عبدالله بوصوف…
لازالت حاضرة في المخيال المغربي مآسي سنوات العجاف و الجفاف في عشرينيات القرن الماضي ..كما لازالت حاضرة سنوات الجفاف الطويلة في الثمانينات وما رافقها من نفوق آلاف من رؤوس المواشي..و خصاص كبير في المواد الغذائية…و قد كانت سببا في بدايات التفكير الجدي في سياسات جديدة للماء ، اطلق بموجبها المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه سياسة بناء السدود..
اليوم ، يُعيد خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة لسنة 2022..طرح تراتبية أولويات القضايا الكبرى للبلاد أمام المؤسسة التشريعية ، و مذكرا إياها بادوارها الدستورية فيما يخص مجالات التشريع و التقييم و المراقبة…وهو تأكيد للانشغال الملكي بإشكالية الماء منذ اعتلائه العرش ، و باعتبار الماء عنصرا أساسيًا في كل عمليات التنمية و ضروري لكل المشاريع و القطاعات الإنتاجية ، اذ نجد بعض الاحصائيات تتكلم عن استهلاك المياه بنسبة 70% في المجال الزراعي و بنسبة 19% في المجال الصناعي..
من جهةٍ أخرى ، فلسنا في حاجة للتذكير بكل توصيات المؤتمرات العالمية للمناخ بخصوص إشكالية الماء و اعتبارها ظاهرة كونية لها علاقة بالتغييرات المناخية و ارتفاع عدد السكان سواء تلك المنعقدة بفرنسا او المغرب او كلاسكو او غيرها …كما يتوقع ان تحضى بنفس الاهتمام في المؤتمر القادم بمصر أي الكوب 27 في نهاية سنة 2022…
لكن الارتفاع المخيف للارقام وحالة الجفاف الأكثر صعوبة بالمغرب منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود .. دقت ناقوس الخطر و جعلت الحاجة ماسة الى اتخاذ تدابير استباقية منذ شهر فبراير الماضي لمكافحة آثار الجفاف لتوفير الماء للشرب و حماية الثروة الحيوانية و تقديم مساعدات للفلاحين..هذا بالموازاة مع اخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020-2027..كما ذكر ذات الخطاب بالاستمرار في سياسية بناء السدود حيث تم انجاز 50 سدا إضافة الى 20 سد في طور الإنجاز…
و كعادة كل الخطابات الملكية..فبعد عملية التشريح الواقعي لإشكالية الماء و الجفاف و نذرة المياه و الوقوف على حالة الاجهاد المائي الهيكلي.. يطرح البدائل وفق مقاربة تشاركية تتحمل فيها المسؤولية كل مكونات المجتمع المغربي من حكومة و مؤسسات و مواطنين..حيث يصبح غير كافي بناء التجهيزات المائية كالسدود و شبكات الربط المائي البيئي ومحطات تحلية مياه البحر..لكن ضرورة تغيير سلوك الاستهلاك و القطع مع كل أشكال التبذير و الاستغلال العشوائي و الغير المسؤول..
وهنا يعود الخطاب لتحديد مرتكزات أساسية في إطار المخطط الوطني الجديد للماء… كضرورة إعتماد التكنولوجيا الحديثة في مجالات اقتصاد الماء و إعادة استخدام المياه العادمة ، و ترشيد استغلال المياه الجوفية و التأكيد على ان سياسة الماء لا تخص قطاعا او مؤسسة بعينها ، بل هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات، و اخد بعين الاعتبار للتكلفة الحقيقية للموارد المائية و التي تتجاوز التكاليف المالية الى تكاليف قد تمس بالأمن المائي و الغدائي و الثروة الغابوية و الحيوانية…
اكثر من هذا فإن ذات الخطاب أكد على منزلة إشكالية الماء و جعلها خارج كل المزايدات السياسية و بعيدة عن كل مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية…كما أكد على أهمية الاستثمار المنتج وحسنات الميثاق الوطني للاستثمار لجذب الراسمال الوطني و القطاع الخاص و أيضا الاستثمارات الأجنبية…وما يتبع ذلك من توفير لفرص الشغل و موارد مالية تخصص لتمويل البرامج الاجتماعية و التنموية..
و مرة أخرى و بمقاربة تشاركية فقد اشرك الخطاب كل المؤسسات و المتدخلين على الصعيد المركزي أو الترابي و طاقات القطاع الخاص و التي اعتبرها المحرك الحقيقي للاقتصاد الوطني…في مسلسل التعبئة و التحلي بروح المسؤولية للنهوض بقطاع مصيري لتقدم البلاد.. و من اجل تحقيق تعاقد وطني للاستثمار حدد سقف أهدافه في تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات و خلق 500 الف منصب شغل بين سنوات 2022 و 2026..
و لأن المغرب يحتاج اليوم لكل أبنائه من داخل الوطن ومغاربة العالم من أجل كسب رهان التحديات سواء المناخية بالاستفادة من تجربة الكفاءات الوطنية من مغاربة العالم ، أوتحديات متغيرات العلاقات الدولية الراهنة و تحديات جيوستراتيجية و تحالفات سياسية و اقتصادية كبرى على ضوء تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا و ازمة الطاقة و سياسات منظمة الاوبيك بلوس.. بالإضافة الى تحديات تحسين صورة المغرب بالخارج و جعله محل جذب للاستثمارات الأجنبية و للسياحة العالمية…وهي مجالات برعت فيها العديد من كفاءات مغاربة العالم… ومنها مجالات الماء و الاستثمار…
تعليقات
0