بقلم : سليمان العلوي
يثار في شأن تعيين الحكومة الجديدة الكثير من النقاش، فنجد من يتفاءل بأعضائها، ومن يعلن تشاؤمه منها. فئة تنوه بمكونات التشكيلة الحكومية، وفئة ترى أنها تفتقد إلى الكفاءات المطلوبة، وفئة ثالثة، مزعجة بتساؤلاتها وقراءاتها، تذهب أبعد من ذلك، فتناقش الموضوع من زوايا مختلفة ومتوارية أحيانا، فتتساءل مثلا عن فاعلية الحكومة في ظل منطق وشكل السلطة، وطرق تداولها بالمغرب، فيكون سؤالها على النحو التالي: هل بوسع الحكومة أن ترسم واقع البلاد وتحدد مستقبله بسياساتها وخياراتها، أم أنها جهاز تنفيذي يفتقر إلى الصلاحيات والأدوات التي تؤهله لقيادة البلاد وتدبير شؤونه؟ ثم هل تدار الانتخابات بالطريقة التي يمكن أن تفرز نخبة سياسية للتدبير؟ أي هل نحن أمام ممارسة فعلية للديمقراطية، أم در للرماد في الأعين فقط ؟
تساؤلات مزعجة حقا. ففي الوقت الذي يناقش فيه أغلبية المتفاعلين جدارة الأشخاص وأحقيتهم بالمناصب الوزارية-الحكومية، تجرنا هذه الأسئلة إلى جدوى وفاعلية الجهاز نفسه، حيث أنه إن كان الجهاز عاطلا، أو معطلا، فلن يفلح الربان في قيادته نحو وجهته مهما كان بارعا. لكن، بما أن الحكومة الجديدة هي الجهاز الموكول إليه اليوم تدبير الشأن العام، فإنه يلزمنا تتبع الإشارات التي تصدر عن تركيبتها و دلالات بنيتها وتخصصاتها والمجالات التي تعنى بها هياكلها. لنسجل بذلك، من بين ما يمكن تسجيله، أنه اعتمدت نسبيا مقاربة النوع بتعيين نساء على رأس سبع وزارات، تجسيدا لمنطلق المساواة المنتظرة، والتي يمكن أن تكون مساواة خادعة إن هي ارتبطت فقط بمنح مناصب المسؤولية للنساء، إذ المساواة الفعلية أبعد وأوسع في مضونها وحقيقتها من ذلك. ثم يسجل كذلك التراجع عن تسمية الوزارات ذات التوجهات الحقوقية والمدنية (حقوق الإنسان، المجتمع المدني، الحريات…). الأمر الذي يضعنا أمام قراءتين ممكنتين، وربما متضمنتين، الأولى: أن السلطة، من خلال حكومتها، تهدف إلى تركيز جهودها في المجالات الاقتصادية والادارية، وربما الأمنية، أو ما تصفه بالخيارات الاستراتيجية ( إصلاح الادارة، المقاولة، الطاقة…)، و الثانية: أنها تراجعت فعلا عن قضايا حقوق الإنسان والحريات لصالح منطق الهيمنة والتحكم، وإذا كان الأمر كذلك، فإنها انتكاسة حقيقية، إذ لا تقدم ولا ازدهار للدول و الشعوب في غياب إرادة حقيقية لإصلاح المنظومة الحقوقية والمدنية، مثل هذه المقاربات تضعنا أمام نماذج دول، قد تكون مؤشرات اقتصاداتها ومشاريعها جيدة من الناحية التقنية-المادية، لكنها ضعيفة ومتهاوية في كل ما يرتبط بالرفاه الحقيقي للأفراد المتمثل في الحقوق والحريات، أي في إنسانية الإنسان، إذ لا شأن ولا مقام لدولة أوضاع مواطنيها متردية.
وإذا عدنا إلى من نصبوا في مناصب المسؤولية، فإن أسئلتنا المشروعة، تتوجه إلى كفاءتهم وخبراتهم المهنية أولا، ثم إلى تملكهم لروح وفلسفة القطاعات والمجالات التي يشرفون عليها، إذ يلزم وزير التربية والتعليم مثلا أن يكون حاملا لرؤية تربوية وبيداغوجية مناسبة، وإلا نحى بقطاعه منحا لا يتصل بماهية التربية والتعليم. وإذا لم يكن هذا التوجه حاضرا في معايير اختيار الشخص المناسب للمنصب المناسب، فإن التوجه الذي يعتمد، كما جرت العادة، هو البعد الإداري في التدبير، وهو معيار لا يكفي لتوجيه بوصلة مجالات وقطاعات تتصل بتفاصيل الحياة اليومية للمواطنين.
و لايجاد خيط رابط وناظم لكل الاعتبارات التي يمكن التفكير فيها أثناء تقييم مرحلة تشكيل الحكومة، أو إبداء ملاحظات حولها، يحضر المدخل السياسي، باعتباره الخلفية الأساسية التي يحتكم إليها في تحديد طبيعة و أدوار التشكيلة الحكومية، أي أنه قبل التفكير في قيمة وأهمية التركيبة التي تكون الحكومة، فإنه ينبغي العودة إلى الواقع والمشروع السياسي الذي يحكم توجهاتها، والذي بواسطته و من أجله وجدت.
تعليقات
0