بقلم سليمان العلوي
تحظى الانتخابات بأهمية كبيرة في كل المجتمعات و التنظيمات السياسية، لكونها تعبير عن إرادة الشعوب من جهة، ولأنها فرصة لتحديد واختيار الأجهزة التي تسهر على تحقيق ذلك من جهة ثانية. لذلك فهي لبنة أساسية في قوام الدول، ولعلها الوسيلة الأبرز التي ابتكرها الإنسان لتنظيم وجوده الإجتماعي وتجاوز حالات الفوضى والتهديد الدائم الذي كان يؤرقه قبل وجود الدولة، وهي كذلك وسيلة لتداول ودمقرطة السلطة في الدولة. لذلك فهي محطة هامة لإرساء دور مؤسسات وأجهزة الدولة ووضعها في المسار الذي تريده لها الإرادة العامة، وبها كذلك يستشعر الفرد/المواطن أهمية وجوده واختياراته في التنظيم الذي ينتمي إليه، فعندما يمنح المواطن/المصوت صوته لمرشح ما، فهو لا يقدمه لشخصه فقط، أو هكذا يفترض أن يكون، بل لمرجعية أديولوجية وخيارات سياسية ومشاريع اقتصادية وتنموية وتنظيمية،أي أن المواطن المدني ينتظر أن تحقق له الجهة التي يضع فيها ثقته تطلعاته وانتظاراته. يضاف إلى ذلك أنه يرغب في أن تتجسد القيم و المبادئ التي يؤمن بها على أرض الواقع من خلال تدبير و إشراف الجهة/الحزب الذي يقاسمه خياراته وقناعاته. من تم يمكن القول أن الانتخابات ليست استحقاقا لاختيار شخص لمنصب معين فقط، بل هي تتجاوز في مضمونها وغاياتها ذلك. فهل تحمل الانتخابات المغربية هذا المعنى ؟
عرف المغرب عبر تاريخه محطات انتخابية متوالية، خلفت تشكيلات حكومية متباينة الأداء أحيانا، أو نسخ متكررة في الغالب من الأحيان. وبما أننا على مقربة من استحقاق انتخابي في شتنبر المقبل، فإن أسئلة أهمية ونجاعة وقيمة هذه المحطة تفرض نفسها.
يتراءى للبعض أن المشهد السياسي العام والتوجهات التي تشرط الكيانات الحزبية والقوى السياسية ستحدد، أو أنها حددتها، النتيجة التي ستفرزها المحطة الانتخابية، لا أقصد المقاعد والمراتب التي ستنالها الأحزاب، وإنما التوجه والرؤية والمسار والوضع الذي سيكون عنوانا للمرحلة القادمة. وربما يكون ذلك هو التمثل العام الذي يحمله المغاربة حول مخرجات هذا الاجراء الدستوري، وهو ما يفسر، في تقديري، الفتور الذي تبديه الكتلة الناخبة في محطات كهذه، وكأنهم يعتبرون أنفسهم أدوات لتأثيث المشهد لا لرسم معالمه.
وإذا كانت شريحة واسعة من المغاربة لا تؤمن بقدرة الانتخابات على إحداث التغيير المنتظر، فإن هناك شريحة أخرى تحاول أن تتلمس بصيص أمل من خلال محاولة تفعيل أدوارها، غير أن الذي يمكن أن يقوض إرادتها، في الواقع السياسي اليوم، إن كانت بدءا مواقفها واعية، هو أن التشكيلات الحزبية يصعب تصنيفها وموقعتها، وإن كانت تصنف نفسها بتسمياتها. فمعلوم أن لكل حزب مبادئه وتوجهاته التي تبعا لها يقترح توجها/نموذجا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا للبلد. فلأحزاب اليمين مثلا مبادئها وخياراتها التي تنبغي أن يعلمها الجميع، والتي بدورها يلزمها أن تحرص على تجسيدها والترافع من أجلها إنسجاما مع موقعها وخلفيتها. والحال نفسه يصدق على أحزاب اليسار التي يفترض أن تمارس أدوارها السياسية والنضالية وفقا لمبادئها المعلومة، وبالتالي فمواقفها من القضايا الاجتماعية والسياسية الوطنية والدولية يتوجب أن تكون مؤطرة و ” محروسة ” بخلفيتها الايديولوجية والسياسية وإلا أصبحنا أمام أحزاب بقبعات تحمل تسميات ومواقع معينة دون أن يكون شكل وحجم ما توضع حوله مناسبا لها، فيترتب عن ذلك مشاهد سياسية مشوهة. وكأننا أمام أشجار تم تعديل صبغياتها الوراثية فأتمرت تمارا غير التي تتمر في عادتها وطبيعتها، وللتدليل على هذا القول يكفي أن نعود إلى مواقف حزب/ أحزاب إسلامية من مشاريع وقرارات، كانت تصدح بأعلى صوتها رافضة لها لأنها لا تتماشى، على حد قولهم، مع الهوية الإسلامية للبلد. فكانت تلك الأحزاب ستكون صادقة وثابتة لو تشبثت بما تقول أنه مرتكز وركن وجودها. والمنطق نفسه نجده عند بعض أحزاب اليسار التي أخلفت العهد مع خلفيتها السياسية الأيديولوجية بانخراطها ومشاركتها بالايجاب في قرارات وسياسات بعيدة كل البعد عن مبادئ و مرتكزات ” اليسار “، كقبول المس بعمومية و مجانية بعض القطاعات والخدمات، وكذا الاستكانة لموقف الحكومة/السلطة من بعض القضايا الداخلية و الخارجية، والتي تتعارض في جوهرها و مضمونها مع جذور اليسار وتاريخه. كل ذلك خلق مشهدا غير مرتب، أو أنه مرتب بمنطق مقلوب قلبا يناسب بنية/جهة ما. أما الشريحة الثالثة، وهي المصوتة في الغالب، فلا تجد عندها هذا القدر من الإرتباك الذي تقع فيه الفئات الأخرى، لأنها تكن الولاء للحزب أو الشخص دون أن تتعب نفسها بكل هذه التساؤلات، وذلك لا يمس مشروعية اختياراتهم بما أن الانتخابات في أصلها تعبير عن ممارسة ديموقراطية، إن كان مضمونها و مخرجاتها كذلك طبعا.
ننتهي إلى القول إذن أن الانتخابات وسيلة لإحقاق الديموقراطية في البلدان، بيد أنه لا يمكن اختزالها فيها، بل هي مركزة في جوهر الممارسة السياسية وفي عمل أجهزتها، وكذا في الأرضية والتوجه الذي يحكم ممارسة الفعل السياسي في كل بلد، وخارج هذا السياق قد تصبح الانتخابات وسيلة لتبرير توجهات وممارسات لاديموقراطية.
تعليقات
0