بقلم سليمان العلوي
التفكير في إصلاح التعليم هو تفكير في إصلاح البلد ككل، لذلك فالمدخل سياسي بالأساس، باعتبار السياسة هي مجال تدبير الشأن العام. وكل تفكير في قضايا التعليم بالمغرب خارج الاعتبارات السياسية هو تفكير مبثور وفج، مادام الساسة لم يرفعوا سطوتهم عليه، إذ بالتعليم تكرس الدولة خياراتها وتوجهاتها؛ فهو وسيلتها لوضع الفرد في القالب الجماعي والاديولوجي الذي تريده.
وبما أنه وسيلة بناء الإنسان وركيزة تشكل وعيه، فإنه القطاع الذي يخشى دائما أن ينفلت مما يراد منه سياسيا، كأن تكون مخرجاته مثلا متعارضة مع النموذج الذي تأمله السلطة-الدولة. لذلك نعتبر أن إصلاح قطاع التعليم يقتضي تناولا واضجا وشجاعا لنقاش سياسي ومجتمعي حول مشروع الدولة السياسي والتربوي، لكي يتسنى لنا أن ندرك بكثير من الوضوح العلاقة القائمة، والغير منقطعة، بين السلطة والمدرسة. وهي علاقة يتوجب إعادة رسم ملامحها ومنطقها، وإلا سنظل نتخبط قي الاشكالات نفسها، وسيكون مآل كل المجالات هو الفشل باعتبار أنها امتداد وانعكاس لها. من أجل ذلك يعتبر الحسم في مسألة الإنسان/المواطن الذي تريده الدولة أمرا أساسيا قبل الخوض في وضع أو تقييم أي مشروع تعليمي.
ونحن نعلم أن التعليم مجال خيوطه متداخلة ومتشابكة، ونجاح هذا المجال يقتضي أن تكون سياسة تدبيره قادرة على جعل تلك الخيوط تعزف اللحن نفسه، وإلا أحدثنا ضجيجا مزعجا لا لحن ولا طرب فيه، وهو الحاصل في حقيقة الأمر، إذ نندد ونشجب ونقرر أن نغير ثم نفشل، وكأنهم يخططون للفشل. وهي سلسلة اعتدنا وضع أحوال تعليمنا فيها دون أن نغير في كنه العملية ما يجب تغييره.
لنقل، إذن، أن المُطّلع والعارف بأحوال تعليمنا يدرك ادراكا تاما أن الاجراءات المتعاقبة التي تقدم عليها الدولة في هذا القطاع لا يمكن أن تقوده إلى مصاف النماذج المتميزة أو أن تنتشله من بؤسه، فظروف وطرق ومضامين وتوجهات الممارسة لم تتغير، أو ربما تغيرت بشكل عكسي، وكأننا نعطي لمريض جرعات دواء لا تناسب داءه أو قد تفاقم علته.
وعملية الإصلاح التي يُصْدح بها دوما ليست عسيرة بالقدر الذي يروج له، وإنما هي متعثرة لأنها لا تستند إلى الإرادة الفعلية ، فقد تنجح مؤسسة صغيرة في تجويد ممارستها التعليمية إن هي اعتمدت الوسائل والرؤى المناسبة لذلك، وفي ذلك أمثلة كثيرة، بينما يفشل قطاع بأجهزته ومؤهلاته وخبراته. وتصنيفات جودة التعليم بالعالم تضعنا دائما خلف دول أحوالها أقل من توجد أمامنا، أي أنهم تجندوا بما فُقِد عندنا، فلا تلامذتنا ولا أساتذتنا عاجزون عن النجاح ولا هم أقل ذكاءا من غيرهم، إنما معضلتهم أنهم وجدوا في وضعيات تقوض سبل النجاح.
وبالتالي فمهمة الإصلاح الفعلي-الصادق يتوجب أن تنطلق من ثلاثة أسئلة أساسية : لماذا نعلم؟ وماذا نعلم؟ وكيف نعلم ؟
والأجوبة التي سنتوصل إليها هي التي ستشكل خريطة القطاع ورهاناته، وإن كنا نعلم أنها أسئلة محسوم في أجوبتها وتدبير قطاع تعليمنا يتناسب اطرادا معها. لكننا نأمل أن يعاد طرحها وأن نضع لها الأجوبة المناسبة التي تضمن لنا الجودة والفاعلية التي تخرجنا مما نحن فيه.
لكل ذلك نقول أن التعليم قطاع وضعه يشبه منطقة جغرافية تقع في بؤرة ارتدادات زلزال. والخيارات والتوجهات السياسية للبلد هي التي يمكن أن تحدث هذه الإرتدادات في هذا القطاع سواءا من حيث الايجاب والسلب .
تعليقات
0