لينابريس
تم يومه الاثنين 27 فبراير الحالي بدار الثقافة “الأمير مولاي الحسن” على الساعة الثانية عشر زوالا، تسليم المهام بين “الدكتورة جهان الخطابي”، المديرة الإقليمية للثقافة بالحسيمة سابقا، و”كريم أوعمو” مدير إقليمي مكلف بقطاع الثقافة، بحضور ممثلي المديرية الجهوية للثقافة بطنجة.
وقد تميز هذا التسليم بإقامة حفل تكريم الدكتورة “جهان الخطابي” من طرف أسرة المديرية الإقليمية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل- قطاع الثقافة- .
الأكيد أننا أمام هامة سياسية وثقافية تميزت بوحدة الحضور، التجربة الميدانية المكتسبة من مسار من الحضور والتكوين المؤسس للنجاح، ومن الحضور كإنسانة فاعلة من وعي الانتماء لروح الإنسان وجوهره الحي من خلال الفعل الإبداعي والثقافي، فكانت التعبير عن هاته الوحدة كقطعة ملونة صغيرة في فسيفساء بديعة زاخرة بالأجزاء التي تبدو مستقلة عن قرب، متوحدة عن بعد، في نظام متكامل يعطي معنى لكل جزء من أجزائه، ويستمد معناه من هذه الأجزاء ذاتها.
فكل الثناء والتقدير للدكتورة “الخطابي” على ما قدمته من وحي الحضور الفعل بعيدا عن كل السعار الذي يمكن أن ينبح ليعطل المسار، لكن قوة الحضور تخترق ثنايا النباح إلى التأسيس من داخل النص الإبداعي لعلاقة شبقية تتغذى من الوطن وحيا، ومن الشمال قلعة أساسية تأسر مشهد الحضور وتنمي روح التحدي في دواخل نبض يشع بأوثار الحياة الإنسانة التي توشح دواخل الحياة الانتماء فيها، فجهودها المتواصلة والمميزة خلال فترة توليها مهام المديرية والتي تركت بصمة بارزة في هذا القطاع الحيوي بعد جائحة كورونا، وعلى الرغم من كل الإكراهات، إلا أنها استطاعت أن تحول العوائق حواجز للبناء والتأسيس للفعل الثقافي بالحسيمة وفي باقي ربوع الوطن.
على الأرض ترسخ الحضور من خلال تنظيم منتديات وندوات ومهرجانات متنوعة وأنشطة ثقافية دينية ووطنية على مستوى الإقليم للنهوض بالشأن الثقافي، وسهرها المعهود على تتبع ومواكبة كل المشاريع الثقافية التي أطلقها صاحب الجلالة نصره الله، في إطار برنامج التنمية المجالية – الحسيمة منارة المتوسط- وهي في مراحلها النهائية بنسبة إنجاز 100%، إضافة إلى المشاريع الثقافية الأخرى بكل من جماعتي “إكاون” و”إساكن”، ومشاريع أخرى تم اقتراحها من طرف المديرة الاقليمية على مستوى عمالة الإقليم، كبناء دار الثقافة بتارجيست ومركز ثقافي ببني بوعياش واللذين تترافع عليهما كذلك ببرنامج التنمية الجهوية الذي تشتغل عليه جهة طنجة تطوان الحسيمة.
فتحية لهامة قدمت الكثير ولم تمنح ولو النزر القليل من الاعتراف الذي يجب أن يرسخ كأسلوب حياة، تحية عالية لكل القلاع الشامخة كما، الخطابي التي يشهد اسمهما رمز “أنوال” ومقاومة كل أشكال الاستعمار والإدلال والتغييب القسري بالطمس الذي حاولت التصدي له بالإماطة والتعرية فأفلحت وأدت في ذلك بقوة الانتماء للحقل الثقافي سلاحها حب الأرض والإنسان، مسنود بتكوين أكاديمي عال سمى بها في العمل وحولها إلى قلعة ثقافية صعب دحرها مهما غلظت قوة الأمواج وقست قوة الرياح في اجتثاث لهيب وحماسة الارتباط بالأرض والإنسان، ونتمنى لها غزارة التوفيق والنجاح في مساريها المهني والعلمي.
“الخطابي” مسار عمل بمديرية الثقافة وأثر إيجابي صقل في تراب الإقليم
“جهان الخطابي” من مواليد مدينة الحسيمة، ترعرعت وسط عائلة محافظة محترمة ميسورة الحال، زوجة صالحة وأم مثالية يحتذى بها وسط محيطها، نموذج المرأة المكافحة، التي تغدت من أريج جبال الريف ومن قلعة سماء لم يلوث حضورها أي شيء سوى هوس الانتساب للمحيط الصغير تربية ورعاية راقية سامية، وانتماء لمحيط كبير شكل هاجسها بناء لغد سمفوني ينشد الجمال من خلال الحضور الواعي، مثقفة بكل ما للكلمة من معنى، واجتماعية الأصول وهو ما أعطاها مكانتها في كل الحضور الذي لفها وعاشرها، فكانت بذاك نعم الإنسانة الواعية بالحضور الفاعل في المجال وليس المنفعل بآليات النقل وبناء الزيف وأدوات الانهيار والتدمير الذي يغزو السوق ويلوث كل سلعه.
جهان المسار الأكاديمي الراقي والحضور الثقافي الوارف الضلال
بدأت “جهان الخطابي” مسارها كأستاذة، وكانت تساير مشوارها الأكاديمي بجامعة محمد الأول بوجدة، لتحصل من هناك على دبلوم الإجازة في العلوم الاقتصادية والتدبير، تخصص التسيير المالي والمحاسباتي، وبعد اجتياز مباراة بالأكاديمية الجهوية لجهة تازة الحسيمة تاونات تفوقت لتكلف حينها بمهمة بإحدى مصالح قسم الشؤون الإدارية والمالية بذات المؤسسة، وبعد حصولها على دبلوم الماستر في القانون العام، اختارت العمل بالمديرية الإقليمية للتربية الوطنية والتكوين المهني كمسؤولة عن الشؤون الاجتماعية والتربوية والثقافية، هذه المسؤولية الأخيرة جعلتها تخوض مهاما كثيرة ومتعددة منحت لها تجربة رائدة إقليميا ،جهويا ووطنيا ، من منسقة إقليمية للأندية التربوية والثقافية بالمؤسسات التعليمية بالإقليم، منسقة إقليمية لبرلمان الطفل، منسقة إقليمية للبيئة والتنمية المستدامة، وفي نفس الوقت قلدت مهمة كاتبة عامة للفرع الإقليمي لجمعية تنمية التعاون المدرسي، منسقة إقليمية لحقوق الإنسان، منسقة إقليمية لمشروع تدبير الحوادث والخواطر داخل المؤسسات التعليمية بالإقليم، نائبة لرئيس فرع جمعية ARID بالحسيمة…الى غير ذلك.
إذن فنحن أمام مسار حافل من العطاء لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة جهد كبير ونضال من أجل السمو الجميل في فناء التربية والتكوين ليصنع هذا الحضور المعزز بالطموح هامة فعل أرسى معالم حضور واع قوي، واع بأهمية تكسير كافة العوائق التي تحبط مسار امرأة في عالم لا يعترف إلا بالقوة وبعالم ذكوري يقصي نصف الكون، من أجل نهم وجنون عظمة وهمي لا يكرس إلا الموت أسلوبا، في مقابل جهاد “جهان” من أجل الوجود والحضور الوازن الباني للغد المفتوح على قيم المحبة المفقودة، وهو ما مكنها من التألق بقوة وبهدوء ميدانيا وإداريا ، حيث حصلت على شواهد تقدير وتنويه من مسؤوليها كتتويج لعملها المثمر والذي ترك بصمة رائدة بالمديرية الإقليمية للتعليم، لتنتقل بعد سنوات من الكد والكفاح إلى وزارة الثقافة بعد اجتيازها لمباراة منصب مديرة إقليمية للثقافة بالحسيمة، ليتم تنصيبها من ضمن المترشحين سنة 2019 للعمل بوزارة الشباب والثقافة والتواصل كمديرة إقليمية للثقافة بالحسيمة، وما ميز السيدة “جهان الخطابي” هو صمودها وتحديها لكل الصعاب رغم بعد الجامعات عن إقليمها، لتحصل يوم 15 يوليوز 2022 على شهادة الدكتوراه من أعرق الجامعات التي يفتخر بها المغرب وهي ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس في القانون العام تخصص : العلوم السياسية والقانونية وأطروحتها كانت مميزة بين رفوف الجامعات المغربية حيث تضمن عنوان أطروحتها: المرأة المغربية والعمل السياسي في العهد الجديد.
إذن فنحن أمام ذخيرة حية من العمل الشاق والتحدي الواعي لدور امرأة نوعية قادرة على تأسيس حضور فعلي، يغطي المسافات ويطويها في اتجاه ترسيخ قيم البناء والحياة، بدل قيم الموت التي حاولت تكسير قوة حضورها بالتآمر حينا إلى نصب الفخاخ أحيانا، لكنها بقيت صلبة كما بدأت مؤمنة بأن العمل والصدق فيه والانفتاح على التحدي من خلال التكوين والمزيد من التكوين والصقل بالممارسة هو ضمانة الحضور الكبيرة البانية للإنسان قبل المرأة.
دخلت العمل الجمعوي والسياسي من باب الغيرة على الحسيمة التي شهدت مولدها ونموها الهادئ الطموح، فتقلدت منصب نائبة رئيس المجلس الجماعي للحسيمة مكلفة بمهمة تسيير قطاع الثقافة والتعليم والتكوين المهني حيث خصصت في ولايتها مبالغ مالية مهمة لجميع المؤسسات التعليمية المتواجدة بتراب المدينة، بغية تشجيع وتحفيز المتفوقين والمتفوقات دراسيا، كانت تقدم خدمات جليلة لفائدة المواطنين وتقف وقفة رجل مع الضعفاء دون استثناء.
نفس الوضع عاشته وتربت في ينبوعه الفياض وهو ما مكنها أن تكسب ثقة الجميع خلال فترة ولايتها الحالية كنائبة لرئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة، مكلفة بمهمة تسيير قطاع التكوين المستمر والتكوين المهني وإنعاش الشغل والبحث العلمي.
وعن عملها كمديرة إقليمية للثقافة لها غيرة كبيرة على الشأن الثقافي بإقليم الحسيمة، حيث أبانت عن هذه الغيرة في تفانيها في العمل وإصرارها المستمر على خدمة الشأن الثقافي ودعم الشابات والشباب المهتمين بمجالات المسرح والموسيقى والتشكيل، كما أظهرت على حس بارز ومتقن من خلال تتبعها ومواكبتها المسؤولة والمتواصلة لجميع المشاريع الملكية في إطار التنمية المجالية ” الحسيمة منارة المتوسط ” من مراكز ثقافية مهمة ومواقع أثرية تاريخية التي ستساهم لا محالة في إعطاء دفعة قوية للشأن الثقافي وإحياء الموروث التاريخي وتحقيق نوع من الوعي والاعتزاز بالشواهد التاريخية والأثرية.
لقد جسدت “جهان” صورة حطمت بها الصورة النمطية الصنمية للحضور الثقافي من خلال ترسيخ سياسة تعمد العمل مجالا أساسيا للحضور والقرب من متطلبات الإقليم وأبنائه منهاجا ينير طرق عملها، وهو ما مكنها من النجاح وبامتياز كبير جدا، حيث أعطت صورة إيجابية للمسؤولة المثابرة والرزينة التي استقبلت العالمة المغربية الفيزيائية “كوثر حفيظي” رئيسة أكبر مختبر فيزيائي نووي ب”أرجون” بالولايات المتحدة الأمريكية، ومدراء وأكاديميين وأساتذة جامعيين بذات المؤسسة التي كانت تسهر على تسييرها.
فكل التقدير لهاته الهامة العملاقة التي تجاوزت طابو كونها امرأة محكومة بقواعد جعل منها المجتمع صنما للقياس، نحو أفق مفتوح للعطاء والرسوخ في أرض الريف من موقع المرأة التي ناضلت من أجل التحرير لتكمل “جهان” الفعل بالحضور من أجل إكمال المسير المرصع باسم امرأة وعدت فما أخلفت الوعد، وقالت فكانت ندا للقول، فطوبى للمرأة المغربية بإحدى رائداتها ومزيدا من التألق عبر الإصرار كما عهدناك دوما سيدتي المتألقة.
تعليقات
0