عبد الصمد وسايح
تعتبر حرية التنقل و قرينة البراءة هي الأصل في جميع القضايا المعروضة أمام القضاء، و قد تم التنصيص عليها و حمايتها في أسمى وثيقة في البلاد “الدستور”، كما تم تضمينها في الإعلان العالمي للحقوق المدنية و السياسية، و قد تم التنصيص عليها في قانون المسطرة الجنائية في المادة 159 و بطريقة يشوبها الكثير من الغموض و اللبس، حيث جاء في النص، أن المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي تدبيران استثنائيان لا يعمل بهما إلا في الجنايات والجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، و قد تم تغييب قرينة البراءة كقاعدة و تم تكريس احتمال الإدانة و أصبح الاعتقال الاحتياطي عقوبة حبسية يقضيها المتهم حتى لو تم الحكم عليه بالبراءة، و لا يمكن تعويضه عنها أو جبر ضررها بأي شكل من الأشكال، خاصة اننا نعيش بين مجتمع لا يفرق بين الاعتقال الاحتياطي و بين العقوبة السجنية.
كل هذا يجعل منظومة العدالة في المغرب أمام مواجهة منظومة ثقافية و هوياتية، لمجتمع يعتبر أن كل من تم اقتياده إلى السجن فهو مجرم، و أصبحت في مواجهة شبه إنهيار ثقة المتقاضين في العدالة، و التي قد تتحول إلى انهيار ثقة المجتمع ككل.
الإعتقال الإحتياطي يعتبره المشرع تدبيرا إستثنائيا، لكن قضاة التحقيق و قضاة النيابة العامة يعتبرونه في أغلب الأحيان و حتى لو توفرت الضمانات القانونية قاعدة لا مفر منها، و بهذا الإجراء يسقطون في الإبتعاد عن روح القانون و روح حقوق الإنسان المتعارف عليها أمميا و و يعتبرون أن الأصل في المتابعة هي الإدانة و ليست البراءة.
الاعتقال الإحتياطي كما هو متعارف عليه في عدد كبير من الديمقراطيات هو إجراء يسلب الإنسان حريته مدة من الزمن قبل الحكم بإدانته او براءته، ويحرمه من حقه بالتمتع طيلة مرحلة التقاضي بقرينة البراءة كأهمّ الحقوق الأساسية التي يتعين أن يتمتع بها الإنسان، وهي شرط ملزم لضمان المحاكمة العادلة و إذا غاب أصبحت المحاكمة تعسفية.
و لا يكفي تعليل متابعة المواطنين في حالة اعتقال بالجملة المتداولة و التي أصبح ينسخها الجميع “خطورة الأفعال و انعدام الضمانة” كأن الماثل أمام العدالة لا يتمتع بضمانات خاصة و التي حددها المشرع في التوفر على عمل أو مسكن قار أو أسرة ، أو الضمانات العامة التي نملكها جميعا على الشياع و بمقتضى بطاقة وطنية تحدد الإنتماء إلى هذا الوطن لا تشفع له لمنحه حقه في الحرية طيلة فترة محاكمته ليتمكن من البحث عن أدلة براءته.
سلبيات أخرى للاعتقال الاحتياطي لا يأخدها قضاة التحقيق و قضاة النيابة العامة أو حتى قضاة الحكم بعين الإعتبار و تنعكس بشكل أساسي على استقرار الأسر التي يتابع أحد أفرادها في حالة اعتقال، إذ تواجه أوضاعاً اجتماعية واقتصادية صعبة تستمرّ ولو ثبتت براءة المتهَم في نهاية المحاكمة و تبقى وصمة عار تطاردهم مدى الحياة و لا يمكن جبر ضررها و لو ماديا.
إن توضيح المصطلحات و إعادة صياغتها بطريقة لا يشوبها الغموض تحدد نوع الضمانات و نوع الجرائم و تصنيفها حسب الخطورة و الأدلة و تمتيع المتهمين بها في حالة سراح و عدم ربطها بفصول المتابعة السالبة للحرية أصبح أمرا يفرض نفسه أمام عدد المواطنين المتابعين في حالة اعتقال و من بينهم عدد كبير من الأبرياء تلطخ سمعتهم فقط لأن القوانين الحالية لم ينفض عليها الغبار لتتجاوب مع التزامات المغرب الأممية و الإنسانية و المواطناتية، و و جب على من منحتهم الثقة و المسؤولية أن يتمتعوا بالقليل من الجرأة و الاجتهاد لتطبيق القانون و ليس تطبيق نزواته الزجرية و التي لم تعد تشكل الحل لمواجهة الجرائم.
تعليقات
0