سليمان العلوي
تداول جمهور مواقع التواصل الاجتماعي؛ ومنه الجزء الوفير من عامة الناس، مخرجات مباراة المحاماة، التي يشاع أنه لحقها تزوير وتزييف. فهل يمكن أن يحدث مثل هذا في مباراة ذات صلة بقطاع شرط جودته وفاعليته النزاهة، بل هي مهمته وهدفه ؟ الجواب، دون تزييف أو تزوير، هو نعم، وحتما. كيف لا، وكيف تكون استثناء وقد لحق التزييف مثيلاتها من المباريات، فتجد الإسم الواحد وقد وجد مع الناجحين في مبارتين أقيمتا في الوقت نفسه، أو نجح دون أن يكلف نفسه عناء إجتياز المباراة. وحصول ذلك في مباراة المحاماة ممكن، خاصة أن مؤشرات وقوع ذلك قائمة. لكن هل هي مؤشرات يمكن أن تدين من تشير إليه أصابيع الإتهام؟ فلنتأمل بعضها لنرى. يقال أن مترشحين ناجحين وجدوا وهم يحملون الكنية نفسها، لنقل أن ذلك يمكن أن يحدث، خاصة وأن بعض الكنيات يحملها الكثير من المغارية في مدن ومداشر مختلفة، وهو ما صرح به الوزير نفسه، لكن المثير للإستغراب أن صدفة ممكنة كهذه لم تحصل مع كنيتي أو كنية أحد من “المكردين”، بل هي صدفة يصادف أن تحدث معهم فقط. والذي زاد من شرارة الجدل هو الخروج المتكرر الذي وصل حد الاحتجاج لبعض الراسبين، معتبرين إجاباتهم تضمن نجاحهم. لنقل للأمانة أن هذا ليس دليل إدانة، فقد حدث معنا مرارا أن ألح واستعجل تلميذ نقط إمتحانه معتقدا أنه قام بما يلزم لينال تقديرا جزائيا جيدا، والحقيقة أن معدله أقل من المتوسط أو ضعيف. وبالتالي فليس كل من يخبرنا بجودة ما أنجر يكون قد تحقق ذلك فعلا فيما أنجز.
وإذا كانت تلك المؤشرات لا تثبت بالمطلق حدوث تزوير، وبالتالي إدانة. فإن التابث هو إدانة الوزير بما صرح به، فقد صدح لحظة غضبه بحقيقة كانت تُزَيَّف وتُنَمَّق.حقيقة كان قولها خادشا ومستفزا لنا، وهي أن تعليمنا طبقي وفئوي، وهذا ليس بجديد، فسياسته وتوجهاته تنحو تجاه جعل الطبقات في الوضع نفسه، أي إعادة إنتاج للواقع نفسه، بحصر أبناء كل فئة في موقعم الطبقي، ومنعهم من تسلق السلم الاجتماعي. كل ذلك يتم بوسائل، جعلت مشروعة ومقبولة، منها أن يحظى أبناء الميسورين بتعليم أفضل وفي ظروف أفضل، مع تسهيلات أخرى، حتى يتسنى لهم أن يرثوا أماكن أبائهم وأمهاتهم. وبالتالي ففرص النجاح ليست متساوية أمام الجميع، بل فيها عزل وتمييز. وهذا أَمَرّ وأصعب من أن يطال المباراة تزييف، لأن هذا يمكن ضبطه بإلحاح وضغط المترشحين وبمزيد من الرقابة.غير أن الحظوظ غير المتساوية هي تجعل هذا الواقع هولا. وبالتالي فالتزييف طال المباريات الأكبر، وهي مباريات المساواة والعدالة والكفاءة، أي أن الذي ينبغي أن يحظى بنقاش عمومي جاد وواع هو خلق الظروف والمسارات نفسها لأبناء الوطن ليتسنى للأصلح منهم المكانة والمهمة التي يستحقها، وإن تحقق ذلك، وهو بعيد التحقق للأسف، سيحقق البلد حينها النجاح الحقيقي، بأن يتقلد الأجدر من أبنائه الوظائف التي تجلهم يقومون بما يلزم القيام به لتقدم هذا البلد.
وبالمحصلة، فإن شروط وسياقات مباراة المحاماة هي نفسها في مجالات وقطاعات أخرى، وتجزئة النقاش أو حصره في واقعة غير مكتملة العناصر من شأنه أن يبتر الجزء الهام من المشهد في هذا الوطن.مشهد يعطينا صورة ناصعة مؤداها أنه أينما وجد المال وجدت الطبقية، وتقزمت حظوظ أبناء الكادحين في الوصول إلى مواقع مهنية واجتماعية أفضل إلا فيما ندر. وهذا الواقع لا يرتفع ما دامت محدداته ونظمه أقوى من إرادة ومبادئ التغيير، وسنجد في حاضرنا ومستقبلنا ما يذكرنا بأن مسعى السلطة عندنا النفوذ والإحتكار، تثبيت ما هو حاصل لا تغييره. لذلك يلزمنا أن نطالب، وأن نعمل، لا على إعادة تصحيح أوراق مباراة المحاماة، وإنما إعادة تصحيح وتقويم إعوجاج ممارسة سياسية وبيروقراطية قوضت حظوظنا في أن نتواجد في بلد مزدهر يسع الجميع.
تعليقات
0