-بقلم:عزيز لعويسي
الحملة الانتخابية التي انطلق قطارها يوم الخميس 26 غشت 2021، هي فرصة بالنسبة للأحزاب السياسية ومرشحيها، للدخول في امتحان ليس بالهين لاستمالة الناخبين بكل السبل المقبولــة وغيـر المقبولـة أحيانا، سعيا وراء حصاد انتخابي في مستوى التطلعات والانتظارات في محطة ثامن شتنبر، في نـزال انتخابي قد تتعدد رموزه وأطرافه ووعوده، لكن توحده برامــج انتخابية تكاد تكون نسخا طبق الأصل، مع هوامش اختلافات ضيقة، يصعب رصدها بالعين المجــردة، وحتى إذا ما افترضنا إمكانيـة وجـود تفاوتات واختلافات بين البرامج المطروحة، فأهميتهـا تبقى محـدودة، في واقع سياسي واجتماعي وثقافي، لازالت تسيطر عليه عقلية الشيخ والمريــد، أو منطق القبيلة، حيث الولاءات للأشخـاص، دون اعتبار لانتمائهم السياسي ولا لماضيهم الانتخابي، ولا لكفاءتهم واستقامتهم وقدرتهم على صناعة القرار، في ظل التهميش غير المبرر لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بدليل أن الوجوه ذاتها تتكرر بنسب مرتفعة، في كل موسم انتخابي، لأن معظم الأحزاب السياسية تزكي وتدفــع بمن يحصد الأصوات دون أية اعتبارات أخــرى، بدرجات ومستويات مختلفة بالطبع، مما يضيـق من فرص الدفع بالوجوه الجديدة التي تقوي الإحسـاس بالتغييـر، وهذا واقع سياسي وانتخابي، لا يمكن إنكاره أو تجاهله.
لكن، إذا ما تركنا الحملة الانتخابية، وما سيرافقها من لغط وجدل وهستيريا ومنافسة شرسة أحيانا، ومن إقبال على التجمعات والمهرجانات الخطابية والولائم أو “الزرود” وأشياء أخـرى، فهذه الحملة الانتخابية بالنسبة لبعض الفئات الاجتماعية، هي فرصة لتحريك الناعـورة لمدة أسبوعين تقريبا، بالانضمام إلى حملات المرشحين مقابل أجر يومي يتراوح بين 100 و200 درهما، وهو مبلغ ليس بالهين، بالنسبة لمن يعيش على وقع الفقر والعطالة، وأحيانا نجد أسرا بأكملها تشتغل في الانتخابات، سعيا وراء مدخول مالي، يرفع من جرعات السعادة لأيـام معدودات، ويعطي الإحساس العابر بالقيمة الغائبة، وفي ذات الآن، تتم تلبيـة البطون، بما يجود به المرشحون من “سندويتشات” و “ولائـم” تخاطب البطون بود وجود وسخاء، في انتظـار الإطاحة بالعقول في يوم النــزال الكبير.
وهذه الفئات الاجتماعية التي تتحرك ناعورتها في مواسم الانتخابات، نجد فيها الشباب العاطل، والنساء المعوزات والأرامل وبعض التلاميذ والطلبة، وبعض الوصوليين والانتهازيين وقناصي الفرص والباحثين عن الوعود المعسولة، وهــؤلاء لا تربطهم بالسياسة والانتخابات إلا الخير والإحسـان، شغلهم الشاغل، الاستفادة مما يجـود عليهم موسم الانتخابات من مردود مالي وولائـم تنحني أمامها البطـون الجائعـة، هؤلاء “برغماتيـون”، يشتغلـون مع مـن يعطي ويمـد يـده بسخـاء، ويميلـون إلى من يتملك القـدرة على تحريك العواطف وزحزحة المشاعر وتقديم الكلام المعسول والوعود الكاذبة، يجـولون الشوارع والأحيـاء والزقاقات، يـوزعون أوراق انتخابيـة لـم يطلعـوا حتى على ما كتب عليهـا من وعـود أقرب إلى العسـل، يصرخون .. يرددون .. يرقصـون .. يهللون .. يطبلـون ، دفاعـا عن أحـزاب سياسية، لا يعرفون فيهـا إلا الرمـوز، وعن مرشحين شغلهم الشاغل ، الفـوز في انتخابات تعبـد طرق الارتقـاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن أجل كسب هذا الرهان العسير، يتحولـون بقدرة قادر، إلى “ولاد الشعب”، حاملين شعـار الحفـاوة والسخاوة، في مناسبة، تكـاد تختفي فيهـا قيـم ومبـادئ المسؤوليـة والالتــزام، لتحضـر محلهـا ومكانها، قيـم المصلحة وما يـدور في فلكها من وصوليـة وانتهـازيـة ومساومـة ونفــاق وكذب وأنانيـة مفرطـة، إلا من رحــم ربـي.
المعركة إذن هي “معركتان” .. معركة الأحزاب السياسية بمرشحيها، والتي تتطلع إلى حصاد انتخابي وفيـر، يتيـح التموقـع الآمن والمطمئن في خريطة ما بعد نزال ثامن شتنبـر، ومعركة بعـض المواطنين الذيـن لاحــــول لهم ولا قوة، يلخصون الحملة الانتخابية والانتخابات برمتها، في تحريـك الناعـورة المعطلة، وبعــض هـؤلاء، يتجاوزون حدود الاشتغال في حملة انتخابية معينة مقابل أجـر يومي، ليلعبوا دور استمالة الناخبين من الأقـارب والجيران والأصدقـاء والمعارف، ودفعهم إلى التصويت على مرشـح دون آخر، ونضيف إليهم سماسـرة يجرون خلفهـم تجارب في السمرة الانتخابيـة، يضطلعـون بـأدوار التأثيـر والتجييـش والاستقطاب بكل الطرق المتاحة وغير المتاحة، من أجل ترجيـح كفـة حزب على آخـر أو مرشـح دون غيـره.
هكذا إذن، تبـدو المشاهد وتتجلى الانطباعات، بخصـوص حملة انتخابية سترحل بعد أسبوعين، ويرحل معها الجود والسخاء وتتوقـف معها الناعــورة إلى أجل غير مسمى، في انتظار حملة انتخابية جديدة بعد خمس سنـوات، تدور معها الناعــورة دورة ثانيـة، لذلك، فالمنافـع والمكاسب الفوريـة بالنسبة لكل هــؤلاء، تكــون هي السمة المشتركة، فالأحزاب أو غالبيتها على الأقل، تدفـع بالمرشـح القادر على حصـد الأصوات في نـزال انتخابي شـرش، دون أية اعتبـارات أخرى، والمرشحـون، هاجسهم المشتــرك، الفــوز ولا شـيء غيـره، باستعمال كل الوسائـل الممكنة وغير الممكنة أحيانا، والمواطنون مستويات ودرجات، بعضهـم يستغــل الحملة الانتخابيـة من أجل تحقيــق مكاسب آنيـة وفوريـة، والبعــض الثاني يسلك مسلك التملـق والتــودد والنفـاق، جريـا وراء سـراب الوعــود المعسولــة، والبعــض الثالث تتحكم في اختيـاراته محـددات الـولاء والإخـلاص إما لأشخاص بذاتهم أو لأحزاب بعينها، والبعـض الرابـع ، يخـتـار من تتوفــر فيهم شروط الكفـاءة والنزاهـة والاستقامة ونكـران الذات والمواطنة الحقــة، والبعــض الخامـس متـردد، والبعض السـادس يائــس وعـازف، والبعـض السـابـع خارج التغطية السياسية بالمطلـق.
وهذا المشهد المتعـدد الأقطاب، يضعنا أمـام واقــع سياسي وانتخابي يكـاد يكون بدون هويــة، في ظل تعدد الألوان والرمـوز وتضارب المصالح، وتنامـي موجـات الرفض واليـأس وفقـدان الثقـة، وعـدم حضور إرادة حقيقيـة في “ربط المسؤولية بالمحاسبة” وتفعيل آليات “عـدم الإفــلات من العقـاب”، وهـذا ما يجعل الأحزاب السياسية والانتخابات، مـلاذا آمنـا للعابثين والفاسديـن والوصولييـن والانتهازييـن، وهذه الرؤيـة، لايمكن أن تحجب عنا، شرائـح واسعة من المواطنين الذين جعلوا من الممـارسة الحزبية والانتخابيـة، مدخـلا لخدمة الوطـن والدفـاع عن قضايا ه، بنزاهـة واستقامـة وتضحيـة وإخـلاص ومسؤوليــة ونكـران للذات، وهــؤلاء يستحقـون التقديــر كما يستحقون أن يحضـوا بثقـة الناخبيـن في محطة ثامـن شتنبــر، لأن مغرب اليـوم، في حاجة ماسة إلى الشرفـاء والنزهـاء الذين يكونـون للوطن حصنا حصينا، ولا مكـان فيه للعابثيـن والفاسدين والمنحطيـن .
تعليقات
0