لينابريس
يتحدث الجميع عن تحديات ومعارك تخوضها الدولة بمؤسساتها وأجهزتها والأفراد بمهامهم ومواقفهم، فلا تسمع في الآونة الأخيرة إلا الخطابات الموجهة إلى أعداء في ضفة أخرى، أو تحديات مرتبطة بغلاء الأسعار وارتفاع أثمنة المحروقات ومدى تأثيرها على أوضاع ومعيش المواطنين. وكلها، لا شك، تحديات تعرقل الرتم الاعتيادي، وليس الطبيعي، لحياة الأفراد. غير أن الذي يشد انتباهنا هو أنه نسرف في خوض معارك أقل أهمية وجدوى من المعارك الفعلية والحقيقية التي يلزمنا خوضها، أو أنه يتم توجيهنا بشكل مقصود إلى غير وجهتنا. وأصبحتا أمام تجمهر الجمهور خارج ما ينبغي التجمهر وإحداث الصخب الواعي والمتحضر حوله. هكذا يتصرف العقل الجمعي للأفراد عندما يغيب وعيهم الفردي، لتحل محله ضوضاء الجماعة التي تهيم وراء كل خطاب أو مشهد يحرك عواطفهم، إذ يكفي أن ينشر شخص ما إشاعة مغرضة أو موقفا لطرف ما تجاه البلد،أو مقطعا مصورا يحمل مضمونا رديئا ومهيجا لمناطق الجهل والتخلف، لتشهد الجميع وقد صوبوا أبواقهم وحناجرهم وصفحات مواقعهم الإجتماعية حوله، فنصبح أمام استهلاك مهلك و استنزاف مفرط لجهود وآراء كان يلزمها أن تخوض في معاركنا الفعلية.
ونقصد بمعاركنا الفعلية، تلك المعارك التي تحدث التحول والتغيير الذي ننشده. نشير تحديدا إلى الإصلاحات السياسية التي تفضي إلى إصلاحات عميقة وجوهرية في أوضاعنا، والتي تحدد أساسا في مستوى قطاعات التعليم والصحة والشغل والدخل الفردي في بلدنا، فحياتنا الفردية والجماعية لا تستقيم دون أن تكون هذه القطاعات في المستوى المطلوب، ولا يحق لنا أن نفخر بشيء آخر دون وضعها في المستوى الذي ينبغي أن تكون فيه.
إن التعليم قاطرة كل هذه القطاعات، إذ به تتحقق الرهانات والتطلعات في المجتمعات، فبه نؤسس للفرد/ المجتمع المتحضر فكرا وسلوكا، وبه نبدع ونبتكر، وتزدهر به في المجمل كل المجالات( ثقافية، اقتصادية، اجتماعية..). إنه حجر الأساس لكل المشاريع والانجازات. ولا يمكن أن تتحقق الريادة والنجاح في مجتمع غير متعلم، أو متعلم تعليما رديئا. فلا صناعة ولا فلاحة ولا طب ولا اقتصاد دون موارد بشرية مؤهلة ومتعلمة. لذلك نجد الدول ذات الريادة تنفق الكثير وتتعاطى بجدية ومسؤولية مع هذا القطاع وعيا منها بالآثار المباشرة لمخرجات هذا النشاط على كل الأنشطة الأخرى. وتبعا لذلك نعتبر معركة التعليم أم المعارك التي ينبغي أن نجهد أنفسنا في خوضها، والإستمرار في خوضها، لأنها ستضمن لنا لا شك الانتصار في كل المعارك الأخرى.
أما المعركة الثانية التي ينبغي أن نخوضها، ولا يمكننا تجاهلها، فهي المرتبطة فقطاع الصحة. لماذا الصحة ؟ لأنه لا يمكن أن نحقق أي إنجاز ولن يكون لنا مستقبل بمجتمع تنهشه الأمراض، وينفق جل ما يكسبه لعلاج أعطابه، فالفرد عندنا يكد ويجتهد ليوفر جل ما يربحه لتغطية تكاليف علاج نفسه أو فرد من أسرته، فلا يقوى بعدها على الإسهام في أي مشروع تنمية، فرديا كان أو مجتمعيا.وإصلاح هذا القطاع يرتبط بتوفير وتأهيل وتحفيز الموارد البشرية، وتجهيز المنشآت الطبية حتى يتسنى لها إستقبال المرضى في ظروف أفضل. وفي الجملة، فنحن في حاجة إلى منظومة طبية فاعلة ومؤثرة في الحياة العامة للمواطنين دون أن تنهك جيوبهم وتستنزف طاقاتهم.
أما القطاع الثالث الذي يتوجب أن تجعله الحكومات المنتخبة محط مشاريعها وشغلها الشاغل فهو قطاع الشغل، الذي يعتبر مؤشرا مباشرا وواضحا على التقدم، وآثاره الايجابية/السلبية آنية التحقق في الحياة العامة قبل الخاصة. فارتفاع معدلات البطالة وضعق دخل الأفراد يعني ارتفاع معدلات الجريمة، وتردي القيم، وتدهور جودة الحياة..الخ. ومعلوم أن الدخل الفردي الجيد ينعكس بشكل مباشر على رفاه الأفراد، فيترتب عن هذا الرفاه تحسن وتطور في كل المؤشرات والمجالات الأخرى.
وفي المحصلة، نقول أن وعي الأفراد ومؤسسات السلطة بهذه المعارك/القضايا، مع تملك إرادة الاصلاح والتغيير، يتوجب أن يكون قبل وأمام كل ما يمكن أن يشغل انتباههم. إضافة إلى ضرورة الإلحاح والنضال من أجل اعتبارها قضايا ومشاريع وطنية لا تقبل المزايدات أو التراخي.
تعليقات
0