● رحال لحسيني
¤ في رحيل الفنان اللبناني “حسين المنذر” قائد “فرقة العاشقين الفلسطينية”:
بعد فترة ليست بالقصيرة من الخفوت، يمتزج فيها الغياب بما يشبه النسيان، عادت “فرقة العاشقين الفلسطينية” وتعود معها “الأغنية الملتزمة” عموما (ليس المجال لبسط هذا المصطلح) إلى الواجهة هذه الأيام، إثر انتشار خبر وفاة الفنان اللبناني “حسين المنذر” قائد هذه الفرقة المتميزة (العاشقين) ذات التاريخ النضالي والفني الطويل والمتميز، من طرف عدد من وسائل الإعلام الفلسطينية واللبنانية والعربية والدولية والمواقع الالكترونية وصفحات وحسابات وتطبيقات وسائط التواصل الاحتماعي، مساء يوم الأحد 17 شتنبر 2023.
الفنان الراحل “حسين المنذر”، الملقب بفنان الثورة الفلسطينية من مواليد بعلبك (تعذر معرفة تاريخ ميلاده) بلبنان، حمل في رصيده الفني أكثر من 300 أغنية من أبرزها: “من سجن عكا طلعت جنازة”، “يا شعبي يا عود الند”، “هبت النار والبارود غنا”، “اشهد يا عالم علينا وعا بيروت”، “أنصار”، “عذب الجنال قلبي”… وغير ذلك من الأغاني الوطنية والثورية الجميلة والراقية، والتي ظلت إحدى واجهات النضال الفلسطيني والوطني والاجتماعي (على المستوى الثقافي والفني).
وكان يتميز (الفقيد) بطلته البهية وصوته الجهوري اللافت وحركات أدائه المتفردة والتي يزيدها ارتداؤه للكوفية الفلسطينية والبدلة العسكرية (بمعية معظم أعضاء الفرقة) بهاء وجدية، مما يضفي المزيد من الحماس والتأثير على شكل الأغنية، ناهيك عن مضمونها.
شخصيا لم أكن أعرف أن الفنان الفقيد لبناني، وربما العديدون أيضا، اعتبارا لكون التفاعل مع الفرقة غالبا ما كان يتم عبر أشرطة صوتية (كاسيط) كان يتم تناقل نسخ منها وتداولها (الكثيف) في نطاق معين، وفيما بعد عبر أشرطة “الفيديو” كذلك.
ربما ذلك راجع لتمازج الدم الفلسطيني واللبناني، والسياق العام الذي لم يكن يسمح بالتمييز بسهولة بين مناضلي وثوار البلدين، ومن ضمنهم فنانو ومبدعو ومثقفو لبنان وفلسطين وغيرهم، الذين “هيمنوا رمزيا” على حقبة مهمة من تاريخ المنطقة وعموم الخريطة السياسية لما سمي آنذاك “بالوطن العربي” الممتد جغرافيا من الماء إلى الماء ،(من المحيط إلى الخليج) رغم ما تعرفه المنطقة من تنوع عرقي وديني واجتماعي، والذي ظل “موحد نضاليا” (في ظل التنوع والاختلاف) حول القضية الفلسطينية في مواجهة العدو الصه … يوني، من طرف مناضلي ومناضلات ومنتسبي مختلف القوميات والشعوب والعقائد والتنظيمات بالمنطقة غالبا (ضمنهم بعض معتنقي الديانة اليهودية والمحسوبين عليها، مغاربة) ومعظم أحرار العالم بعضهم لا زال يؤدي ضريبة انحيازه المبدئي والميداني لللقضية الفلسطينية إلى اليوم باعتبارها قضية (أممية) عادلة، لم يكن يتم التفاعل معها فقط من منطلق ديني ((إسلامي)، (ومسيحي في مستوى معين)) وقومي (عربي)!
يعود تأسيس “فرقة أغاني العاشقين” إلى سنة 1977 بدمشق، وشرعت منذ ذلك التاريخ في الإنتاج الغنائي والفني بإصدار العديد من الأغاني والألبومات عن نصوص لها ولعدد من شعراء المرحلة، وفي مقدمتهم: توفيق زياد، سميح القاسم، محمود درويش، أحمد.دحبور، أبو الصادق صلاح الدين الحسيني، يوسف الحسون، نوح إبراهيم، حسين حمزة… فضلا عن تقديم عشرات اللوحات والرقصات الفلكلورية المتميزة…
وواصلت على نفس المنوال إلى أن توقفت، سنة 1993، عمليا، فيما ظلت أغانيها ورقصاتها مستمرة ومنتشرة على نطاق واسع، ولسنوات طويلة (ولازالت تحظى بالاهتمام).
كما تم القيام بمحاولات عدة لإحياء نفس الفرقة التي نتجت عنها عدة فرق غنائية (للعاشقين) وضمان استمرارها.
كانت لقاءاتنا المباشرة مع أغاني “العاشقين” أيضا عن طريق فنانين وفرق غنائية مغربية، تعيد تقديم أغانيها في “أمسيات” وتظاهرات ثقافية وطلابية ونقابية وحقوقية وسياسية (منها فرقة الانطلاقة بوادزم) والتي كانت تشنف مسامعنا وتضخ في وجداننا المزيد من الارتباط بفلسطين (كل فلسطين).
بالإضافة إلى أغاني فرق غنائية غيرها وعدد من الفنانين الأفراد (الطريق، الميادين، أولاد المناجم، ناس الغيوان، فيروز، الشيخ إمام، قعبور، محمد بحر، سعيد المغربي…. وآخرون) من “رواد الأغنية الملتزمة” آنذاك، والذين جاؤوا بعد حقبة سيد درويش بمصر (والحسين السلاوي، في سياق آخر، بالمغرب) بالإضافة إلى اسماء فرق غنائية وفنانين جاءوا بعدهم أو بالموازاة مع حضورهم البارز وأبدعوا إلى جانبهم، وتمكنوا من كسب شهرة ما! قليل منهم لا زال “في الميدان” ولو بشكل متقطع، وأغلبهم توقف عن “الغناء الملتزم” أو توارى عن الظهور نهائيا!.
برحيل الفنان “حسين المنذر” تكون مرحلة فنية (وسياسية) قد أوشكت على الانتهاء، في انتظار مرحلة فنية أخرى تتشكل (او تشكلت في رحمها وبالموازاة معها) وقد تأتي بشكل فني مغاير..
حتما، ستبقى تجربة “فرقة أغاني العاشقين الفلسطينية” حاضرة -رغم توقف صيغتها الأولى- في التاريخ والذاكرة الجماعية والوجدان الفني والوطني الممتد داخل وخارج فلسطين.. ويبقى رحيل قائدها تجسيدا مباحا للغياب الطبيعي للفرد (الأفراد) أمام طول عمر الأغنية/ الفكرة.
◇ تم اعتماد الذاكرة الشخصية ومراجع متنوعة في إنجاز الموضوع.
تعليقات
0