لينابريس
نظم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، دورة تكوينية لفائدة الأئمة والمرشدات بمدينة فرانكفورت بألمانيا يوم 23 أكتوبر 2022 تحت عنوان ” دور الإمام في ترشيد الخطاب الديني في السياق الأوربي”.
حضر الدورة أكثر من 120 مشاركا قدموا من مختلف مدن ألمانيا.
في البداية، رحب الميلود لحسيني عضو المجلس بألمانيا بالأئمة و المرشدات، وبرؤساء المساجد والجمعيات الدينية والثقافية و بالعلماء والأساتذة المؤطرين، و كافة الضيوف المدعوين، منوها بالدور الريادي للمجلس والذي أصبح يشكل مرجعا علميا و منتدى فكريا مهما في أوروبا، كما ذكَّر بدورات المجلس السابقة، وما تركته من أصداء واسعة في الساحة الدينية الإسلامية على صعيد القارة الأوروبية، كما بيّن مكانة الإمام ومنزلته، والمسؤولية الملقاة على عاتقه في المجتمع، ووجوب استلهامه للمنهج الإسلامي الوسطي في خطاباته.
الطاهر التجكاني رئيسِ المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، أكد خلال كلمته بأن مكانة المجلس ما بين مقامي الهجرة والنصرة، مفرقا بين الدين الذي هو وحي من الله لا يعتريه نقص ولا تبديل ولا تجري عليه سنن التاريخ نسخا وتغييرا وبين الخطاب الديني الذي يخضع لسياقات الزمان والمكان والحال، مبرزا أن الحالة الأوروبية الراهنة هي إحدى هذه السياقات، كما أشار إلى أن وسائل الخطاب متنوعة ومختلفة، إذ منها الوعظ والإرشاد والتوعية والإعلام، ولكونه وسيلة بيانٍ فهو محتاج دائما إلى العناية والترشيد. والخطاب الشرعي يضع دائما في الحسبان المخاطب والسياق الذي وضع فيه، فالخطاب الموجه إلى من عهده قريب بالإسلام يختلف عن الخطاب الموجه إلى من رسخت قدمه في الإسلام، والخطاب الموجه للمرأة ليس هو الخطاب الموجه للرجل..
بدوره الخمار البقالي عضو المجلس ورئيس جمعية الائمة بهولندا، شدد على ان من بين أهداف المجلس الأساسية المتمثلة في تفعيل دور الإمام المتعلقة بمهمته كمصدر للخطاب الموجه للناس على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم وثقافاتهم وأجناسهم، و أن كل إمام هو في تساؤل دائم مع ذاته: كيف يخاطب الناس؟ وكيف يحاور من يجادل دون تنطع ولا انحلال؟. وذكر أن المجلس يجتمع مع إخوانه الأئمة من أجل التعاون والتبادل الفكري، كما أشار إلى معنى الخطاب وحقيقته، ورسالة الإمام التي يحملها للناس، وأن الثقافة اليوم هي ثقافة الصورة وهي وسيلة من وسائل الخطاب المؤثرة.
وأشار إلى أن الكلمة أيضا لها مكانتها في الخطاب، وبالتالي فعلى الإنسان أن يختار الكلمة واللفظة التي يخاطب بها، وانتقل بعد ذلك الى خصائص الخطاب التي أجملها في الإبانة والتبليغ، والحكمة التي تعني الاتقانَ وإجراء العمل وفق العلم، ومن خصائص الخطاب أيضا اللين والبشاشة في الوجه، مع التركيز على المشترك وتجاوز المختلف حوله، واستحضار جانب الاعتدال ومراعاة أحوال المخاطب، وخلص إلى أن الخطاب يتنوع بحسب السياقات الحالية والمقالية وهذا هو الباعث على إقامة هذه الدورة.
أما الدكتور مصطفى المرابط المستشار بمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج فحاول تفكيك عنوان الدورة الذي أثار جملة من التساؤلات والدوافع التي كانت وراء اختيار هذا الموضوع، وذلك بسبب التحديات التي أفرزها الواقع، ومن ثم كان المجلس موفقا في اختيار هذا الموضوع من أجل إشراك المختصين وذوي الشأن، ونقصد بهم السادة الأئمة. وذكر أن الإمام هو المعني الأول في موضوع ترشيد الخطاب الديني. وبين أن المجلس من خلال اختياره لهذا العنوان يحمل هم هذا الخطاب الذي يستبطن دلالة الأزمة التي يحتاج فيها إلى ترشيد والذي هو منوط بضرورة استحضار معالمه ومن أبرز هذه المعالم مراعاة السياق. وبين أن السياق الأوربي هو الذي يحوي هذا الخطاب، من هنا أهمية مناسبة الخطاب للسياق، وكل حديث عن التجديد أو الترشيد سيكون ضربا من العبث، وجهدا ضائعا، ومشاركة في الهدم بدل البناء إن لم يراعي الخطاب السياق. وحث على الانتقال من الحديث عن الإمام كفرد الى الحديث عن الإمام كمؤسسة ومن هنا أهمية وجود الإمام في فضاء أوروبي يؤمن بالعمل المؤسساتي. ثم استشهد بالآية الكريمة من سورة القصص “وشددنا ملكه واتيناه الحكمة وفصل الخطاب” لانتزاع الخصوصية الزمانية، وهذه هي مهمة العالِم لصناعة قوة الخطاب بالحكمة وفصل الخطاب. وختم كلمته بقولة التبريزي رحمه الله عندما جادله أحدهم بقوله إن قلبه من حديد وقلب التبريزي من طين فأفحمه بحكمته البليغة إذ أجابه قائلا: ” عندنا ستمطر فإن الحديد سيصدأ وأن الطين سيزهر”.
في المقابل، عرف الدكتور عبد الحق الكواني بمحاور مداخلته مشيرا إلى أن الإمام الأورربي أصبح لزاما عليه معرفة السياقات الأوروبية، والانتقال من الحديث عن الإمام كفرد إلى الحديث علن الإمام كمؤسسة.
و أن الترشيد يسبق التجديد، لأن المجتمع الأوروبي مجتمع متعدد، وأن مجالات الخطاب متعددة ومتنوعة. ثم تساءل هل نحن نتحدث عن الخطاب الديني أم عن الخطاب الإسلامي؟ وهنا فرق كبير بين المعنيين، ذلك أن كلمة الدين كلمة جامعة غير مانعة يدخل فيها كل دين، في حين أن الخطاب الإسلامي فهو كلمة مانعة غير جامعة بلغة المناطقة، تبقى منحصرة فيما يهيئه الإمام.
وخلص إلى أن من ضرورات الترشيد: العمل على تجاوز كل خطاب يتصادم مع القيم ، والعمل على مراجعة الخطابات الإسلامية التراثية التي تهتم بالجانب العقيدي التي تزخر بها المكتبات العربية.
كما أن الاهتمام بإصدار الفتاوى مع مراعاة المقاصد هو نوع من أنواع الترشيد، وكذا التمييز بين الخطاب الوعظي والخطاب السياسي، مع وجوب الاهتمام بالجانب السلوكي الذي يهتم بتنمية الروح وتقوية العلاقة مع الخالق أو ما يسمى بالخطاب الصوفي.
وفي السياق ذاته، بين برمضان عبد الكريم المدير التنفيذي للمجلس أن من بين أهم أهداف الدورة هو إشراك الإمام في التفكير جماعيا من أجل عطاء أمثل. وجعل من كتاب “النمط الوجودي للأشياء التقنية” أرضية للحديث عن إنسان بهوية مزدوجة تزاوج بين البيولوجيا والتقنية، وأن ذكاء الآلة سيتجاوز ذكاء الإنسان، مما سيجعل الأجيال القادمة أجيالا بيوتقنيه biotheknik بدل الإنسان البيولوجي.
من هنا يلزم على الخطاب الديني في أوروبا مراعاة السياقات الجديدة ليتناسب ونوعية تفكير الأجيال الصاعدة التي تتغير ثقافتها بشكل سريع. وأشار إلى أن الدين فطرة في الإنسان، وبالتالي فإن الترشيد الديني هو فعل ملازم ومصاحب للأجيال والمجتمعات في مساراتها وصيرورتها، والإمام كمنشئ لهذا الخطاب بحاجة الى العمل من أجل ترشيد خطابه.
وبعد مداخلات الحضور وتفاعل المؤطرين مع أسئلة القاعة بدأ عمل الورشات التي قسمت إلى ثلاثة محاور أساسية هي:واقع الخطاب الإسلامي في أوروبا
سبل النهوض بالخطاب الإسلامي في أوروبا: قضايا تجديدية
مآلات ترشيد الخطاب الإسلامي في أوروبا.
وقد توج النقاش بعروض تلخيصية لما تم تداوله في ورشات العمل ومن اهمها، العمل على ترشيد الخطاب الديني، وتوجيه الشباب الوجهة الصحيحة السليمة، القائمة على منهج الحكمة والموعظة الحسنة.
التركيز على مبدإ التوسط والاعتدال، وحسن التفاهم والحوار، والتعاون على الخير والصلاح، بما يخدم المنهج المغربي في التدين السليم البعيد عن الغلو والتطرف، والتزمت والتعنت.
الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يحدث شرخا أو يعمق فجوة، أويوسع خرقا بين الفرقاء المشتغلين في الحقل الديني، والغيورين على دينهم، حتى لا تضيع فرص العمل الجاد والنهوض به.
واخيرا ، العمل على توفير الوسائل اللازمة والكفيلة بمحافظة الجالية المغربية والمسلمة في اوروبا على هويتها وأصالتها الدينية.
وتكثيف جهود مختلف الفعاليات الجمعوية من أجل العمل المشترك مع المجلس، والانفتاح عليه، لمواجهة التحديات، وخلق بيئة سليمة، تهدف إلى تهييئ مناخ إسلامي صاف وخال من كل الشوائب.
تعليقات
0