوع، ليس سحب صفة الوطنية من أحد أو تتويج أحد آخر بها، وإنما محاولة إبداء رأي بسيط فيما نشهده اليوم من تدافع في التعبير عن حب الوطن، وخدمة الوطن، والتضحية من أجل الوطن، وتقديم مصلحة الوطن على مصلحة الذات وغيرها من الشعارات البراقة التي يتفوه بها الكثيرون دون حرج أو تكلف، حتى أننا لم نعد نعلم من يخدم الوطن فعلا ، و من يسيء له ويعيق بناءه، أو هكذا أريد للمشهد أن يكون .فقد لاحظنا أن “الوطنية” سلاح يستعمل، أحيانا، لإدانة شخص أو جهة ما، أو قد يوظف لحجب الهفوات والإخفاقات التي قد تطبع تدبير وممارسات البعض في مواقع المسؤولية، حيث نعلم جميعا قدر الإساءة التي طالت هذا البلد جراء فشل الكثيرين في تقديم ما يتوجب أن يقدموه تبعا لأدوارهم ومواقعهم، لاسيما عندما يكون المعنيون في مناصب مسؤولية في قطاعات هامة، كان يمكن من خلالها أن يتجسد فعل المسؤولية والوطنية فيهم، غير أن ذلك لا يحدث للأسف إلا مع بعضهم، ومع ذلك فهم يحسبون أنفسهم الأنسب لحمل شعار الوطنية، فيتسابقون في كل مناسبة للخروج إلينا بشعارات ومواقف تصدح بحبهم للوطن واستعدادهم لخوض كل المعارك من أجله، لكننا لا نرى من ذلك شيء، وقد أتيحت لهم كل الفرص ليتبثوا أحقيتهم بما يدعون، وهم يشغلون مواقع ومناصب تحتاج إلى قدر هام من حس الوطنية للدفع قدما بمجالات، ينعكس العمل الجاد والوطني فيها، على الوطن والمواطنين. والحال أن بلدنا يشتكي، منذ زمن، ولازال، من تداعيات التقصير الواضح في أداء مهام وزارية وقطاعية… وهي المهام التي ينبغي أن تكون رهانات ومعارك حقيقية لكل أولائك الذين نحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيتهم التي نتمنى أن تتمظر في إرادتهم وفعلهم السياسي والمهني، وفي إزدهار وتطور القطاعات التي يشرفون عليها. فلا يخفى على أحد حجم الإخفاقات التي يشهدها أكثر من قطاع ( التعليم، الصحة، الشغل…)، وهي في حاجة ملحة إلى وطنيين حقيقيين يغَلِّبون حسهم الوطني على أي شيء آخر. وبالتالي فخدمة الوطن من خلال موقع كل مواطن/ مسؤول هي الشرط الحاسم ” لصفة الوطنية”، وهي الصفة الثقيلة والمشرفة التي توجت بها أسماء وشخصيات مغريبة مناضلة وخالدة، قدمت ما تستطيع من أجل هذا البلد، فحق لهم أن يتغنى الجميع بهم وبوطنيتهم. أما اليوم، فيبدو أننا أمام وطنيين جدد. جدد بشعاراتهم ومعايير “الوطنية” التي أوجدوها، وخرجوا إلينا بها معلنين ومتوجين أنفسهم وطنيين أكثر من غيرهم، لمجرد أنهم تحدثوا، مثلما يمكن أن يفعل الجميع، عن قضية من قضايا البلد، أو التقطوا صورا بأعلام ورموز البلد أو حطوا الرحال عبر الطائرة في حدود البلد، ليشدوا أيادي بعضهم البعض، ويلتقطوا صورا لنصر لم يحققوه، وكأننا أمام قلب مدبر لمعاني الوطنية، وهم الذين خدلونا في معارك التنمية والديمقراطية. وبذلك، فإنه يتوجب أن تحمل “الوطنية” معانيعا الحقيقية، وهي أن الفرد أو الجهة لا تحمل هاته الصفة إلا إذا أخلصت إلى الوطن من خلال ما تقدمه من موقع مسؤوليتها وتواجدها، أي أن “الوطنية” ينبغي أن تحمل معاني أعمق، بحيث تصبح ملازمة للفعل والمسؤولية لا شعارات تزيف جهات ما حقيقتها بها، أو تشهرها لتأليب الرأي العام ضد شخص أو جهة ما. وأنه لا ينبغي أن تقترن كذلك بما يمكن أن يدغدغ عواطف الأفراد، بل يفترض أن ترتبط بإنجازات فعلية.
وتبعا لذلك، فإن الوطنيون الذين نحن في حاجة عاجلة لهم هم الذين يجسدون وطنيتهم فيما يحققونه من نجاحات تنعكس على البلد والمواطنين.
ولاشك أن الأيام القليلة المقبلة ستعرف خروجا مهيبا ومكثفا لهذه الفئات مع إقتراب موعد الإنتخابات التي سيوخوضها المرشحون تحت لواء ” كوكتيل حزبي” يعكس في شكله ومضمونه ما تحدثنا عنه، إذ باخفاق هذه الاطارات في نيل شهادة الثقة و الاعتراف من المواطنين تكون قد فقدت ماهيتها المتمثلة في امتداد مشروعها على مستوى القواعد الشعبية، والتي تنالها بما يقدمه ممثلوها من منجزات وخدمات للبلد. وبما أن الأحزاب لا تختار، في الغالب، من يكون أهلا لتحمل مسؤولية “الوطنية الفعلية”، بل تعرض عنهم بتزكية مرشحين” أعيان” بوسعهم التوغل والتأثير في اختيارات جمهور المصوتين، فإننا نسقط، بشكل حتمي، في تجارب شبه مستنسخة لأشخاص يحتلون موقع المسؤولية، أي الموقع الذي يحتاج إلى أوفر قدر من الوطنية، دون أن تكون لهم الكفاءة أو القدرة، حتى لا نقول شيء آخر، على تحقيق منجزات للوطن والمواطنين.
تعليقات
0