بقلم: عبد اللطيف الوزيري.
نتابع كلنا تقريبا قضية التعليم التي أصبحت محط نقاش عام، إذ شغلت بال الرأي العام والخاص، وربما لم يسبق تاريخيا أن عرف المغرب نقاشا حادا حول التعليم بهذا الحجم والكم كما هو عليه الحال منذ سنة 2016 إلى اليوم. الأمر وما فيه يدعو إلى التفكير، ليس من باب إيجاد الحلول، أو المقترحات، أو كل ما من شأنه أن يدخل في العمل السياسي والنقابي.. لكن التفكير من خلال طرح أسئلة عميقة، وتوسيع دائرة التساؤل حول هذه القضية. ولعل أول سؤال نبدأ به هو: التعليم، قضية من؟ إن قيمة هذا السؤال تتجلى في كونه يحيلنا مباشرة إلى من هم معنيون على الأقل بالمطالبة بإيجاد الحلول، حتى لا نقول الاحتجاج على أو ضد قرار ما..! فأما يكون التعليم قضية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد وحدهم أو قضية الاساتذة كافة هو أمر مشكوك فيه، وأما أن يكون قضية شعب بأكمله، فذلك ما لا ينبغي أن نشك فيه، ليس لشيء إلا لأن ذلك على ما يبدو هو الأقرب للصواب، فقضية التعليم هذه لا يمكن أن تحتكر في يد فئة معينة دون أخرى، أو أن تناضل من أجلها فئة على حساب أخرى، لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير، بحيث يستوجب اتحاد وتضامن وتوحيد كافة الجهود من مختلف الفئات والشرائح الشعبية، فمصير أي مجتمع رهين بتعليمه، ومن ثمة فإن مصير هذا الشعب المكلوم رهين هو الآخر بجودة تعليمه، إذ لم نعد نرى أنه من المنطقي والصواب إطلاق صفة الجودة على هذا القطاع الذي منذ فجر الاستقلال وهو يعرف ما يسمى بالإصلاحات عبر قرارات ومخططات استعجالية ومواثيق ما تلبث أن تستنفد قوتها ولمعانها المزعوم. فتخلفها أخرى وأخرى.. بشكل عشوائي، ما يمكننا معه أن نقول على أن الإصلاحات هي مجرد تخبطات عشوائية..
ينتظر الأساتذة ومعهم الشعب المغربي ما ستأتي به هذه الحكومة الجديدة من جديد لإيقاف هذه العشوائية في ما يسمى بالإصلاحات، فلم يجد الشعب في الحكومة إلا ما يجده الإبن يتيم الأم في زوجة أبيه، وليست كل زوجات الأب سيئات، ولكن نكاد نجزم أن الحكومات عندنا كلها كذلك. وقد زاد الطين بلة استدعاء مؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي من طرف الوزارة المعنية بالقطاع للبث في القضية التي قلنا عنها قضية شعب بأكمله، في الوقت الذي يوجد فيه أكاديميين وباحثين لهم خبرة ودراسات وكتب ومقالات في موضوع التعليم، بل أكثر من هذا وذاك لهم استراتيجيات واضحة للخروج من مأزق الأزمة التي وقع فيها التعليم، أو لنقل أوقعوه فيها… ما يعني بشكل أو بآخر أن الحكومة لا تريد الحوار الجاد الذي بإمكانه أن يفضي إلى حل لمشكلة هذا الملف، وإنما تريد في مقابل ذلك التمويه بحوار مصطنع. ما دام أن الحوار الجاد يقتضي استدعاء إما باحثين مختصين أو ممارسين في الميدان. ويستدعي قبل كل ذلك في الدرجة الأولى حضور التنسيقية المتزعمة للنضال من أجل القضية.
يمكن أن نصف هذه الحالة، ومثلها من الحالات التي حدثت قبلا وما تزال تحدث في عدة قضايا، بنوع من الاستخفاف بالشعب، حتى لا نطلق وصفا أشد قساوة وأشد دقة. غلى سبيل المثال لا الحصر، في زمنية كورونا تستدعي الدولة عبر وسائل الإعلام الرسمية مؤثرين وممثلين..، لتحسيس وتوعية الشعب أو بالأحرى حثه على تلقي اللقاح، في الوقت الذي كان من الممكن استدعاء أطباء ودكاترة ليبينوا الصحيح من الخطأ، أو للقيام بمناظرات كل بحججه ومبرراته لتدعيم موقفه من اللقاح، حتى يقتنع الشعب بأحد أمرين فيأخذ واحد من القررات التي اقتنع بها، لكن، لا ينبغي أن نحلم كثيرا بمثل هكذا أفعال وأحداث. بيد أن استدعاء المؤثرين والممثلين للعب الأدوار الرومانتيكية أو الدرامية لن يزيد الطين إلا بلة، ولن يزيد إلا من شك المواطنين وزيادة عزوفهم عن كل ما يصدر عن الدولة، ونتساءل عن سبب أزمة الثقة بين الشعب والساسة… والأسباب واضحة إلا لمن أراد الإعراض عنها.
احترموا عقول الشعب يحترمكم الشعب، ثم بالعودة إلى قضية التعليم، فلا تخاطبوا الأساتذة لوحدهم او الأطر التربوية كافة لأنهم ليسوا المعنيين وحدهم بالقضية، ولكن الشعب بأكمله له في القضية ما يجعله معنيا بها، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، ومثل هذه التصرفات الأخيرة فإنها تزيد من حدة الاحتقان والسخط الشعبي. وفي سياق أزمة كالتي نعيشها اليوم من ارتفاع الأسعار على كافة الأصعدة وتسقيف مناصب الشغل والتوظيف، وتعطيل الشباب عن العمل..، ثم هذه التصرفات اللامسؤولة، كل ذلك يجعل الحكومة تتلاعب بقنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، ويصعب التحكم فيها وضبطها إن انفجرت.
بقلم عبد اللطيف الوزيري: طالب علم الاجتماع بجامعة القاضي عياض – مراكش.
تعليقات
0