نورالدين قربال
يعرف المغرب بأنه بلد التعاون، والتضامن، لأنه ينطلق من شراكة جنوب-جنوب ورابح-رابح. عالميا وإقليميا، وقد تعزز هذا بعد العودة الميمونة للاتحاد الإفريقي سنة 2017. والخطاب التاريخي لجلالة الملك الذي قال: “لقد اختار المغرب سبيل التضامن والسلم والوحدة، وإننا نؤكد التزامنا من أجل تحقيق التنمية والرخاء للمواطن الإفريقي.”
من خلال هذه التوطئة، يمكن رصد تجليات هذه المسؤولية المشتركة فيما يلي معتمدين على مواقف رسمية وموازية:
-توقيع المغرب أكثر من 100 اتفاقية وشراكة على مستوى السلم والأمن من حيث تبادل المعلومات، وتقاسمها مع منظمات إقليمية ودولية.
-استضافة المغرب تحالفا دوليا ضد داعش باعتباره هما دوليا مشتركا.
-اعتماد المغرب مقاربة شمولية لمواجهة ظاهرة الإرهاب بناء على مراعاة البعد الأمني والتنموي انطلاقا من مبادئ الديمقراطية والحكامة وربط المحاسبة بالمسؤولية، وإبراز جدلية الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في أفق تحقيق التنمية المستدامة.
-الدور الريادي للمغرب في تفعيل منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، في إطار تعزيز الوحدة الإفريقية. وتفعيل السلم التجاري والمنطق الاستثماري. خاصة وأن المغرب يرتب في الرتبة الثانية بإفريقية في مجال الاستثمار. لذلك من الواجب توفر الإرادات الصادقة من أجل إفريقيا باعتبار أن السائد اليوم هو إفريقيا غنية وساكنتها فقيرة. وللإشارة فالمغرب يساهم مع إخوانه الأفارقة في مواجهة الإرهاب العدو الأكبر للتنمية، لأنه لا تنمية بدون أمن وسلم. خاصة وأن المؤتمر الأخير بمراكش ضد داعش كشف عن حقائق صادمة نحو: 27 كيانا إرهابيا بالقارة، و40 في المئة من العمليات الإرهابية تستهدف إفريقيا، وبلغت نسبة ضحايا الإرهاب بنفس القارة 48 في المئة، ناهيك عن النتائج الاقتصادية الوخيمة والتي قدرت حسب نفس المصادر ب 171 مليار دولار أمريكي.
-تقديم المغرب تجارب رائدة أثناء جائحة كورونا، وموضوع الهجرة، والتنمية المستدامة والتغطية الصحية. وتتحدث الإحصاءات على أن المغاربة استهلكوا حوالي 53 مليون حقنة مضادة لفيروس كورونا.
-بروز المغرب بقوة في مجال الهجرة، عنوانها الأكبر هجرة آمنة ومنتظمة ومنظمة، واستحضار البعد الإنساني والتضامني الذي رسم معالمه جلالة الملك الرائد في هذا المجال إفريقيا. هجرة تعتمد مقاربة شمولية أساسها تنموي، لأن السبب الرئيسي في الهجرة له بعدان تنموي وفكري. لذلك اعتبر المنطوق الملكي الهجرة آلية إيجابية، وعامل استراتيجي لإنتاج التنمية والابتكار. ولابد من التعامل مع المهاجرين مباشرة في إطار الديمقراطية التشاركية من أجل مشاركتهم في اقتراح الحلول خدمة للمقاربة الشمولية. وكون الهجرة متعددة الاتجاهات لا بد من توحيد وتنفيذ الشراكة جنوب – جنوب في إطار رابح-رابح.
-لقد قدم المغرب رؤيته وتجاربه في مجال السيادة الفلاحية والتي تؤمن مستقبلا الأمن الغذائي. خاصة بإفريقيا التي تعاني عامة من نقص في التغذية حوالي 300 مليون من الساكنة. لذلك فإفريقيا تستورد تقريبا مليارات الدولارات من أجل تأمين الغذاء بالقارة. ولو استثمرت مؤهلات إفريقيا لكفت الجميع وبقي الفائض. كيف تتوفر إفريقيا على مليار من ساكنتها وأغلب أراضيها غير مستغلة؟ تلك هي المفارقة الصعبة. والمغرب واعي بما هو واقع، لذلك وقع اتفاقيات ثنائية وأخرى متعددة الأطراف تهم الفلاحة والأسمدة وغيرها، المهم أن يستفيد الجميع. وقد ساهمت منظمات عالمية في هذه المشاريع والاجتهاد في تنزيل ما اتفق عليه بالمؤتمرات الإقليمية والدولية.
-الاهتمام الكبير بالجانب الثقافي من قبل المملكة المغربية والذي وصفه جلالة الملك بالرأسمال غير المادي، باعتباره المحور الاستراتيجي للدورات الحضارية. لذلك سينظم المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط العاصمة الثقافية، في شهر يونيو، وسيكون الاحتفاء بالآداب الافريقية. وبهذا الشرف التي تحتفي به مدينة الرباط يتعزز مصطلح «مدينة الأنوار”. خاصة على المستوى الإفريقي والإسلامي. وبذلك سيكون هذا المعرض لبنة تأسيسية لما تتسم به القارة الإفريقية من تعددية إيجابية، خاصة على المستوى الفكري والمعرفي، والإبداع، والمشترك الإنساني، وبذلك سيربط المغرب 2022 ب 2014 حيث تم الاحتفاء بالثقافة الإفريقية. وقد راكم المغرب منذ الدورة الأولى سنة 1987 تجربة رائدة في هذا المجال، وبالتالي أصبح المغرب محط اهتمام من قبل دول العالم لما له من صدى إقليمي ودولي.
وأخيرا وليس آخرا نؤكد -والعالم يحتفل باليوم العالمي لإفريقيا الذي يصادف 25 ماي – بأن المغرب بفضل التوجه المغربي لإفريقيا والذي يقوده جلالة الملك في إطار دبلوماسية الوضوح والطموح، حقق ريادة يقر بها شرفاء القارة نحو: الدفاع عن القضايا الافريقية بالتعاون مع الشرفاء، والعمل على التنمية المستدامة، والإقلاع الاقتصادي، والدفاع عن الوحدة الإفريقية، وشراكات رابح-رابح، ودينامية القطاع الخاص، والشأن الديني بقيادة أمير المومنين، والعمل جميعا على حل مشاكل الهجرة والتطرف والصحة والثقافة وغيرها من القطاعات في أفق بناء التكامل بين كل الأطراف.
إن التوجه الإفريقي للمغرب خيار استراتيجي، للدفاع عن المصالح المشتركة، والتعاون مع المنظمات العالمية من أجل إنصاف إفريقيا، وتعزيز منطق رابح-رابح، وتوقيع اتفاقيات تجاوزت الألف مع الأشقاء الأفارقة، والعمل على الأمن والسلم. من أجل تجاوز الفكرة التي كانت سائدة: إفريقيا غنية لكن شعوبها فقيرة. والملاحظ أن إفريقيا بدأت تفرض وجودها عالميا وللمغرب دور فعال في هذه الدينامية القارية. لأن المغرب في حاجة إلى إفريقيا وإفريقيا في حاجة إلى المغرب كما تؤكد على ذلك الخطابات الملكية.
تعليقات
0